مع تصاعد حدة التوتر في مضيق هرمز وتزايد الاتهامات المتبادلة والحوادث بين طهران والغرب، يبدو واضحا انّ الدول الاوروبية وعلى رأسها فرنسا، لا تريد الحرب مع إيران، وإنما تنظر الى العقوبات على انها بديل براغماتي، وأنها خطوة نحو إثارة القضية في مجلس الأمن الدولي.

تشدّد أوروبيّ واضح تجاه الإيرانيين مؤخرا

باريس: لعل اوروبا توحي بأنها تفضل الدبلوماسية على العقوبات ضد ايران بالمقارنة مع الموقف الاميركي والاسرائيلي ولكن الاتحاد الاوروبي تحرك في وقت مبكر وبثبات داعيا الى العمل على المسارين. وتصدرت فرنسا بصفة خاصة حملة بشأن برنامج ايران النووي لتكون من اولى دول الاتحاد الاوروبي التي فرضت عقوبات ضد ايران في منتصف عام 2010 حين منعت الاستثمار في ايران والتعامل التجاري معها، وفي قطاع الطاقة تحديدا.

وفي 4 كانون الثاني/يناير هذا العام اتفقت القوى الاوروبية مبدئيا على حظر استيراد النفط من ايران وتنفيذ الحظر تدريجيا بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في 23 من الشهر للاتفاق على التفاصيل.

ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن برونو ترترايس من معهد الأبحاث الاستراتيجية في باريس ان فرنسا لا ترى أن العقوبات بديل من المفاوضات بل جزء منها. وأضاف ان فرنسا لم تيأس رغم تضاؤل الأمل باستئناف المفاوضات.

وإزاء تصاعد حدة التوتر في مضيق هرمز وتزايد الاتهامات المتبادلة والحوادث بين طهران والغرب فان الدول الاوروبية التي لا تريد الحرب، تنظر الى العقوبات على أنها بديل براغماتي.

وهي تنطلق في ذلك من الافتراض القائل إن الاتحاد الاوروبي باعتماده طريق العقوبات يفعل كل ما بوسعه لتفادي مواجهة عسكرية. كما تعتبر العقوبات في العواصم الاوروبية خطوة نحو اثارة القضية في مجلس الأمن الدولي.

وقال ريتشارد ويتمان من معهد تشاتهام هاوس للأبحاث في لندن لصحيفة كريستيان ساينس مونتر ان فرنسا وبريطانيا قلقتان من العواقب غير المقصودة للعمل العسكري في مواجهة ايران وانهما، مثلهما مثل عواصم عدة في أوروبا، تدعمان كل مجهود هدفه تأخير الحل العسكري.

ويأتي قرار أوروبا بفرض عقوبات نفطية ضد ايران مدفوعا بتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تشرين الثاني/نوفمبر الذي خلصت فيه الى ان ايران واصلت أنشطتها النووية التسلحية حتى وقت قريب. وتقول ايران ان برنامجها النووي لأغراض مدنية محضة.

وكان التقرير موضع جدل في اوساط الوكالة لعدم وجود دليل دامغ يدين ايران. ولكن مسؤولي الاتحاد الاوروبي رأوا فيه دليلا على نية ايران في إنتاج سلاح نووي يبرر القيام بتحرك دولي. وما يعزز هذا الموقف ان الدليل جاء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تتحفظ عادة في أحكامها وليس من تسريبات أجهزة الاستخبارات الاميركية أو الاسرائيلية.
وقال ويتمان إن التقرير ادى الى فتح عيون كثيرة رأت ان ايران تماطل في الوقت الذي تواصل تخصيب اليورانيوم لأغراض تسلحية.

وتبين ارقام المفوضية الاوروبية ان اوروبا هي اكبر شركاء ايران التجاريين وأن زهاء 90 في المئة من صادرات ايران الى اوروبا ذات صلة بإمدادات الطاقة، حيث تستورد اوروبا ما بين 450 و500 الف برميل من النفط الايراني يوميا لتأتي بعد الصين التي تشتري 600 الف برميل يوميا وبذلك تكون اكبر مستوردي النفط الايراني.

ويعني هذا ان العقوبات النفطية التي يفرضها الاتحاد الاوروبي على ايران ستكون شديدة الوطأة ولا سيما ان ما تستورده اوروبا من النفط الايراني يشكل 18 في المئة من مبيعات النفط الايراني في الخارج.

واكتسبت العقوبات زخما متعاظما بعد الهجوم على السفارة البريطانية في طهران في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وحُسم القرار بشأنها بعدما قدم الاتحاد الاوروبي ضمانات لليونانيين بتعويض أي نقص يسببه الحظر النفطي. فإن اليونان تستورد 30 في المئة من نفطها من ايران فيما تحصل ايطاليا واسبانيا على 13 في المئة من نفطهما من ايران، بحسب ارقام وكالة الطاقة الدولية.

ومن المتوقع ان يتفق وزراء الاتحاد الاوروبي في 23 كانون الثاني/يناير على آلية فرض الحظر وموعد دخوله حيز التنفيذ. وكانت ايطاليا اقترحت ان تُطبق العقوبات النفطية quot;على مراحلquot; تمتد من 3 الى 6 اشهر بحيث يُتاح للامدادات ان تتكيف مع الحظر لا سيما في الاقتصادات الاوروبية التي تواجه أزمة.

وتبلغ ديون ايران لشركة ايني الايطالية النفطية العملاقة نحو ملياري دولار تدفعها ايران نفطا. واصبحت القضية موضع نزاع بصورة مفاجئة قبل ايام ولكن السلطات الايرانية أكدت شروط العقد.

وقد تدعو فرنسا الى عقوبات اوروبية جماعية ضد البنك المركزي الايراني بوصفه القناة الرئيسة لعائدات النفط الايرانية وذلك اقتداء بمثال الولايات المتحدة.

ويقول منتقدون ان ايران تواجه ازمة سياسية في الداخل وان العقوبات قد تخدم القوى الداعية الى مواجهة، أو تطلق ديناميكية بهذا الاتجاه أو تسبب اخطاء تشعل مثل هذا النزاع.

ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن روزبيه بارسي من معهد الاتحاد الاوروبي للدراسات الاستراتيجية في باريس ان المشكلة تتمثل في تصوير العقوبات والرد العسكري على انها الخيارات الوحيدة للتعامل مع ايران.

وأضاف انه quot;ليس هناك تفكير خلاق بشأن المآل الذي ينتهي اليه ذلك... فان هناك عقوبات ولا شيء غير ذلك، ومن شأن هذا ان يقدم خدمة لمن يريدون حلا عسكرياquot;. وتابع بارسي قائلا ان الاتحاد الاوروبي يتبرع بخفض مستورداته من النفط الايراني وليس هناك مما يُعاقب في ايران غير ذلك. quot;وها نحن نقترب من نهاية اللعبةquot;.