ينشغل لبنان هذه الأيام بجبهة أشعلتها المواقف التي أطلقها وزير الخارجية عدنان منصور الأحد الماضي في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، حيث نأى عن سياسة quot;النأي بالنفسquot; اللبنانية الشهيرة- أي عدم اتخاذ موقف من الأزمة في سوريا- وقرر الإنحياز إلى نظام الرئيس بشار الأسد ضد قرارات جامعة الدول العربية الداعية إلى تنحيه.


نجيب ميقاتي وحكومته في صورة جماعية - أرشيف

إيلي الحاج من بيروت: كان رئيس مجلس النواب نبيه بري هو الذي ابتدع تعبير quot;النأي بالنفسquot; وفاخر به، لكن عدنان منصور، الذي يتولى الوزارة المحتكرة منذ زمن بعيد للثنائي الشيعي quot;أملquot; وquot;حزب اللهquot;، فاجأ اللبنانيين والعرب برفضه قرارات الجامعة، مدافعاً عن نظام الأسد، ومطالباً بالتراجع عن تعليق عضوية سوريا في الجامعة والعقوبات في حق النظام، ومفسراً تقرير المراقبين العرب بما يلائم مصلحة الأسد.

وتتحضر في الكواليس السياسية حملة شديدة على مواقف منصور في القاهرة، التي فتحت ثغرة واسعة في ملعب حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إذ ربطت مصيرها أكثر فأكثر بمصير النظام السوري، quot;المترنح بعد ذهاب العرب بوضوح إلى تدويل الأزمة السوريةquot; على ما يقول لـquot;إيلافquot; منسق الأمانة لـ 14 آذار النائب السابق فارس سعيد.

وتتيح هذه الثغرة المفتوحة، بحسب هؤلاء، إسقاط الحكومة متى قرر خصومها أن لهم مصلحة في إسقاطها ومتى رأوا أن الظروف تناسبهم وأنهم مستعدون لتأليف حكومة بديلة.

ويلاحظ المعارضون، خصوم الحكومة التي quot;يقود حزب الله توجهاتهاquot; بحسب أدبياتهم، أن وزير الخارجية اللبناني quot;ألهَمَquot; من القاهرة نظيره السوري وليد المعلم المواقف التي أعلنها في مؤتمره الصحافي رداً على قرارات وزراء الخارجية العرب التي صدرت بإجماعهم، باستثناء الوزير منصور، الذي دعا رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط إلى احترام حرية الرأي والديمقراطية، بعدما هاجم الزعيم الدرزي موقفه بعنف، quot;لكأن وزير خارجية لبنان كان يعلن عن رأيه الشخصي في القاهرة، وليس موقف لبنانquot;.

ما يثير استغراب خصوم الحكومة هو أن المسؤولين الحاليين يدركون تماماً مدى تأثير المملكة العربية السعودية ودول الخليج في المحافظة على استقرار الليرة اللبنانية من خلال الودائع في مصرف لبنان المركزي، والمساعدات المتعددة الشكل، إلى الإستثمارات الضخمة في مختلف القطاعات، فضلاً عن شبكة الأمان الخارجية التي تؤمنها للوضع اللبناني الشديد الهشاشة سياسياً وأمنياً.

ويقول النائب السابق فارس سعَيد إن حكومة ميقاتي تدعم النظام السوري، ولا تحمي اللبنانيين عندما يعتدي عليهم جيش ذلك النظام وquot;شبيحتهquot; سواء في الشمال، حيث قتل أحد ثلاثة صيادي سمك، وخطف اثنان إلى الأراضي السورية، وتعرّضا للتعذيب قبل أيام، أو في عمق الشمال (منطقة وادي خالد- عكار)، وفي الشرق (بلدة عرسال)، حيث يُطلق النار باستمرار على البلدات والقرى اللبنانية من الجانب، ما يؤدي إلى وقوع ضحايا بين الأهالي وإنزال خسائر في الممتلكات.

أما نائب بيروت نهاد المشنوق فيجزم لـ quot;إيلافquot; بأن حكومة ميقاتي لن تستطيع الصمود حتى سقوط نظام الأسد. فرئيسها نجيب ميقاتي ليس من طبيعته إطلاقاً أن يتحمّل مشاهد إعتداءات من النظام السوري على مواطنين لبنانيين، كما حصل في العريضة، وقبلها وادي خالد، ولا مواقف إيرانية، على غرار إعلان قائد quot;فيلق القدسquot; العقيد قاسم سليماني أن جنوب لبنان يقع تحت سيطرة إيران.

ماذا عن احتمال أن يدفع quot;حزب اللهquot; إلى إسقاط الحكومة، نظراً إلى أنها موّلت المحكمة الدولية التي اتهمت مسؤولين وعناصر في الحزب باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفتح رئيسها ميقاتي خطوط اتصال واسعة مع الغرب، لا سيما واشنطن ولندن وباريس، واستقبل الأمين العام للأمم المتحدة بان- كي مون ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، فضلاً عن عدم حماسته لأي عمل يرمي إلى تعطيل بروتوكول المحكمة وحمايته لموظفين كبار في الإدارة محسوبين على خط رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وعدم سماحه بتمرير مشاريع وقرارات وتعيينات، كان يرغب فيها الحزب ولا يزال يرغب فيها لحلفائه في quot;التيار العوني؟quot;.

يجيب النائب المشنوق بأن quot;تمويل المحكمة الدولية تولته روسيا، حليفة النظام السوري وحاميته شبه الوحيدة حتى اليوم، علماً أن هذا النظام خلافاً لـ quot;حزب اللهquot; لم يبد أي اكتراث لذلك الموضوع عندما أثار ضجة كبيرة قبل شهرين ونيف. ما حصل أن موسكو وسعياً إلى تحقيق مصالح لها مع الغرب، اتصلت بطهران، واستحصلت من القيادة الإيرانية على قرار بالسماح بتمويل المحكمة، ولم يكن أمام quot;حزب اللهquot; سوى الإنصياعquot;.

أما عن علاقات الرئيس ميقاتي واتصالاته بالغرب والعرب، فيرى النائب المشنوق أنها quot;علاقات مطلوبة ومرغوب فيها لدى النظام السوري الذي يريد للبنان، حكومة وأرضاً ومؤسسات، أن يكون رئة له، يضمن من خلالها القدرة على التنفس في زمن العقوبات المطلوبة عربياً. عقوبات ستطل على بشار الأسد عاجلاً أم آجلاً من مجلس الأمن الدوليquot;.