فتاة سورية لاجئة في مخيم الزعتري في الأردن

منذ بداية الثورة السورية، فتح الأردن أبوابه أمام تدفق اللاجئين، ما سمح بدخول عشرات الآلاف منهم. لكن الصراع السوري من غير أفق، وتبدو نهايته بعيدة، كما أن العلاقة الودية بين الأردن وضيوفه بدأت تشهد ضيقًا وتوترًا.


فيما تجاوز عدد اللاجئين السوريين في الأردن 100 ألف، يُعارض 65 بالمئة من الأردنيين السماح بدخول المزيد من هؤلاء اللاجئين إلى البلاد، بسبب الضائقة المالية التي تمرّ بها، والتي تعوق استيعاب احتياجات اللاجئين السوريين الكثيرة.

في البداية، لقي اللاجئون حفاوة في الترحيب في جميع أنحاء المدن والبلدات الأردنية، فيما نشرت الصحف المحلية مقالات متوهجة تصف دعم الأردنيين ووقوفهم صفًا واحدًا لمساعدة الفارين من الصراع الدموي في سوريا. وأدت سياسة الأبواب المفتوحة إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، ما اضطر الأردن إلى اتخاذ خطوات للسيطرة على هذا التدفق، وإرسال الوافدين الجدد إلى مخيم الزعتري، بالقرب من مدينة المفرق.

في هذا السياق، أشارت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور إلى حصول سلسلة من الحوادث الأخيرة تدل على التوتر المتزايد بين الأردنيين واللاجئين. فقد حصل شجار بين اللاجئين والسكان المحليين في بلدة الرمثا الحدودية، وحدث إشكال أمام مكتب للأمم المتحدة في إربد، إضافة إلى أعمال شغب في مخيم الزعتري حيث أصيب عدد من أفراد الأمن الأردني.

لا تدخلوا المزيد!

وجدت دراسة استقصائية أجراها المركز الأردني الرائد للأبحاث أن أغلبية كبيرة من الأردنيين (88 بالمئة منهم) تؤيد إغلاق الحدود تمامًا أمام السوريين، ويعارض 65 بالمئة من الأردنيين السماح لمزيد من السوريين بالدخول إلى الأردن. ويؤيد أكثر من 80 بالمئة من الذين شملهم الاستطلاع حصر إقامة اللاجئين السوريين في المخيمات.

يقول وليد الخطيب، رئيس وحدة الاستطلاع في المركز، إن الأردنيين quot;لا يريدون طرد السوريين من بلادهم، لكنهم يقولون: هذا يكفي، لقد فاض الكيل، لا نحتمل المزيد، هذا كل ما في وسعنا تحملهquot;.

لكن ساينس مونيتور لفتت إلى أدلة تشير إلى أن المزاج الأردني يصبح أكثر قتامة. يقول الخطيب: quot;بالأمس حصلت اشتباكات بين الأمن واللاجئين في المخيم، لذلك يسود التوتر، ولو أجرينا الاستطلاع اليوم لرأينا ان النسبة ستنمو من 65 إلى 70 بالمئةquot;.

إلى ذلك، ثمة مؤشرات على تحول في مشاعر الأردنيين نحو الانتفاضة السورية ، فالآراء تصبح أكثر سلبية. ويقول الخطيب: quot;كان هناك تصور واضح للصراع السوري على أنه ثورة ضد النظام، كان الناس ينظرون إلى الثورة السورية على انها ثورة سلمية. لكن بحلول شهر آب (أغسطس)، اعتبر 45 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع أن ما يحدث هو مؤامرة خارجية ضد سوريا، إذ تساءلوا مع بدء الثورة المسلحة: هل هذه ثورة حقيقية؟ هل هذا حراك سوري داخلي لتغيير النظام، أم مؤامرة مدعومة من الغرب؟quot;.

خوف المنافسة

الأردن بلد صغير، لا يملك موارد نفطية، وأراضيه الصالحة للزراعة قليلة وصغيرة المساحة، إلى جانب إمدادات محدودة من المياه. ويعتمد الأردن بشكل كبير على الطاقة والمواد الغذائية المستوردة، وتعتمد ميزانيته على الإعانات بشكل كبير.

ويقول الخطيب إن الأردن يعاني في الاساس أزمات اقتصادية خاصة به، وهو أمر يبدو جليًا في نتائج استطلاع الرأي، إذ إن القلق حول قدرة الاردن على تقديم الخدمات هو السبب الرئيس الذي يدفع المواطنين للمطالبة بوضع حد لتدفق اللاجئين. كما أن معظم الذين صوتوا لصالح إغلاق الحدود كانوا من ذوي الدخل المنخفض.

أضاف: quot;الأردنيون يشعرون بأن السوريين ينافسونهم على الوظائف، كما أن الفقراء يعتقدون أن الحكومة تمنح اللاجئين معونات مالية هم أحق بهاquot;.

عون دولي

تحاول وكالات المعونة الدولية مكافحة هذا التصور، والتأكد من أن بعض الأموال القادمة تذهب لدعم ذوي الدخل المنخفض الأردنيين. لكن المساعدات الخارجية تتباطأ في الوصول مقابل النمو المستمر في أعداد اللاجئين، حتى بات تأمين الاحتياجات الأساسية وحده يمثل تحديًا كبيرًا.

يوم 27 أيلول (سبتمبر) الماضي، طلبت الأمم المتحدة الحصول على تمويل للمرة الثانية منذ آذار (مارس) الماضي، مشيرة إلى أن وكالات الغوث ستحتاج إلى نصف مليار دولار لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين حتى نهاية العام الجاري.

تم تخصيص نصف هذا المبلغ للاجئين في الأردن، حيث تحاول وكالات الغوث تقديم كل الخدمات في مخيم الزعتري، إضافة إلى تقديم المساعدة للسوريين الذين يعيشون في المدن والبلدات الأردنية، والذين قد يضطرون للبحث عن مأوى لهم في مخيمات في حال استنفذت الموارد.

حاليًا، تقدم الأمم المتحدة المساعدة لأكثر من 111 ألف لاجئ سوري في الأردن، ومن المرجح أن يصبح هذا العدد 250 ألفًا بحلول نهاية هذا العام.

حق عودة سوري!

يعتبر مخيم الزعتري للاجئين في شمال الأردن غير صالح للعيش. فالنهار هنا شديد الحرارة والليل شديد البرودة، إلى جانب سحب الغبار الخانقة.

quot;الغبار، الغبار! لقد وضعونا في المكان الخطأquot;، يقول أحد الشبان الذين يعيشون في المخيم. يضيف: quot;الغذاء لا يصلح للاستهلاك البشري، فالدجاج مليء الدم وغير مطهو، كما أن الخبز غير صالح للأكل، وبالكاد نحصل على الماء في الخزانات، كما لا يوجد ماء بارد للشربquot;.

هذه الصعوبات تدفع بالبعض إلى التفكير بالعودة سريعًا إلى سوريا، ولو تحت الخطر، بدلًا من البقاء في المخيم والمعاناة. لكن اللاجئين يشكون من أن الحكومة الأردنية تحتجز جوازات سفرهم، وأنها لا تسمح للناس بالعودة إلى سوريا. وقال مسؤولون في المفوضية العليا للاجئين إن سبب ذلك هو منعهم من تعريض أنفسهم للخطر بسبب القتال الذي يدور على الحدود.

وقال المتحدث باسم الحكومة الاردنية في بيان أرسل عن طريق مكتبه لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور: quot;نحن لا نمنع أحدًا من حقه في العودة إلى سوريا، لكننا نحاول تأمين عودتهم بسلامquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أن الأردن قد يكون لديه أسباب أخرى لمحاولة منع اللاجئين من العودة، إذ يقول العديد من الشبان الذين تمت مقابلتهم في المخيم إنهم يريدون العودة للقتال إذا كان الغرب مستعدًا ليمدّهم بالسلاح.