للمرة الأولى في تاريخ العراق، يتفق رؤساء العشائر على إلغاء الولائم في المناسبات، لا سيما في مجالس العزاء، في خطوة وصفها باحثون اجتماعيون بأنها جريئة، لها مردودات اجتماعية واقتصادية، بينما يعتقد آخرون بأنها صعبة التحقيق.


بغداد: اتفق رؤساء العشائر والأفخاذ في محافظة بابل أخيرًا على منع الولائم في مجالس العزاء، وتقنين الصرف لغرض تجنيب ذوي المتوفى الخسائر المالية الناجمة عن مصاريف مجالس الفاتحة المقامة على أرواح موتاهم.

وليمة عشائرية عراقية

وقال الشيخ ماجد شاكر إن العشائر اتفقت أيضًا على منع التدخين، وعدم تقديم السجائر، ومنع استخدام الاسلحة النارية، والاكتفاء بتقديم القهوة والمياه المعدنية. وتابع: quot;تخصص الاموال لمساعدة العوائل المتعففة من الفقراء والمحتاجينquot;.

وكانت المآدب الكبيرة التي يقيمها شيوخ العشائر والوجهاء الاجتماعيون بين الفترة والأخرى قد لاقت انتقادات كثيرة، في وقت يخيم شبح الفقر على الكثير من العوائل.

سطوة اجتماعية

في المجتمع العراقي، مدنًا وقرى، تقام الولائم في الأفراح والمآتم على مدى ثلاثة أيام، وتسبّب كلفة الولائم في الأعياد الدينية إحراجًا للكثير من العوائل والعشائر، التي تجد نفسها مضطرة لذلك لأسباب تتعلق بالوجاهة والمركز الاجتماعي.

ويرى الشيخ حميد حسن أن الاعتراف بخطأ التبذير والمغالاة في مظاهر البذخ quot;يجب أن تتوقف، في ظل مرحلة من الانفتاح تشهد انقلابًا في المفاهيم الاجتماعية والفكرية، وعلى العشيرة أن تواكب هذه التغييرات، وأن تتلائم معها، لكي تبقى محافظة على دورها الاجتماعي، وللحيلولة دون تحولها إلى قوة مانعة للتطورquot;.

تمثل إقامة الولائم في العراق بالنسبة لكثيرين نافذة يطلون منها على المجتمع باعتبارهم وجهاء بين الناس، لأن مراكزهم تحتم عليهم إقامة هذه الولائم ليُشعر الناس بهيبتهم وسطوتهم الاجتماعية.

دين لإطعام الناس

وفي وقت لا يجد فيه الميسورون صعوبة كبيرة في صرف مبالغ طائلة، فإن الظاهرة امتدت بين الفقراء أيضًا، يتكبدون خسائر جسيمة لاقامة الولائم في المناسبات مجاراة لما يفعله آخرون.

ففي مأتم، خسر ابو زهراء نحو ثلاثين ألف دولار خلال ثلاثة أيام، بسب الولائم العامرة التي أقامها، ما اضطره إلى استدانة جزء كبير من المبلغ، ويتوجب عليه اليوم تسديد دينه.

وغالبًا ما يتبرع الناس بمساعدات لصاحب الوليمة أو العزاء، إلا أن هذه لا تسد في الغالب الا نسبة بسيطة من المصاريف.

الشيخ ليث الجبوري أنفق نحو ستين ألف دولار على مدى أسبوع في عزاء اقامه لوفاة ولده، لم يسترجع منه سوى ثمانية آلاف دولار هي حصيلة مشاركات الوافدين على العزاء. وليست المشكلة في ضخامة الولائم فحسب، بل في الفائض الذي يرمى في النفايات من دون الاستفادة منه.

هيبة العشائر

ثمة من يقف ضد القرار، كالشيخ تميم الطائي الذي يرى في القرار quot;محاولة للتقليل من هيبة العشائر عبر التشجيع على إهمال القيم والتقاليد العشائريةquot;.

البعض يعارض الغاء الولائم لانها تؤثر على هيبة العشيرة

يقول: quot;أنا مع تقنين الصرف على الفعاليات العشائرية، وترشيد الاستهلاك في هذا المجال، لكنني ضد الغائها أوالتقليل من شانها، لأنها إرث تاريخي للعشائر في العراق. وأعتبر الولائم وسيلة لتعزيز التكافل الاجتماعي وروح التعاون والشعور المشترك بالمصير الواحد، و مشاركة الناس في مناسباتهمquot;.

ويوضح الشيخ زيد الطائي موقف الدين الاسلامي من البذخ في المناسبات الدينية ومناسبات العزاء والفعاليات العشائرية، حين تقام الموائد الكبيرة، يقول: quot;الاسلام لا يجيز ذلك، حيث يوصف المبذرون بأنهم إخوان الشياطين، فالوليمة أمر مباح، وسنة مؤكدة، شريطة ألا تخرج عن حدود الفائدة المرجوة منهاquot;.

ويعترف سلمان غالب، رئيس فخذ عشيرة، أنه quot;لا يمر يوم في الاسبوع الا وتكون هناك اكثر من دعوة لمجلس عزاء أو تجمع عشائري تتخلله وليمة، ويمكنك أن تتصور وفق هذا حجم انتشار الظاهرة والأموال التي تصرف فيهاquot;.

رشوة على المائدة

من جانب آخر، يقول الناشط الاجتماعي سعد كريم إن هذه الظاهرة تجاوزت حدود quot;الولائم العشائرية الى الولائم السياسية التي تعد الأكثر ضررًاquot;.

يتابع: quot;يقيم رؤساء وقادة بعض الاحزاب والكتل السياسية ولائم ضخمة، تصرف فيها آلاف الدولارات، من أجل كسب الاصوات الانتخابية، لأن السياسي العراقي يبدو اليوم أكثر حرصًا على البذخ، بغية ضمان الحصول على شعبية معينة تمكنه من النجاح في أي عملية انتخابية قادمةquot;.

لكن الشيخ بيان الجابري يقول إن صرف الأموال بالباطل حرام ، كما ان اقامة السياسيين للولائم لأغراض شخصية سياسية يدخل في خانة الرشوة.