عيد أكتوبر فيست سنويّ في بافاريا، يتجمع فيه البافاريون لإحياء تقاليدهم وتراثهم، يرتدون الزي الوطني، يشربون البيرة ويخرجون عن اتزانهم بلا وجل.


ميونيخ: منذ انطلاق أعياد quot;أكتوبر فيستquot; البافارية في العام 1810، بمناسبة عقد قران الملك لودفيغ الأول على الأميرة تيريزا فون زاكس رسميًا في ميونيخ، تحولت هذه الذكرى عيدًا بافاريًا سنويًا يحتفل فيه البافاريون ويتنافسون في إحياء تراثهم الوطني، بارتداء الثياب التقليدية القديمة والإستماع الى الموسيقى البافارية التي تصدح في كل مكان طيلة أيام المهرجان.

الدرندل الزي الرسمي للنساء في اكتوبر فيست

أكثر ما يميز احتفالات ساحة تزيرا فيزا في هذا العام هو الحفاظ الفعلي على إحياء الزي الوطني البافاري. فالناس هنا يرون أن هذا التقليد أمر جميل، ويقول الشاب ماركوس الذي يتمختر مرتديًا الزي الوطني البافاري:quot;يعجبني هذا الزي كثيرًاquot;، ما يذكر بإحدى الدراسات التي قالت إن نسبة1,5 في المئة فقط من الشباب بين 14 و16 سنة ترتدي الملابس التقليدية أحيانًا.

فهذه النسبة القليلة تغيّرت اليوم في مهرجان أكتوبر فيست. فالأطفال والنساء والشباب والرجال يتجولون الآن في الساحة بالملابس البافارية. فالنساء يرتدين quot;دريندلquot; والرجال يرتدون البنطال الجلدي والصديري.

تقول سابينا بيكر، وهي من أشد المؤيدين للزي البافاري: quot;يمكنني القول بكل بساطة أن ديرندل النسائي وبنطال الجلد الرجالي لم يعودا مجرد لباس تقليدي، فهما حاليًا من مكونات الموضة العصرية، ليس في جنوب ألمانيا فحسب، وإنما في شمالها أيضًاquot;.

حداثة وعراقة

تكمن حقيقة الاهتمام بهذه الظاهرة في أنها عودة للحفاظ على التراث والهوية البافارية، رفدها الاتجاه الحديث في الموضة الأنيقة. فدريندل الذي يكشف جزءًا كبيرًا من صدور النساء كان في الأساس لباس عمل للخدم في بافاريا القديمة، وحوّله بعض سيّاح جبال الألب من الأشراف والأغنياء في أواخر القرن التاسع عشر إلى موضة صيفية مرتبطة بالبيئة، بدلًا من التنورة الطويلة متعددة الطبقات التي كان نساء المدينة يرتدينها في ذلك الوقت. فقد اعتمدت بنات المدينة من الطبقات الراقية دريندل الذي يتيح لهن تعريض السيقان والأكتاف والصدر لاشعة الشمس والنسيم الجبلي.

يخشى أنصار المحافظة على قيم هذا اللباس من الانهيار، خصوصًا بعدما تطورت الموضة وقصر فستان دريندل وصار يستخدم في الإثارة.

ولم يكن عبثًا أن يقوم أحد أكبر متاجر الكرنفال الإلكترونية الألمانية أخيرًا بإنزال مجموعة جديدة من الملابس التقليدية إلى الأسواق، تتبع الاتجاه الحديث بتدرجات اللون الأخضر، أو سمات ملابس الخمسينيات مثل الجزء العلوي المنقط أو التنورة العريضة.

على التقاليد يبقون

على عادته في كل عام، قام عمدة ميونيخ كريستيان أودي بصحبة لفيف من السياسيين والفنانين ومجموعة منتقاة من مشاهير المدينة والرياضيين بافتتاح المهرجان قبل أسبوع. وكان الجميع يرتدون الزي التقليدي.

وبنفس الطقوس التي لم تتغيّر منذ 200 عام، وضع برميل خشبي مليء بالبيرة على منضدة أمام الحضور. وعند دقات الساعة الثانية عشرة تمامًا، تناول عمدة المدينة مطرقة خشبية وصنبورًا، وطرق على الصنبور عدة طرقات محاولًا تثبيته في طرف البرميل، وسط تصفيق وتهليل الحضور. وحال انتهاء عمدة المدينة من تثبت الصنبور في مكانه، كانت تلك اللحظة هي الإشارة الفعلية للبدء الرسمي للاحتفال .

تجمع عشرات الآلاف من المواطنين في الطرقات والساحات لمشاهدة المسيرة الضخمة التي تصاحب بداية العيد، وهي تتجول في الطرقات العامة، قبل أن ينتهي بها المطاف في ساحة تيريزا حيث يقام المهرجان لأسبوعين كاملين.
تميزت مسيرة هذا العام بالفخامة والأناقة الشديدة والرجوع إلى موضة الملابس التقليدية، في محاولة لربط تاريخ المهرجان في انطلاقته الأولى بالتاريخ الحالي، وأيضًا في محاولة لإطلاع الأجيال القادمة على عهد بافاريا القديم.

ألعاب وملذات

في كل مساء، ينصرف الناس الى أماكن الاحتفال واللهو في الساحة التي تغص بآلاف الزوار من كل الجنسيات.

تتوارى كل التحفظات في هذا المهرجان، ويحاول الجميع الانغماس في ملذات العيد وفرحه التي تطغى على أجواء العيد، وهم يستمعون الى الموسيقى البافارية التي تصدح في كل مكان.

لا يستطيع الإنسان أن يمر بين الحشود التي تغص بها الساحة الكبيرة، ويبدو الجميع في أناقة غير عادية خصوصًا الذين يرتدون الملابس التقليدية القديمة التي تجذب الأنظار، وسط تعليقات الإعجاب وسعادة من يرتديها.

تنتشر أماكن الألعاب واللهو في كل مكان، ألعاب جديدة مبتكرة وكلاسيكية قديمة، يتداور عليها الناس بسعادة. وأدمن بعض الشباب ألعاب مهرجان أكتوبر فيست، فهم يحرصون على الذهاب الى الاحتفال يوميًا على الرغم من غلاء الأسعار.

فرصة ذهبية

الزي البافاري

ستة ملايين زائر يزورون مهرجان أكتوبر فيست في كل عام. غير أن التوقعات تشير إلى زيادة الأعداد في هذا العام، بالنظر الى الطقس الجميل. يحضر الكثير من سياح أكتوبر فيست من أميركا وكندا وأستراليا والدول الأوروبية، لا سيما إيطاليا، إذ يشارك الايطاليون البافاريين فرحتهم ويرتدون هم أيضأ الزي التقليدي.

يذهب بعض العرب، الذين يعيشون في مدينة ميونيخ وإقليم بافاريا، مع أطفالهم للاستمتاع بالألعاب المنتشرة في كل مكان. ويحاول بعض الشباب العربي العمل في أسواق المهرجان، لأنها بنظرهم فرصة، محظوظ من يحصل عليها، نظرًا إلى العائد المادي المرتفع الذي يحصّله العاملون في المهرجان.

عيد البيرة

أربع عشرة خيمة منصوبة في ساحة الاحتفال تقدم البيرة، تتسع كل خيمة منها لنحو 700 زائر. ولا يكون يكتمل الاحتفال إلا بالإفراط في تناول البيرة حتى الثمالة. كما يدخل البعض في سباقات للشراب يمكن أن تودي بالحياة.

كما هناك 16 خيمة أخرى متوسطة الحجم تتسع الواحدة لنحو 500 زائر، حيث يتم استهلاك قرابة خمسة ملايين لتر من البيرة طيلة ايام المهرجان. فأكواب البيرة التي يطلق عليها البافاريون اسم quot;ماصquot; هي جوهر هذا العيد، الذي يرى فيه كثيرون عيدًا للبيرة، مشروب البافاريين الوطني.

وطيلة أيام الاحتفال، يغض البافاريون الطرف عن حالات السكر جراء شرب كؤوس البيرة العديدة، فلا بأس في ذلك في عيد أكتوبر.

أما داخل الخيام، فالأجواء محمومة ومليئة بالسعادة والرقص والغناء والشراب الذي يزيد من الجنون، حتى يخرج البعض عن اتزان عقله، فتتعرى النساء ويرش الرجال بعضهم بالبيرة.