قد لا تتفق اسبانيا كثيرًا مع مواقف الرباط بخصوص الأزمة في الصحراء الغربية، لكنها تصرّ على عدم جعل التباين في المواقف محرّكًا لخلافات سياسية طاغية، ناهيك أنّ الأزمة الاقتصاديّة التي تمرّ بها اسبانيا تجعلها في حاجة ماسة الى المغرب شريكها الثاني خارج الاتحاد الأوروبي.


الرباط: لم تمنع الشراكة الاستراتيجية التي تجمع إسبانيا بجارها الجنوبي المغرب من حدوث توترات بين الفينة والأخرى، حركتها دائماً قضية الصحراء التي لم تجد بعد سبيلها إلى الحل.

ويرجّح باحثون في الاقتصاد وفي العلاقات الدولية، قانون الجغرافيا الثابت على العوامل الدولية المتغيّرة في شرحهم لـquot;إيلافquot; طبيعة العلاقات المغربية الإسبانية، معتبرين أن علاقة الجوار المغربي الإسباني تؤثر بقوة على علاقات البلدين وتدعمها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية رغم quot;انفلاتاتquot; التوترات السياسية العابرة بسبب مشكلة الصحراء.

لا مخاوف من صعود اليمين الاسباني

يعتقد المختص في العلاقات الدولية تاج الدين الحسيني أن ما يميز العلاقات الإسبانية المغربية بصفة عامة هو التمايز الحاصل في حالة وجود الحزب في الحكم أم في المعارضة.

وقال الحسيني لـquot;إيلافquot;: quot;عادة، عندما يكون اليمين الإسباني (الحزب الشعبي الإسباني) متواجدًا في المعارضة يتوجه بسهامه نحو المغرب بالأساس اعتبارًا لعملية الاستهلاك التي توظف من خلالها المسألة المغربية في الانتخابات وفي التهيؤ للاستحقاقات التشريعية المقبلة في إسبانيا، وأظن أن الكثيرين كانوا يتخوفون من صعود الحزب اليميني مجددًا إلى الحكم ومضاعفاته السلبية على العلاقات مع المغرب، لكن ما حدث هو العكس.quot;

وأضاف المختص في العلاقات الدولية: quot;أكدت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسباني إلى المغرب أن أبواباً جديدة تفتح في هذه العلاقات سواء في الميدان الاقتصادي أو حتى على مستوى التنسيق الأمني والسياسي. وأن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إسبانيا لعبت دورًا أساسيًا في هذا التطور الإيجابي في الموقف الإسباني خاصة وأن العلاقات مع المغرب تمكن إسبانيا من إمكانيات استثمارية مهمة في المرحلة المقبلة داخل المغرب، كما أن الكثير من الأيادي العاملة المتخصصة والتقنية ستجد إمكانيات للعمل في المغرب في إطار الشركات الإسبانية، وتعول إسبانيا، في نهاية المطاف، بقوة على الشريك المغربي لفرملة عملية الهجرة من أفريقيا إلى الشمال، كما ستمكنها من إمكانية إعادة استيعاب المغاربة المتواجدين في إسبانيا والذين أصبحوا في حالة نتيجة أوضاع الأزمة الاقتصادية لإسبانيا.quot;

الجغرافيا عامل ثابت

كان رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي قد قام بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري بزيارة رسمية إلى المغرب اعتبرت الأولى له خارج إسبانيا منذ توليه رئاسة الحكومة الإسبانية.

ويعتبر المغرب من ضمن أولويات السياسة الخارجية الإسبانية إلى جانب أوروبا وأميركا اللاتينية، إذ جرت العادة أن يزور رئيس الحكومة الإسبانية المغرب كمحطة أولى بعد انتخابه.

وأوضح الحسيني لـquot;إيلافquot;: quot;إذا كانت كل العوامل الدولية قابلة للتغيير، فإن العامل الجغرافي ليس كذلك، إنه غير قابل للتغيير، إنه يؤثر بقوة على هذه العلاقات، والحزب الشعبي الإسباني نفسه قد أدرك عمق هذا العامل بين الطرفين.quot;

ضغط جزائري على إسبانيا

واعتبر المختص في العلاقات الدولية تاج الدين الحسيني أن قضية الصحراء تبقى العرقلة الوحيدة على مستوى العلاقات في المستقبل القريب، quot;خاصة أنه في مواجهة إسبانيا هناك الجزائر التي تلعب على الحبلين وتمارس كل الضغوط الممكنة على إسبانيا من أجل تغيير مواقفها خاصة أنها المستعمر السابق للصحراءquot;، كما قال.

وأشار إلى أن هناك عملية شد وجذب بين المغرب والجزائر في مواجهة الشريك الإسباني.

وقال: quot;نعلم أن إسبانيا تستورد جزءاً من احتياجاتها من النفط والغاز من الجزائر، وهناك اتفاقيات بين البلدين طويلة الأمد من أجل استيراد الغاز الطبيعي بأسعار تفضيلية مع الجزائر، في الوقت الذي تتجه فيه الجزائر قدمًا نحو تغيير الأسعار لملاءمتها مع السوق العالمية، إلا أن أن إسبانيا تطالب بالتريث في هذه العملية، وهي ورقة تستعملها الجزائر كأداة للضغط على إسبانيا لتغيير موقفها بخصوص الصراع في الصحراء.quot;

واعتبر المختص في العلاقات الدولية أنه وقع اختراق quot;قويquot; للمجتمع المدني الإسباني والجمعيات الأهلية في إسبانيا من قبل الجزائر، وأن هناك تأثيرًا قويًا على تلك الجمعيات الأهلية التي اعتبرها تشكل جماعات ضاغطة في مواجهة ممارسي الحكم في إسبانيا.

الخلافات جانباً

من جهة أخرى، يرى الباحث المختص في القانون الاقتصادي الدولي جمال مشروح أن العلاقات المغربية الإسبانية دخلت خلال الفترة الأخيرة مرحلة جديدة ومتقدمة، وأن الدولتين الجارتين قد قررتا وضع خلافاتهما السياسية جانبًا لأجل منح دعم وزخم كبيرين لمصالحهما الاقتصادية.

وقال مشروح لـquot;إيلافquot;: quot;الأجواء التي انعقد خلالها الاجتماع العاشر للجنة العليا الإسبانية المغربية بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، والقيمة الاستثنائية للوفد الإسباني المشارك فيه وكذا الاتفاقات المترتّبة عنه، كلها مؤشرات دالة على سمو الاعتبارات الاقتصادية في فكر صانع القرار السياسي الإسباني تجاه المغرب.quot;

وتطمح الحكومة الإسبانية الحالية إلى إضفاء الطابع الاستراتيجي على علاقاتها مع المغرب وتعزيز روابط حسن الجوار وتوثيق العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين المملكتين.

وأشار الباحث إلى أن إحدى العوامل التي تحكمت في هذا التحول quot;هي من دون شك هي الإكراهات العميقة التي يشهدها الاقتصاد الإسباني، إذ تعاني إسبانيا في الوقت الحالي من عجز على مستوى ميزانيتها العامة، وبلغت فيها مستويات البطالة أرقامًا مخيفة، في حين أن اقتصادها دخل منذ فترة في حالة ركود.quot;

وأوضحquot;: quot;للخروج من أزمتها، تراهن الاستراتيجية الإسبانية في جزء منها على السوق المغربية، خصوصًا وأن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى تعيش في مجملها حالة الأزمة تجعل من الصعب المراهنة على أسواقهاquot;.

وأضاف: quot;صحيح أن المغرب يعرف بدوره صعوبات على صعيد الماكرو-اقتصادي، لكن الثابت أن الاقتصاد المغربيما زال في مرحلة نمو وأن الأوراش الكبرى فيه تشكل بالنسبة للمقاولات الإسبانية فرصًا لتشغيل جزء من آلتها الإنتاجية المعطلة مثلما هو الشأن بالنسبة لقطاع العقار والبنيات التحتية.quot;

حضور اقتصادي قوي

واعتبر جمال مشروح أن فوز إسبانيا بجزء من مشاريع الطاقة الشمسية والقطار فائق السرعة والتي أعلن عنها في المغرب، تؤكد صدق هذا التحليل.

تشتغل أكثر من 700 شركة إسبانية في السوق المغربية، في حين إن أكثر من 20 ألف مقاولة إسبانية تصدر منتوجاتها إلى المغرب، إذ تعتبر إسبانيا الشريك الاقتصادي الثاني للمغرب في حين يشكل المغرب ثاني أكبر سوق للمنتوجات الإسبانية خارج منطقة الاتحاد الأوروبي.

كما أشار الباحث الاقتصادي إلى أن هناك عاملاً آخر تحكم في إعطاء زخم إيجابي للعلاقات المغربية الإسبانية متمثلاً في quot;التقاطعات الإيجابية بين الدولتين بخصوص العديد من القضايا الجيوسياسيةquot; منها قضية الصحراء والهجرة غير الشرعية كما قال.

وأوضح: quot;على مستوى قضية الصحراء، قد تكون إسبانيا قد توصلت إلى قناعة مفادها إيجابية وفعالية الصيغة المغربية للخروج من الأزمة، فحالة الفوضى والحرب والانفلات الأمني التي تعيشها منطقة الساحل تبرهن بشكل رهيب عن مدى خطورة إنشاء دويلة في الصحراء.quot;

ويطرح المغرب مشروع حكم ذاتي في الصحراء كسبيل لإنهاء النزاع في المستعمرة الإسبانية السابقة الذي دام لأزيد من أربعة عقود.

أما في ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، اعتبر الباحث أن المغرب أصبح منذ مدة يبدي تفهمًا كبيرًا للانشغالات الإسبانية بهذا الخصوص.

وقال لـquot;إبلافquot;: quot;إن المغرب بدوره أصبح يعاني من الانعكاسات السلبية لظاهرة الهجرة غير الشرعية القادمة من جنوب الصحراء ما يفرض على الدولتين تكثيف تعاونهما في هذا المجال.quot; قبل أن يؤكد على أن وطأة الخلافات السياسية التي طالما عكرت صفو العلاقات بين الدولتين قد بدأت تخف، فاتحة المجال لوضع استراتيجية مكتملة وعميقة للتعاون الاقتصادي بين المملكتين.

يذكر أن رئيسة الدبلوماسية الإسبانية السابقة ترينيداد خيمينيث اعتبرت أن المغرب شكل دومًا أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الإسبانية لجميع الحكومات التي تعاقبت على إسبانيا من دون أن تخفي أملها في أن يظل المغرب يحظى بالأولوية بالنسبة للحكومة اليمينية الجديدة برئاسة ماريانو راخوي، مبرزة أن إسبانيا تجمعها بالمملكة المغربية شراكة استراتيجية يجب الحفاظ عليها كل يوم.