سعى الرئيس السوري وقواته إلى الاحتماء في العاصمة على مدار أشهر الانتفاضة إذ اعتقد الأسد أن دمشق ستكفل له إمكانية الحفاظ على أجواء الحياة العادية، إلا أنّ تلك الأوهام لم يعد لها وجود بعد أن بدأت حقيقة الحرب تتسللإلى واقع الحياة اليومية.
تبدّلت الأحوال بين عشية وضحاها في العاصمة السورية، دمشق، بعد أن بدأت تصل نيران الانتفاضة الشعبية هناك، من خلال تبادل الاشتباكات وأعمال القتال بين جبهتي الصراع، وهما الجيش النظامي والثوار المسلحون الراغبون في الإطاحة ببشار الأسد.
وجاء هذا التغير في واقع الحياة اليومية ليبرز حقيقة دخول العاصمة هي الأخرى في دوّامة من عدم الاستقرار، وهو ما بدأ يلمسه مواطنون عاديون، من خلال الاضطرابات التي بدأت تواجههم على صعيد التنقل وحركة المرور، لدرجة أن عراكاً اندلع قبل بضعة أيام في إحدى الضواحي الشمالية قد تسبب بإصابة حركة المرور بحالة من الشلل التام، دفعت ببعض الناس إلى تغيير المسار والعودة لأماكن عملهم بدلاً من منازلهم، بسبب عدم قدرتهم على مواصلة طريقهم نتيجة للاشتباكات.
ومع هذا، فإن نطاق الحرب الحاصلة هناك ليس على النطاق نفسه للحرب المشتعلة في حلب أو حمص، حتى الآن على الأقل. غير أن الواضح هو أنّ الأمور قد تبدّلت هناك بالفعل، وبات من المستحيل على المواطنين أن يقوموا كعادتهم بتحركات بسيطة.
وعن تجربة زوجها الذي لم يتمكن قبل أيام من العودة للمنزل أثناء قدومه من العمل بسبب وجود اشتباكات عطلت حركة المرور، قالت سيدة سورية تدعى ريفا: quot;إلى أين تسير دمشق؟ فهل سيكون الدور عليها لتسير على خطى حلب؟quot;.
أوهام الأسد
وتحدثت في هذا الصدد صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن حقيقة احتماء بشار الأسد وقواته في العاصمة دمشق على مدار أشهر من الانتفاضة التي تحولت إلى حرب أهلية دامية. وبينما تواجه القوات النظامية المسلحين في كافة أرجاء البلاد، فإن الأسد يرى أن دمشق ستكفل له إمكانية الحفاظ على أجواء الحياة العادية والروتينية والتأكيد أن الحياة ماضية في طريقها ومستمرة كما كانت الأوضاع من قبل.
لكنّ الصحيفة رأت أن تلك الأوهام لم يعد لها وجود الآن، بعد أن بدأت تتسلل حقيقة الحرب إلى واقع الحياة اليومية، في ظل عدم وجود فرص لتجنب مثل هذا السيناريو الصعب.
وبعد أن كانت تشتهر دمشق بحفلاتها الليلية، لم يعد يجرؤ كثيرون على الخروج بعد أن يحل الظلام، خاصة في ظل شيوع عمليات الخطف. وبينما بدأ ينقص البنزين على نحو متزايد، فإن مخاوف الناس بدأت تتزايد هي الأخرى من نقص الطعام وزيت التدفئة، مع قرب حلول فصل الشتاء، وكل هذا وسط حالة من الارتباك في الشوارع على الصعيدين التنظيمي والأمني، مع استمرار القصف والمدافع الرشاشة.
الشبيحة خنقوا دمشق
ومع احتدام الحرب بعدة أحياء حول المدينة خلال الأشهر الأخيرة، بدأت تتواجد دمشق داخل فقاعة من الإنكار. فالناس هناك، ورغم إدراكهم الحرب الدائرة من حولهم، كانوا عازمين على تسيير شؤون حياتهم وكأن شيئاً لم يتغير. لكن مع انقضاء فصل الصيف، بدأ يتزايد الخناق على دمشق، مع بدء ظهور نقاط التفتيش وانتشار الشبيحة.
ونوهت الصحيفة كذلك بتزايد التفجيرات الانتحارية، وسط تأكيدات من الجيش السوري الحر بأنهم يحكمون قبضتهم بصورة تدريجية على ضواحي تطوق المدينة، بهدف تضييق الخناق بشكل تدريجي على الحكومة. وبدأت تتحدث بعض الأسر عن إخراج أبنائهم من المدارس وإكمال تعليمهم في المنزل خوفاً عليهم من الخروج.
تزايد عمليات الخطف
وبدأت تتحول الأحاديث في دمشق لتتركز على مصير المشردين في حدائق المدينة أو عن الصدمات التي يتعرض لها الأطفال الصغار جراء تلك الظروف المتصاعدة هناك. وكل هذا في ظل تزايد عمليات الخطف التي تستهدف السوريين الأثرياء، لتتولد نتيجة لذلك حالة من الفزع بين سكان المناطق الراقية في العاصمة.
ويتحدث الناس هناك عن ابنة أحد رجال الأعمال المحليين التي اختطفت قبل 3 أسابيع وتم إطلاق سراحها بعد دفع فدية قدرت بحوالى 395 ألف دولار، وقد عادت لأسرتها، وفقاً لروايات السكان المحليين، وهي معتدى عليها جنسياً ومصدومة وآثار التعذيب واضحة عليها.
وقال السكان إن الخاطفين إما من الجيش السوري الحر أو من فروع منشقة من الجماعات المتطرفة أو من هؤلاء الذين يصفهم المسؤولون الحكوميون بـ quot;الإرهابيين الأجانبquot;. وقال مسيحي أرمني رفض الكشف عن هويته quot; لا أشعر بوجود معارضة موحدة. والناس يطلقون على أنفسهم جماعات... الجيش السوري الحر أو السلفيين. وكانت تعيش الأحياء عن قرب مع بعضها البعض في الماضي - الدروز والمسلمين والمسيحيين - حين كنا نعزي بعضنا البعض وقت أن يحدث ثمة شيءquot;.
ومضت الصحيفة تنقل عن شخص يدعى أبو خليل، وهو قائد في الجيش الحر في ضاحية دوما (جنوب دمشق) قوله إن quot;الخطة الحلمquot; هي تطويق دمشق في نهاية المطاف. وبينما أوضح أن قوات المعارضة لا تمتلك قدرًا كافيًا من الأسلحة، فإنها تمتلك قوى عاملة تتيح لها إمكانية الضغط على دمشق من أحياء مثل حي الميدان. وعن المستقبل، أشار أبو خليل، وهو صاحب متجر سابقاً، إلى ضرورة وجود انتخابات حرة ونزيهة، وإن أكد أن العاصمة لن تكون مثل سراييفو.
وختمت الصحيفة بنقلها عن شاب يدعى روني، وهو مسؤول تسويقي يبلغ من العمر 27 عاماً، قوله إنهم نظموا يوم السبت الماضي حفلة خاصة برقصة quot;السلساquot;، وذلك في محاولة من جانبهم للإبقاء على سبل العيش والحياة بشكل طبيعي. وأضاف quot;نعتاد على الرقص حتى الخامسة أو السادسة صباحاً. لكن الجميع كان خائفاً من القيادة ليلاً. ولم يكن يتجول في ذلك الوقت المتأخر من الليل سوى عدد قليل من سيارات الأجرةquot;.
التعليقات