يتنامى التطرّف الديني في ليبيا، خاصة بعد هجوم بنغازي الدامي الذي أودى بحياة السفير الأميركي. مدينة درنة في الشرق باتت نموذجاً لسيطرة السلوكيات والأفكار المتشدّدة.


طرابلس: رغم مرور ما يقرب من ستة أسابيع على ذلك الهجوم المميت الذي تم شنه على البعثة الأميركية في مدينة بنغازي، إلا أن المتشددين الإسلاميين المسلحين، الذين يعملون في الظل، مازالوا يمارسون الإرهاب في مدينة درنة ( الواقعة شرق ليبيا )، وهو النشاط الذي جاء ليلقي الضوء بصورة واضحة على تنامي التطرف الديني في ليبيا.

وألقي باللوم على المتطرفين الإسلاميين المسلحين، بما في ذلك كتيبة شهداء أبو سالم، وهي أقوى ميليشيا في المدينة، ويقال إن أيديولوجيتها مرتبطة بأيديولوجية القاعدة، بخصوص حملة التفجيرات والتهديدات بالقتل التي هاجمت أهدافاً حكومية ليبية.

وقد يكون ما يحدث الآن في درنة هو المثال الأكثر وضوحاً حتى الآن على المواجهة الحاصلة في ليبيا، ما يبين مدى التوغل الذي نجح الأصوليون في تحقيقه في ظل الفراغ الأمني الذي هيمن على ليبيا منذ سقوط العقيد معمر القذافي قبل حوالي عام.

صحيفة واشنطن بوست الأميركية أشارت من جانبها إلى أن المتطرفين مازالوا مستمرين في مزاولة نشاطهم في مدينة درنة، رغم ردود الفعل الشعبية التي تلت هجوم الشهر الماضي في بنغازي، ورغم المخاوف من احتمالية نشوب رد فعل انتقامي من جانب الولايات المتحدة، التي يمكن سماع صوت طائراتها الآلية كل يوم تقريباً.

ومع أن المتشددين قد احتموا على ما يبدو في مزارع ومنازل حضرية في الجبال الخضراء البعيدة التي تحيط بالمدينة، إلا أن مسؤولين أوضحوا أن الحكومة المحلية مازالت غير قادرة على إيقافهم، حتى مع استمرار ترويج المتشددين لأفكارهم.

وقال فتح الله العوام وهو رئيس المجلس المحلي للمدينة والذي يفتقر لكثير من الصلاحيات: quot; لن ينجح أحد في منع أي حد عن فعل أي شيء.

فليست هناك قوات شرطة أو جيش أو ميليشيات. ولا يوجد شيء. فهي مدينة مفتوحة من الشرق والغربquot;.

وأوضح بعض الليبيين أن آراء المتشددين باتت منتشرة بشكل أكبر بعيداً عن الميليشيات الإسلامية نفسها، وهي الحقيقة التي فشلت الولايات المتحدة في فهمها في أعقاب هجوم بنغازي. وأضاف هؤلاء الليبيون أن هناك أعداداً كبيرةً تشاطر أيديولوجية القاعدة، وأن هذا المناخ يقدم فرصة وافرة لتجنيد المزيد من الأعضاء بصفوفها.

وهو ما دلل عليه شخص يدعى سعد بلقاسم، كان يعمل في ديوان النظام القضائي المنحل الآن في درنة، بقوله :quot; إنها طريقة تفكير.

وهم يخطفون الناس مثلما يفعلون في أفغانستان. ويقومون بخداع صغار السن وإرسالهم بغية تفجير أنفسهم.

ولم ترَ الصحيفة، مع ذلك، أي غرابة في أن يحظى الإسلاميون بهيمنة كبيرة في درنة، خاصة وأنهم كانوا مُهمَلين ومحافظين ومعدومين مادياً إبان فترة حكم القذافي، ما جعل درنة تتشبث بمقاومتها الإسلامية للنظام القديم، وأن تقوم بإرسال المزيد من الجهاديين للعراق أثناء الاحتلال الأميركي أكثر من أي مدينة أخرى في ليبيا.

وقال طارق الشرقي، إمام أصولي في درنة، إن السكان المحليين يعتبرون الطائرات الآلية التي تعمل بدون كطيار ويسمعون صوتها فوق رؤوسهم quot;شكلاً من أشكال الاحتلالquot;، محذراً في السياق عينه من أنهم سيشنون quot;الجهادquot; من أجل إخراجها من بلادهم.

وقال صحافي محلي يدعى حسين المساري quot;هم رجال الشرطة والمجرمون في الوقت ذاته. وهم يضغطون من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية ويهددون هؤلاء الذين يفضلون رؤية طرابلس الخاصة بتكوين حكومة مركزية ولوضع دستور. وقد قاموا كذلك بنشر قوائم اغتيال على صدر صفحات جهادية مجهولة على موقع فايسبوكquot;.

وعاود رئيس مجلس المدينة ليقول في هذا الشأن quot;يبدو وأنه قد تم حل الميليشيات، لكن الحقيقة هي أنها لا تزال كما هي. وسبق لنا أن حاولنا مراراً وتكراراً أن ننشئ قوة شرطة محلية. وأظن أنه في حال موافقة الحكومة على العمل في إطار الشريعة الإسلامية، فإن هذا من الممكن أن يؤدي إلى التوصل لاتفاق مع تلك الجماعاتquot;.