حسين أبو حميدة مسؤول الأمن في بنغازي

أعادت الأحداث الأخيرة التي حصلت في بنغازي على خلفية الفيلم المسيء للاسلام، ضعف الحكومة الليبية وعدم قدرتها على فرض الأمن في مدن تنتشر فيها الميليشيات بقوة.


بيروت: تبدو الحكومة المركزية في طرابلس عاجزة عن السيطرة على الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد، خصوصاً في الشرق نظراً لوجود عدد كبير من الميليشيات مع غياب ملحوظ لأجهزة الأمن.
فصل حسين أبو حميدة، مسؤول الأمن في ثاني أكبر المدن الليبية، من عمله هذا الأسبوع على خلفية الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي الذي أسفر عن مقتل السفير وثلاثة أميركيين آخرين.

وقال أبو حميدة إنه في ليلة 11 أيلول (سبتمبر)، كان رجال شرطته أقل عدداً وتسليحاً من المهاجمين، لذلك فالمسؤولية لا تقع على عاتقه بل على الحكومة المركزية التي عجزت عن كبح الميليشيات القوية بعد الحرب.
وأضاف أبو حميدة: quot;لم تكن هناك استراتيجية لنزع السلاح من الشوارع أو لاحتواء الميليشيات وضمها إلى الشرطة أو الجيشquot;.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; أنه بعد مرور ما يقرب السنة على مقتل العقيد الليبي معمر القذافي، وانطلاق مرحلة ديموقراطية جديدة، لا تزال سلطة حكومة ليبيا المركزية عاجزة عن فرض ذاتها في القسم الشرقي من البلاد، إلى حد أن أبو حميدة لا يجد صعوبة في عصيان أمر يأتيه من الوزارة في طرابلس بالتنحي عن منصبه.

ووجه المسؤولون الليبيون أصابع الاتهام إلى مقاتلين أجانب لتنفيذهم هجوم بنغازي. ووصف ماتيو أوسلن، مديرالمركز القومي الأميركي لمحاربة الإرهاب، الهجوم بأنه quot;عمل إرهابيquot;، مشيراً إلى وجود أدلة على أن المسؤولين عن الهجوم ينتمون لجماعات إرهابية في شرقي ليبيا، من ضمنهم أعضاء في تنظيم القاعدة.
العنف الذي حدث الأسبوع الماضي يبرز خطورة الفراغ الأمني الناتج عن ضعف السلطة المركزية الليبية. وفي ظل ضعف الشرطة الشديد، مقارنة مع ما كانت عليه قبل الثورة، أصبح الناس في بنغازي quot;منضبطون ذاتياًquot; وفقاً لفاطمة غويلة، معلمة لغة انكليزية في المدينة، مضيفة: quot;نحن نحكم أنفسنا بأنفسنا، والناس يساعدون بعضهم بعضاً في حل خلافاتهم القبلية ويتوقفون عند الإشارات المروريةquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أن انتشار الأسلحة أحد العوامل الرئيسية في انعدام الأمن في البلاد، فالعصابات المسلحة من الثوار السابقين بلغ عددها أكثر من 200 في أنحاء البلاد، وفقاً لدراسة أعدها المجلس الأطلسي ونشرت الأسبوع الماضي.
وتدعي بعض الميليشيات أنه تم دمجها، على الأقل رمزياً، في كوادر وزارة الداخلية بطرابلس وفي الجيش، لكن الأمن على أرض الواقع ليس منسقاً ويفتقر للمركزية والتسلسل الوظيفي.
وفي حالات كثيرة، كما في بنغازي ومدينة الزنتان الجبلية غربي ليبيا حيث يحتجز أهم سجين من العهد السابق وهو سيف الإسلام القذافي، فإن الميليشيات تمتلك نفوذاً وسلاحاً أكثر من شرطة الوزارة، وفقاً للصحيفة.

القنصلية الأميركية كانت تعتمد جزئياً على الميليشيات في أمنها خلال الساعات التي سبقت هجوم الأسبوع الماضي، بحسب المقاتين والمسؤولين. وتفيد الروايات التي قدمها شهود عيان ومسؤولون أن كوادر القنصلية طلبوا المساعدة في توفير بيت آمن وسكن للسفير جي كريستوفر ستيفنز، بعد الهجوم الأولي الذي أدى إلى احتراق أجزاء من المجمع بالنيران، كما أن طواقم حماية القنصلية غير المجهزة بالقدر الكافي، عجزت عن صد المهاجمين.
وقال أبو حميدة: quot;الشيء الوحيد الذي قام به جهاز الأمن هو فصلي أنا وونيس الشريف، المسؤول عن الأمن في شرقي ليبيا. وكأن الأميركيين سيقتنعون أنه من السهل طرد شخصين لهما أهمية كبيرة، وأن ذلك سيهدىء الأمورquot;.

وبعد أربعة عقود من التهميش والإهمال في عهد معمر القذافي، أمل سكان المدينة بأن الثورة ستجلب لهم الاعتراف والتنمية. لكنهم يشعرون اليوم بالمرارة والإحباط، ويشتكون من أن الحكومة الجديدة لم تفعل أكثر من تعيين عدد قليل من المسؤولين الكبار المتحدرين من الشرق. ولم يحصلوا بعد على مزايا حقيقية، مثل الرواتب للعاملين في القطاع العام.
بذلت القيادة الليبية المؤقتة والمؤتمر الوطني المنتخب حديثاً محاولات عديدة للتهدئة واستيعاب الميليشيات. ودفعت السلطات مرتبات ووفرت التدريب وطالبت بتقديم أوراق رسمية من أجل الانضمام للقوة الوطنية. وفي ما يتعلق بأكثر الميليشيات إثارة للمتاعب، فقد رتبت السلطات اجتماعات قبلية وطالبت بتعاون الأسر في السيطرة على أبنائها المتوترين الذين يحملون الأسلحة.

لكن منتقدي طرابلس، بما في ذلك قادة الميليشيات، يقولون إن عدم وجود استراتيجية واضحة هو سبب ضعف الأمن الوطني، كما أن أعضاء الميليشيات تركوا من غير توجيه، ولذلك ظلوا منقسمي الولاء وينتظرون أجورهم التي لم تصلهم حتى اللحظة.
وقال فوزي ونيس القذافي، رئيس لجنة الأمن العليا في بنغازي، التي تضم عدداً من الميليشيات تحت إشراف وزارة الداخلية ويبلغ عدد افرادها أكثر من 16 ألف مقاتل إن quot;السؤال الكبير الآن: ما هي الخطوة التالية؟quot;.
وأضاف: quot;الناس لا يحبون هذا الوضع المؤقت. يريدون أن يعرفوا مصيرهمquot;، مشيراً إلى أن أعضاء الميليشيات تحت مظلة لجنة الأمن لم يتلقوا مرتباتهم منذ حزيران (يونيو) الماضي.

من جهته، قال يوسف عريش الذي تملك عائلته عقارات مجاورة للقنصلية إن تركيبة الأمن في بنغازي لا مركزية، لدرجة أن مكتب رئيس الوزراء كان ما يزال في الأيام التالية للهجوم يحاول معرفة ما هي القوات التي تعمل ضمن المدينة.
وتابع قائلاً: quot;الناس غاضبون. انهم يريدون من الحكومة ان تفعل شيئاًquot;.
وقال القذافي: quot;الحكومة ليست قوية بما فيه الكفايةquot; كي تطلب من الميليشيات إلقاء أسلحتها، مشيراً إلى أنها حذرة من إشعال حرب اهلية.