المسألة الأكثر خطورة في ليبيا هي التنصت على الاتصالات، لأن وجود هذه القدرة بين أيدي الميليشيات يشير إلى وجودعدم وجود رقابة ويثير مخاوف بشأن التجسس على الخصوم السياسيين وأعمال الثأر.

تعمل السلطات الليبية جاهدة على كبح جماح الميليشيات المسلحة، في ظل دعوات شعبية عامة في البلاد من أجل سيطرة الحكومة على المليشيات المنقسمة. والعشرات من الميليشات المتفرقة لا تزال قوة الشرطة الفعلية الوحيدة في ليبيا، لكنها تقاوم السيطرة الحكومية بشراسة لتحافظ على يدها العليا في البلاد.
تشبث الميليشيات بسلاحها وبموقعها فوق القانون، يصعّب مهمة السلطات الليبية والولايات المتحدة التي تسعى إلى إلقاء القبض على المهاجمين الذين قتلوا السفير الأميركي لدى ليبيا كريستوفر ستيفنز بعد مرور شهر على مقتله.
ترويض الميليشيات هو اختبار مفصلي لليبيا الجديدة في محاولتها بناء ديمقراطية بعد أربعة عقود من الديكتاتورية تحت حكم العقيد الراحل معمر القذافي، فالحكومة الانتقالية في البلاد تواجه تحديات كبيرة بعد أن استعصى عليها تهذيب سلوك الميليشيات التي تعتمد عليها في توفير الأمن في البلاد، وجعل ليبيا ما بعد القذافي دولة ينعدم فيها تطبيق القانون.
الأمن الهش في ليبيا تحول إلى قضية أميركية تتم مناقشتها في سباق انتخابات الرئاسة الأميركية، حيث يقول الجمهوريون إن فشل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في حماية السفير الأميركي يظهر انهيار سياساتها في المنطقة.
هذه التصريحات تلقي ضغوطاً متزايدة على الإدارة الأميركية لاتخاذ إجراء إزاء المعتدين، الأمر الذي قد يسبب تداعيات خطيرة نظراً لأن شن هجوم أميركي على الأراضي الليبية يمكن أن يتسبب في رد فعل شعبي ربما يتسم بالعنف.
سلطة الميليشيات واضحة في ليبيا، فعلى سبيل المثال، يتنقل العشرات من أفراد الميليشيات من مدينة مصراتة، في غرف احد أفضل الفنادق في طرابلس (ودان) من دون أي حسيب أو رقيب، ويتمتعون بخدمة الفندق مجاناً منذ أكثر من عام، لأن وزير الداخلية الموقت، وهو أيضاً من مصراتة، يحميهم ولا يحاسبهم.
أما في بنغازي، تتنصت بعض الكتائب المستقلة على الهواتف لملاحقة المشتبهين بأنهم من الموالين للعقيد القذافي، وذلك للثأر منهم.
لكن هذا لا يعني أن هذه السلوكيات أفقدت الميليشيات الدعم الشعبي، فالعديد من الليبيين ينظرون إلى هذه الميليشيات على أنها الجهة الوحيدة التي تؤمن لهم الأمن والأمان في ظل دولة مبتورة.
ويعتبر سكان بنغازي أن مجموعة quot;أنصار الشريعةquot; قامت بعمل أفضل من الحكومة في توفير الأمن وحتى بعض الخدمات الاجتماعية.
في بعض الطرق، تجسد quot;أنصار الشريعةquot; أحلام الناس في مرحلة ما بعد القذافي ليبيا، حيث قام السكان بسرقة الأسلحة ونظموا أنفسهم في كتائب إقليمية أو قبلية أو إسلامية للحفاظ على السلام والدفاع عن الرؤى المختلفة لليبيا.
في بني وليد، قرب مصراتة، تتألف الميليشيات المسيطرة من الموالين السابقين للقذافي الذين رفضوا الحكومة الجديدة، وعملوا على التنسيق مع أبناء مدينتهم لتوفير الأمن أو الخدمات العامة، ويعارضون المقولة السائدة بأن الديمقراطية تتعارض مع الإسلام.
لكن النظرة الأميركية إلى مجموعة أنصار الشريعة ليست بهذه الإيجابية، ففي جلسة استماع في الكونغرس الأسبوع الماضي، قال اريك نوردستروم، الرئيس السابق لأمن السفارة الأميركية في ليبيا، إنه تعقب أنصار الشريعة باعتبارهم تهديداً محتملاً quot;لبعض الوقتquot;، ووجد أنهم جماعة quot;متطرفةquot; وتمثل quot;ذراعاً غير رسمية للحكومة الليبيةquot;.
ويحاول أنصار الحكومة المدنية الحد من قوة الميليشيات على أرض الواقع، وذلك من خلال التواصل مع أفرادها لإقناعهم بتسليم سلاحهم أو الانضمام إلى إطار الدولة الشرعي. لكن هذه المحاولات لم تنجح حتى الساعة، على الرغم من الأقاويل التي تشير إلى طرد أنصار الشريعة من مقرهم.
وقال منظمو الاحتجاجات ضد الميليشيات إنهم لم يتصادموا مع أنصار الشريعة، وأنهم وجهوا تحذيراً للمجموعة لإجلاء مركزهم. حتى أن البعض منهم قالوا إن الحديث مع قادة أنصار الشريعة كان ودياً وأنهم تناولوا الغداء معهم.
وردت الحكومة على الاحتجاجات المدنية عن طريق تعيين ضباط الجيش للمساعدة في الإشراف على عملية حل الميليشيات. لكن قادة الألوية اعتبروا أن هذه المهمة يجب أن توكل لهم وليس لضباط الشرطة، وأنهم لن يتخلوا عن السيطرة في الوقت الراهن.
ويقول قادة الميليشيات إنهم يرفضون أن يستلم الجيش الوطني أو الشرطة الأمن في البلد، لأن الكثير من الضباط كانوا يعملون لصالح العقيد القذافي.
ولعب الغرور أيضاً دوراً في عملية حل الميليشيات أو السيطرة عليها، فالعديد من أفرادها أو قادتها على حد سواء يحبون quot;الهيبةquot; التي يتمتعون بها بفعل سيطرتهم وليسوا مستعدين للتخلي عنها. كما أن العديد من الناس يمجدون هؤلاء القادة ويغذون شعورهم بالفوقية، وبالتالي يصبحون أكثر تمسكاً بمواقعهم.
وعلى الرغم من تعنت الميليشيات، وضعف الحكومة، والأمن الهش، تبقى المسألة الأكثر خطورة في ليبيا هي التنصت على الاتصالات، لأن وجود هذه القدرة بين أيدي الميليشيات المستقلة يشير إلى وجود عدم وجود رقابة ويثير مخاوف بشأن التنصت على الخصوم السياسيين وأعمال الثأر.