تمثّل المبادرات الفردية في زراعة اشجار النخيل في العراق خطوة ضئيلة لا تضاهي الدمار الهائل الذي يلحق ببساتين النخيل جراء عمليات التجريف الكبيرة، الضرورية للتوسع العمراني العشوائي على حساب البيئة العراقية.


بغداد: في ظاهرة ايجابية، تتكثف عمليات تسابق العراقيين على زراعة فسائل النخيل، ضمن مبادرات فردية غير مدعومة من الدولة أو من جهة أخرى، يدفعهم إلى ذلك شعورهم بانخفاض أعداد النخيل في بلدهم، وتملّك البعض الاحساس بالتقصير تجاه هذه الشجرة التي يطلق عليها بعضهم أم العراقيين.

وطيلة سنوات، تعثّرت زراعة النخيل في العراق، كما ترافق ذلك مع انخفاض اعدادها بشكل كبير، بسبب الحروب وجرف البساتين وتحوّلها إلى احياء سكنية أو مرافق صناعية.

حب النخلة

إنه حب كبير يكنه المدرس أحمد سعد لهذه الشجرة ما دفعه إلى غرس ثلاث نخلات في بيته، بالاضافة إلى الفوائد البيئية والتجميلية التي يجنيها من وجود هذه الغرسات.

المزارع سعد الهاشمي، الذي شرع في زراعة نحو اربعين من فسائل النخيل في بستانه، يقول إن هذه الزراعة تكتسب في نفسه أهمية خاصة، ليس لأنها مصدر للتمور فحسب، بل لأنها ترتبط بإرث ثقافي وبقيم اجتماعية توارثها الناس جيلًا بعد جيل. ويشير إلى أن الكثير من الناس ينظرون بعين التقدير إلى مبادرته، بعدما عزف عديدون عن زراعة النخيل.

عودة إلى القديم

يشير الباحث الاجتماعي رعد الكعبي إلى تنامي ظاهرة زراعة النخيل في البيوت، ويرد ذلك إلى حب العراقيين للنخلة، وإلى نوع من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وبعض من بحبوحة العيش تجعل المواطن يفكر في العودة إلى عادات قديمة كان عزف عنها لضائقة مادية مر بها أو لعدم استقرار في حياته اليومية.

يحرص اليوم الكثير من المشاتل في العراق على توفير فسائل النخيل بعد ان اندثرت لسنين طويلة. يقول أحمد نعمان، صاحب مشتل في الكرادة في بغداد، إن الاقبال على فسائل النخيل منقطع النظير، حتى اصبحت تجارة رابحة بالفعل. ويتابع: quot;اضطر التجار إلى استيراد فسائل من دول الخليج لغرض تلبية الطلب المتزايد عليها من السوق المحليةquot;.

شجرة صامدة

وعلى الرغم من أن الكثير من المباني والأحياء التي شُيّدت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي تكاد تخلو من أشجار النخيل، إلا أن الوقت الحاضر يشهد زراعة نخلة أو نخلتين على الاقل في حدائق وممرات البيوت والفلل المشيّدة حديثًا.

يقول احمد كرم، الذي يبيع فسائل النخيل: quot;كل الذين يبنون الآن يزرعون شجرة أو شجرتين في بيوتهمquot;.

وبحسب المهندس عامر عبد الله من بلدية بابل، فإن الكثير من البلديات في العراق اعتمدت خططًا لزرع فسائل النخل في الساحات العامة والأرصفة والجزرات الوسطية. ويتابع: quot;ما يشجع على ذلك هو أن النخلة هي الاكثر صمودًا بين الشجر بوجه درجات الحرارة العالية والظروف المناخية الصعبةquot;.

ويشير عامر إلى أن زرع فسائل النخيل في الشوارع تجربة ناجحة، لأن النخلة هي الشجرة الانسب التي تلائم بيئة العراق، ويمكن عبر ذلك تجميل الشوارع نظرًا لديمومة خضرة النخلة وكثافة سعفها، فتشكل اذا ما زرعت على مساحات واسعة مصدًا دائمًا بوجه الاعاصير والعواصف الترابية والرملية.

تجريف البساتين

تمثل هذه المبادرات الفردية خطوة صغيرة مقابل الدمار الهائل الذي يلحق ببساتين النخيل جراء عمليات التجريف الكبيرة، نتيجة التوسع العشوائي للعمران نحو البساتين.

يقول المهندس الزراعي فوزي تركي: quot;اضافة إلى تجريف البساتين، فإن الامراض التي تسببها حشرتا الدوباس والنخيل تفتك بالكثير من الاشجار، مما اضطر المزارعين إلى هجرة البساتين بسبب كلفة رعاية الاشجار مقابل قلة مردودها الماديquot;.

وبحسب تركي، فإن الحل الامثل يكون باستملاك الدولة لأعداد من البساتين في كل مدينة عراقية، صغيرة كانت أم كبيرة، وتهيئة كادر يرعى اشجار النخيل فيها ودعم اصحاب البساتين. ويشير إلى ضرورة دعم أي فعالية لزرع النخيل في البيوت والحدائق الخاصة عبر طرق مختلفة، منها توفير فسائل النخل مجانًا ومنح القروض لتمويل اقامة بساتين نخيل جديدة.

الجدير بالذكر أن العراق استورد الآلاف من الفسائل النسيجية حيث زرعت في بادية المثنى ومحافظات النجف والرمادي. وتعتبر أشجار النخيل رمزًا للبيئة الصحراوية، لأنها أكثر النباتات تكيّفًا مع هذه البيئة، نظرًا لتحملها درجات الحرارة المرتفعة والجفاف والملوحة.

احصائيات

إلى وقت قريب، كان في العراق نحو ثلاثين مليون نخلة، انخفض عددها إلى نحو سبعة ملايين في نهاية تسعينات القرن الماضي، توفر 600 نوع من التمور. لكن حسن محمد، من مديرية زراعة كربلاء، يؤكد تصاعد عدد النخيل منذ المبادرة الزراعية في العام 2008 ليصل إلى حوالي عشرين مليون نخلة. كما أن العدد في تصاعد بسبب مشاريع زراعة النخيل في اغلب محافظات العراق.

يؤكد خيال قحطان، الذي كان يمتلك بستانًا فيه أكثر من 100 نخلة لم يتبقَ منها الا عشرون، أن المبادرات الفردية التي نشهدها اليوم وحملات البلديات لزراعة عشرات الاشجار خطوة جيدة لكنها لا تكفي، والمطلوب هو إيقاف تجريف البساتين التي تؤدي إلى اختفاء المئات من اشجار النخيل.