تشهد أكبر قوتين عالميتين في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل انتخابات حاسمة لاختيار زعيم لكل منهما، في مصادفة زمنية تعكس مدى الاختلاف الجذري بين اجواء الاثارة والترقب في المنافسة الديموقراطية الاميركية واجواء التعتيم في مرحلة الانتقال الشيوعي الصينية.


بكين: تعيش الولايات المتحدة على وقع المناظرات التي يتابعها مباشرة عشرات الملايين من مشاهدي التلفزيون وسيل التغريدات عن المرشحين والتجمعات السياسية المتوالية مع سؤال رئيسي واحد: مَن من المرشحين الجمهوري ميت رومني أو الديموقراطي باراك اوباما سيكون الرئيس القادم؟.

لكن في الجانب الآخر من المحيط الهادىء حيث يفتتح المؤتمر الشيوعي الكبير الذي يعقد كل خمس سنوات في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر)، وحيث يختار الممثلون غالباً كنواب تدور الصراعات في الكواليس مع تنازع الكبار على المناصب الرئيسية، كما يبدو من شبه المؤكد اختيار نائب الرئيس شي جينبينغ لزعامة الحزب الواحد ومن ثم لزعامة الصين.

ورغم تناقض انفتاح الديموقراطية الغربية مع تشدد الاشتراكية على الطريقة الصينية وتناقض الاثارة الانتخابية الاميركية مع الانتقال الصيني المغلق فإن النتيجة في النهاية ستكون اختيار قائد اعلى لكل من هاتين القوتين النوويتين اللتين تملك كل منهما مقعدًا دائمًا في مجلس الامن.
في الوقت نفسه يتوقع أن يستمر التبادل التجاري بين اكبر قوتين اقتصاديتين في العالم حتى وإن كان اوباما ورومني يتنافسان في الاغداق بالوعود باتباع سياسة اكثر حزماً حيال بكين.
وفي لقاءات مع فرانس برس في احدى جامعات بكين يقول طلبة صينيون إنهم يتابعون باهتمام الانتخابات الاميركية التي يرونها اكثر حيوية واثارة من انتخاباتهم لكن بدون أن تخالجهم مع ذلك مشاعر غيرة حقيقية رغم بعض المفاهيم الراسخة لدى الغرب عن رغبة الصينيين الشديدة في انتخاب قادتهم.

ويقول زينغ كيلون (24 سنة) إن quot;استنساخ الديموقراطية الاميركية بصورة آلية سيثير الكثير من المشاكل في الصين حتى وإن كان يتعين علينا المرور بذلك كي نتقدمquot;.
ويعترف هذا الطالب الذي يدرس الفلسفة باعجابه بموهبة باراك اوباما الخطابية.

وفي المناظرة الثانية في جامعة هوفسترا (لونغ ايلاند) كان لدى المرشحين حرية التنقل على منصة صغيرة امام جمهور يطرح عليها الاسئلة. وبعد قليل وخلال حفل عشاء ساهر في نيويورك امتع ميت رومني وباراك اوباما الحضور بالملاحظات الساخرة والمزحات الانتقادية.
هذا الامر لا يمكن تصوره في الصين حيث يضع كبار القادة انفسهم في قوالب صارمة يفترض أن تجسد جدية منصبهم.

ويقول تو زونغشي الذي يدرس العلاقات الدولية إن quot;اوباما يحسن الحديث امام الجمهور، إنه شخصية لا تقاومquot;. لكن هذا الطالب يرى ايضاً أن نظام الانتخابات الاميركية quot;غير قابل للتطبيق حاليًا في الصينquot;.

ويوضح أن quot;الانتخابات في الولايات المتحدة تتيح المشاركة لكل الاميركيين وهذا شيء ايجابي. الا ان ذلك يكلف كثيراً. ونظريًا فإن الانتخابات في الصين لن تكلف شيئًاquot;.
زهانغ شو طالب الهندسة الميكانية في ووهان (وسط الصين) يتابع ايضًا عن كثب تطور الانتخابات الاميركية عبر التلفزيون أو عبر الانترنت.
.
ويقول معلقًا quot;ارى اليوم أن النظام الاميركي ليس الأسوأ وان نظامنا يتفق بصورة عامة مع خصوصياتنا القوميةquot; مضيفاً quot;ربما بعد 30 أو 50 سنة نتمكن من الوصول الى المستوى الديموقراطي للولايات المتحدة. إنه حكم التطورquot;.

ويمثل هؤلاء الطلبة الى حد كبير الفكر السائد في الصين. ويقول الباحث الاجتماعي جان لوي روكا quot;حتى الاكثر ليبرالية من بين المثقفين الصينيين لا يتوقعون تحقيق الديموقراطية دون فترة انتقالية طويلة الى حد ما يتم خلالها تحويل الشعب الى مواطنينquot;.

وبالنسبة للسلطة الشيوعية، فإن الاولوية هي للمحافظة على استقرار العلاقات مع واشنطن للتمكن من مواصلة النمو الاقتصادي الصيني بلا مشاكل. وقد اتبعت بكين هذا الموقف نفسه منذ اربع سنواتعندما كان اوباما في مواجهة جون ماكين.
والاسبوع الماضي قال هونغ لي المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن quot;استمرار علاقات مستقرة ومتينة بين بكين وواشنطن يصب في خدمة المصالح الاساسية للبلدينquot;.

ومؤخرا حذرت بكين اكثر من مرة من محاولة جعل الصين كبش فداء وتحميلها مسؤولية الصعوبات الاقتصادية الاميركية.

وذكرت وكالة انباء الصين الجديدة quot;شاء أم أبى، فإن الرئيس القادم للولايات المتحدة سواء أكان ديموقراطياً أم جمهورياً سيكون مرغماً على تخفيف لهجة التصعيد حيال الصين التي اتبعت طوال الحملة الانتخابيةquot;.