حصلت بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة على صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف من أصناف متطورة، كما افاد مقاتلون ومسؤولون معارضون. واعتبر محللون أن مثل هذا التطور يمكن أن يغير ميزان القوى في النزاع السوري، ويزيد مخاوف الولايات المتحدة من وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات إسلامية مناوئة للغرب.
أظهر شريطا فيديو نُشرا على الانترنت أخيرًا مقاتلين في حلب يستخدمون أسلحة يقول خبراء عسكريون إنها صواريخ ذات استشعار حراري تُطلق من الكتف، في أول دليل موثق على وصول مثل هذه الصواريخ إلى قوات المعارضة. وهُربت أنواع من هذا السلاح إلى سوريا خلال الشهرين الماضيين عن طريق تركيا، وبدرجة أقل من لبنان بحسب مقاتلين سوريين، وجهزت عبر غرفة عمليات تتولى حكومات إقليمية تنسيق عملها.
وقال مصدر سوري يشارك في تنسيق شحنات السلاح مع دول في المنطقة quot;إن شمال سوريا يعجّ بأسلحة متطورة مضادة للدبابات والطائرات، وان الوضع تغير بسرعةquot;. واضاف هذا المصدر أن إيصال هذه الصواريخ المحمولة يجري بموافقة الدول الإقليمية التي تولت تسليح المعارضة وتمويلها منذ مطلع العام.
أدلة دامغة
يبيّن شريط الفيديو الأول رجلين يحملان صاروخ أرض - جو موجّه، ينتظران مرور طائرة في مخبئهما وراء أحد المباني. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن ماثيو شرودر، المحلل المختص بانتشار الصواريخ وتجارة السلاح في اتحاد العلماء الاميركيين في واشنطن، أنه لاحظ بريق جهاز الاستشعار الحراري للصاروخ في مؤشر إلى وجود الصاروخ في الماسورة جاهزًا للاطلاق، إلى جانب البطارية المرئية والمقبض، في ما يبدو انها منظومة متكاملة.
أما شريط الفيديو الآخر، فيبين سلاحًا من طراز مماثل يُطلق على طائرة مقاتلة. لكن الشريط ليس واضحًا، ويتعذر تحديد نوع الصاروخ المستخدم، وان كان المقطع الصوتي يسجل هدير انطلاق الصاروخ ثم يظهر الدخان الحلزوني الذي يعتبر العلامة الفارقة لهذا السلاح لدى اطلاقه في الجو.
ويبدو في الشريط أن الصاروخ أخطأ هدفه، ثم تصبح الصورة ملتبَسة. ومن الجائز ان تكون الآثار المصورة في الشريط ناتجة من مشاعل التشويش على جهاز الاستشعار الحراري، أطلقتها الطائرة لتفادي الصاروخ.
سلاح يقلب الموازين
قال مقاتلون يوم الأربعاء الماضي إنهم اسقطوا مروحية عسكرية في معرة النعمان في محافظة ادلب، كانت واحدة من اربع مروحيات ومقاتلات على الأقل يقول المقاتلون انهم اسقطوها في سوريا هذا الاسبوع. ولم يتسنّ التحقق من الوسيلة التي أُسقطت بها الطائرات، لكن هذه الحوادث التي كانت ثلاث منها موثقة على اشرطة فيديو تؤشر إلى زيادة ملحوظة في عدد الطائرات التي يُبلَّغ عن سقوطها أسبوعيا في سوريا منذ الصيف المنصرم.
ويعارض المسؤولون الاميركيون إدخال مثل هذه الأسلحة إلى سوريا متعللين بمخاوف قديمة من وقوعها بأيدي ميليشيات معادية، يمكن ان تستخدمها في النهاية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، أو تبيعها إلى جماعات ارهابية. وقال مسؤول اميركي في هذا السياق: quot;نحن قلقون بالطبع من انتشار المضادات الجوية المحمولة على الكتف في سورياquot;.
لكن الغارات الجوية التي يشنها طيران النظام السوري تشكل عقبة في وجه تقدم المقاتلين الثوار. وكان هذا الطيران يحلق في الأجواء السورية بحرية نسبيًا حتى هذا الصيف، وما زالت المروحيات العسكرية تُستخدم على نطاق واسع ضد مواقع المعارضة. ويمكن للمضادات الجوية إن وضعت بيد المعارضة ان تقلب موازين القوى في مواجهة طيران النظام، مثلما قلبها لصالح المقاتلين الافغان ضد الجيش السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي. فيمكن ان يجبر هذا السلاح طائرات النظام على القصف من ارتفاعات شاهقة، مع ما يعنيه ذلك من تزايد الخسائر بين المدنيين.
مصادر مختلفة
قال عدد من المنسقين العسكريين العاملين في صفوف المعارضة المسلحة إن غالبية الصواريخ التي تُطلق من الكتف تأتي من ليبيا، وتهرب إلى سوريا عن طريق الأراضي التركية من دون موافقة رسمية من الدول الاقليمية. إلى ذلك، قامت فصائل فلسطينية تدعم الانتفاضة السورية بتجهيز صواريخ أرض - جو روسية الصنع من طراز ستريلا، أدخلت إلى سوريا عبر الأراضي اللبنانية. وكشف منشقون سوريون أنهم تمكنوا من شراء بعض الصواريخ من طراز سام - 7 الروسية من جنود في الجيش السوري النظامي في الصيف الماضي.
غير أن سام - 7 الروسي يعود إلى منظومة عمل قديمة، وبسبب قدمها قد لا تكون البطارية قوية بما يكفي لتصويب الصاروخ نحو الهدف واطلاقه. لكن هناك أدلة كثيرة تؤكد أن صواريخ سام - 7 تنطلق من منظومتها بنجاح، وهذا ما أكده ثوار ليبيون استولوا على صواريخ سام - 7 تعود إلى الثمانينات واستخدموها ضد طائرات القذافي.
غرفة عمليات عربية
أفادت صحيفة وول ستريت جورنال أن تركيا والعربية السعودية وقطر أقامت غرفة عمليات مشتركة مطلع هذا العام، من أجل ضبط تدفق السلاح إلى المقاتلين السوريين، في اطار مشروع سري يراقبه المسؤولون الاميركيون عن كثب.
وقصرت الولايات المتحدة دعمها للمعارضة السورية على معدات الاتصالات والمساعدات اللوجستية والاستخباراتية. لكن المسؤولين الاميركيين ينسقون مع الثلاثي الذي يمد المعارضة بالسلاح. وعزز كل من وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون وجودهما على حدود تركيا الجنوبية عندما بدأ السلاح يتدفق على المقاتلين السوريين بشحنتين إلى ثلاث شحنات في الاسبوع.
وفي تموز (يوليو) الماضي، أوقفت الولايات المتحدة شحن 18 صاروخًا تُطلق من الكتف مصدرها ليبيا، على الرغم من استغاثات المقاتلين طالبين مضادات جوية أشد فاعلية في مواجهة طيران النظام في حلب، وفقًا لمصادر مطلعة على هذه العمليات.
قلق أميركي
أبدى مسؤولون أميركيون قلقهم من أن تجد مضادات محمولة روسية الصنع طريقها من ليبيا إلى سوريا. وكانت الولايات المتحدة كثفت جهودها لتعقب وجمع هذه المنظومات بعد سقوط نظام القذافي في العام الماضي.
لكن الصواريخ التي تُطلق من الكتف ليست الوسيلة الوحيدة لإسقاط الطائرات السورية. فالعديد من المدافع الرشاشة الثقيلة صُممت لهذا الغرض، ويمكن ان تعمل بفاعلية ضد طائرات تحلق على ارتفاعات منخفضة.
ويُعتقد ان المقاتلين السوريين يئسوا من تلقي أسلحة قوية من الدول الغربية والعربية، لذا يعقدون صفقاتهم الخاصة للحصول على اسلحة من جماعات متطرفة، بينها جماعات شبيهة بتنظيم القاعدة، بحسب ما صرح رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الاميركي مايك روجرز لشبكة سي أن أن.
ويتعامل المسؤولون الاميركيون بحذر بسبب الطبيعة المتحركة للحرب الأهلية السورية وصعوبة تحديد الهوية الايديولوجية لقادة الثوار. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فكتوريا نولاند إن المسألة لا تتعلق بالقادة فحسب، بل تتعلق بالتأكد من عدم اختراق الفصائل العاملة في سوريا ايضًا.
التعليقات