يقف فتية يحملون سلاح الكلاشينكوف على مداخل منطقة قاو في شمال مالي، ويقومون بإجراءات تفتيش لكنها ليست أمنية بالدرجة الأولى وأنما ذات طابع إسلامي، حيث يتأكدون من أن الرجال والنساء لا يجلسون إلى جانب بعضهم في الحافلات وغيرها من الإجراءات ذات الصلة.

القاهرة: تعيش منطقة شمال مالي في حالة من الرعب على خلفية الطريقة التي يدير من خلالها النظام الإسلامي شؤون الحياة هناك، وهو ما دفع بمئات الآلاف للفرار، أما من تبقوا فعانوا من أشكال جديدة للوحشية مع كل يوم يمر عليهم. وهو الواقع المرير الذي سعى لتوثيقه مراسل مجلة دير شبيغل الألمانية من خلال الرحلة التي قضاها على مدار أسبوعين في تلك المنطقة التي تخشى أوروبا أن تتحول إلى صومال آخر.
وفي مستهل حديثه، أبرز المراسل الطبيعة الأمنية التي تفرضها الشرطة الإسلامية من خلال نقطة التفتيش التي قامت بتأسيسها في الطريق إلى قاو، وهي النقطة التي تشكل بداية المنطقة التي تخضع لهيمنة القادة الجدد لشمال مالي. ويمسك هناك مجموعة من المراهقين ببنادق كلاشينكوف، يخبرون القادمين إلى هناك ببعض التعليمات التي في مقدمتها تلك الأشياء المحرمة مثل السجائر والاسطوانات وأجهزة الراديو والكاميرات والمجوهرات، ويقفون للقيام بأعمال الحراسة باسم النبي محمد.
وبإيماءات متغطرسة، يقوم هؤلاء المراهقين بإيقاف العدد القليل من الحافلات التي تقطع مسافات طويلة قادمة من جنوب البلاد، ويقوم أحدهم بتفتيش الحافلات، بالصعود إلى أعلى والسير في الممر للتأكد من التزام الجميع بالقواعد الإسلامية، كالتأكد من جلوس الرجال والنساء بعيداً عن بعضهم البعض، كل في المقاعد المخصصة له، وارتداء السيدات للحجاب، وارتداء الرجال للسروايل التي تصل حتى الكعب.
وهي الإجراءات التي يرضخ لها السائق والركاب في هدوء. وحين يتم الانتهاء منها، يخرج ذلك الشاب وهو يحمل الكلاشينكوف من الباب الموجود بالمؤخرة، وهو يقول quot;السلام عليكمquot;، وهي تحية الإسلام التي تستخدم على نطاق واسع بالعالم الإسلامي.
هذا وتشهد مالي حالة من الانقسام منذ نيسان/ أبريل الماضي، حين استحوذ إسلاميون على منطقة في الشمال أكبر في الحجم من فرنسا، بينما مازال يخضع الجنوب لسيطرة حكومة غير قادرة على الدفاع عن نفسها. ونجحت القوات المتعاونة مع مجموعة الطوارق العرقية خلال الربيع الماضي في إخراج الجيش المالي من مناطق البلاد الشمالية في غضون بضعة أسابيع قليلة. وأعلنوا هناك عن تأسيس دولة الطوارق من الأزواد، التي لم تعترف بها أي دولة في العالم حتى هذه اللحظة.
ثم أتى الإسلاميون وهم مسلحين بما تبقى من ذخيرة كانت تخص العقيد الليبي معمر القذافي، والذين تربطهم أيضاً علاقات جيدة بمقاتلي القاعدة، الذين وجدوا طوال سنوات ملاذاً آمناً في منطقة المغرب العربي بشمال أفريقيا وكذلك بلدان منطقة الساحل الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وقد تم طرد الطوارق الذين لم يلتحقوا بالإسلاميين.
وقد وافق مجلس الأمن، بشكل مبدئي، على نشر قوات دولية، فيما قرر الاتحاد الأوروبي إرسال مستشارين عسكريين، وتنظر الآن الولايات المتحدة في إمكانية استخدام طائرات بدون طيار من اجل محاربة القادة الإسلاميين المنتشرين هناك.
وسبق لوزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أن قالت إنها تعتقد أن الإسلاميين في مالي هم من وقفوا وراء الهجوم الوحشي الذي أدى إلى مقتل ، كريستوفر ستيفنز، السفير الأميركي في مدينة بنغازي الليبية، قبل حوالي سبعة أسابيع.
ومضى مراسل المجلة يقول إن قاو، تلك المدينة التي يقطنها 100 ألف نسمة، تحولت إلى مكان مهجور منذ أن فرض الإسلاميون سيطرتهم. وقد كانت من قبل نقطة جذب للسياح المسافرين إلى تيمبوكتو، لكن الظروف تغيرت وتبدلت هناك الآن تماماً.
وقال ميكانيكي يدعى ألاساني أمادو توريه، بينما كان يحتسي كوبا من الشاي في الظل :quot; قاو مدينة ميتة. وقد تراجع ناتجها الاقتصادي بنسبة 85 % منذ فصل الربيع الماضيquot;.
وحتى وقت قريب كانت تطبق أحكام محاكم الشريعة في شارع هناك يعرف باسم شارع واشنطن، غير أن الشرطة الإسلامية باتت أكثر حذراً الآن. وها هي محكمة الشريعة تستخدم قاعدة عسكرية سابقاً تقع خارج المدينة لتنفذ بها عقوباتها المروعة، التي من بينها تلك التي نفذت في شخص يدعى الحسن بونكانا مايغا، الذين أدين بتهمة سرقة الماشية، حيث تم اعتقاله، ونفذت فيه بالفعل عقوبة قطع اليد، ليلقى حتفه بعدها ببضعة أيام، ربما بسبب إهدار كمية كبيرة من دمعه أو بسبب عدوى.