لم يسلم أحد من نيرانها المنطلقة عن قناعاتها العميقة الرسوخ، بمن في ذلك أصدقاؤها السياسيون. لكن يبدو أن مارغريت ثاتشر لم تكن مصنوعة من الحديد فعلاً، لأن حرّاسها الشخصيون يرسمون صورة مختلفة قلّما عُرفت عنها.



صلاح أحمد: بلغ من عظم دور رئيسة الوزراء البريطاية السابقة مارغريت ثاتشر على المسرح السياسي، سواء في بلادها أو خارجها، حدَّ أنها لُقبت بـlaquo;السيدة الحديديةraquo;. وليس أدل على مغزى هذا اللقب من أن الإعلام السوفياتي (بوق العدو) كان هو الذي أطلقه عليها.

الحقيقة التي لا يختلف حولها الناس هي أن ثاتشر لفّت نفسها بصرامة جرّدتها من اللمسة الإنسانية البسيطة، حتى بانت للناظر ماكينة سياسية هائلة وفعّالة... لكنها ماكينة في آخر المطاف... بلا اشتغال حقيقي بحياة خاصة وفرح وحزن وألم كبقية البشر.

على أن سيرة جديدة ومختلفة راحت تتبدى عنها، اختطها أيدي اولئك الذين لازموها لعشرين سنة كاملة عن قرب في حلها وترحالها، وهم حرّاسها الشخصيون. وكانت الصورة التي رسموها عنها أبعد ما تكون عن تلك الماكينة السياسية المعروفة، وأقرب شيء إلى laquo;الأم الحنونraquo;.

هذه صورة تبدو فيها رئيسة الوزراء السابقة وهي تتولى بنفسها تنظيف غرف الحرّاس، وتعليق مختلف أشكال الزينة أيام الكريسماس، وحتى تلميع أحذيتهم حتى تصبح كالمرايا. هذا الحديث، الذي قد يبدو غريبًا حقًا للعديد من الناس، يأتي على لسان باري ستيفنز، من رجال الوحدة الخاصة في laquo;سكوتلاندياردraquo; متحدثًا باسم حرّاسها أولئك.

يقول هذا الرجل في حديث أدلى به إلى صحيفة laquo;الصنraquo; البريطانية: laquo;عندما نما إلى علمي للمرة الأولى أنني سأكون مسؤولاً عن حماية مارغريت ثاتشر، غاص قلبي من شدة الشعور بالهمّ والإحباطraquo;.

لكنه قال إن نوع القلق laquo;الأموميraquo; الذي أبدته حياله بعد تعرّضه لحادثة مرورية صغيرة - بما في ذلك تعنيفه بشدة على استخفافه بسلامته الشخصية - طمأنته إلى أن الانطباع الذي تتركه لدى الناس ربما كان مجرد قشرة من غلظة ليست حقيقية في الواقع.

بمرور الوقت تأكد لديه أنها ليست بشرًا من لحم ودم وحسب، وإنما إنسان يقدّر مشاعر الآخرين الشخصية، ويهّمه رفاههم المادي والمعنوي.

وقال ستيفنز، يضرب مثالاً على تواضع ثاتشر، إن أحد حرّاسها دخل شقتها ذات مرة، وكان يحمل تحت حذائه بقايا غائط كلب مشى عليه بدون أن يشعر. فترك آثارًا لا تخطئها العين على سجاد أرضية الشقة. وعندما صار مدركًا لما فعل تملكه الفزع، لكن ثاتشر سارعت إلى طمأنته، ثم تولت نظافة حذائه والسجادة المتسخة بنفسها، وكأنها ربة بيت لا عمل آخر لها.

يمضي ستيفنز قائلاً إن ثاتشر حوّلت نُزل حرّاسها الشخصيين في مقر رئاسة الوزراء الريفي laquo;تشيكرزraquo; من مكان أشبه بالمهجور المهمل الى دار وثيرة، فتولت تنظيفها وإعادة ترتيب أثاثها بنفسها. وكانت تضفي عليها بريقًا في عطلات أعياد المبلاد بمختلف أشكال الزينة التي تحتفل بالمناسبة، ثم تتوّج كل ذلك بالهدايا لكل فرد باسمه مع الأماني الطيبة والشكر العميق على مجهوده في عمله.

عمومًا فإن الصورة التي يرسمها ستيفنز عن laquo;السيدة الحديديةraquo; مختلفة تمامًا عن الانطباع الذي كان سائدًا عنها أيام صولاتها وجولاتها، سواء في برلمان بلادها أو على الساحة الدولية. ولا شك في أن الذين laquo;اكتووا بنارهاraquo; - سواء كانوا من الأعداء أو الأصدقاء أنفسهم - سيدهشون لهذا الجانب الإنساني، الذي قلَّما رآه أحد طوال سنوات حكمها الـ11.