حين لّمح هناك رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى ممر آمن للأسد إذا قرر الانسحاب من المعركة، لاح بعض الأمل في نهاية النفق السوري المظلم. لكن التوقعات بتحقيق ذلك قاتمة، بينما تصير سوريا اليوم أكثر شبهًا بالعراق عام 2004.
لميس فرحات: في سوريا اليوم، تحصد سيارات ملغومة يقودها انتحاريون عشرات الضحايا، وتدور عمليات الخطف والإعدام بسبب وجهات نظر سياسية مخالفة، ويتفشّى العداء الديني. وتتسع دائرة الموت، لا تقتصر على القادة والمقاتلين، بل تمتد لتطال الأبرياء.
هذه مظاهر العنف في سوريا، ذلك العنف الذي يندلع في أي مكان من البلاد تقريبًا، اعتمادًا على تكتيكات الإرهاب وكمائن تستهدف المدنيين، تنفذها مجموعات من الميليشيات ذات الولاءات والإيديولوجيات الغامضة.
صورة عن عراق 2004
هذه الحال تشبه كثيرًا حال العراق في العام 2004. فالمرحلة التي تلت سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين تميزت بموجة من إراقة الدماء وفِرق الموت والتفجيرات الانتحارية التي تنشر الفزع من البصرة في الجنوب إلى الموصل في الشمال.
من يراقب ما يحدث في سوريا اليوم يشعر بمدى تشابه الأحداث مع ما جرى في العراق حينها. ففي اليومين الماضيين، وقع تفجير انتحاري في محافظة حماه، تبنته جماعة جبهة النصرة الجهادية، كما أعلنت مجموعة مؤيدة للمعارضة أنها قتلت 50 من أفراد قوات الأمن السورية. وقتل الممثل السوري محمد رافع، الموالي للنظام، بعدما اختطفه الثوار وأعدموه. واغتيل محمد أسامة اللحام، شقيق رئيس البرلمان السوري جهاد اللحام.
إلى كل هذا، احتدم القتال في أنحاء البلاد كافة، وتابعت الطائرات الحربية التابعة للنظام تمشيط مواقع الثوار والأحياء المدنية في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المقاتلة، ما أدى إلى مقتل أكثر من 150 شخصًا في سوريا، معظمهم من المدنيين.
اختلافات.. وفلسطينيون
ثمة اختلافات واضحة بين العراق 2004 وسوريا اليوم، إذ لم يكن هناك أي غزو أو احتلال أجنبي لسوريا. وفي عراق صدام، كانت حكومة البعث السنية تهيمن على الغالبية الشعبية الشيعية، بينما العكس صحيح في سوريا، حيث العلويون، الذين ينتمي إليهم الرئيس بشار الأسد، أقلية تتحكم بالغالبية السنية.
ووجود 400 ألف فلسطيني في سوريا يزيد الأمر تعقيدًا، والمجتمع الفلسطيني هناك منقسم حيال الثورة. فبينما حمل العديد من الفلسطينيين السلاح ضد الأسد، لا يزال البعض الآخر يخوض المعركة نيابة عنه. وثمة مزاعم كثيرة عن قتال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة إلى جانب قوات الأسد في بعض أحياء العاصمة، يرد عليها مناصرو الجبهة أنهم حملوا السلاح مع الأسد بعدما هاجم فلسطينيون مقاتلون إلى جانب الثوار مخيم اليرموك للاجئين.
الاختلافات كثيرة، لكن أوجه التشابه كثيرة أيضًا، لا يمكن تجاهلها، خصوصًا مع وجود عدد كبير من الجهاديين في سوريا، تمامًا كما كانوا في العراق، حين قاتلوا القوات الأميركية، وعملوا على إدارة فرق الإعدام ضد الشيعة خلال الحرب.
الصومال الجديد
المجتمع الدولي غير فعال في معالجة الأزمة السورية، ينظر بقلق إلى احتمال اندلاع موجة من القتل الانتقامي الطائفي في حال سقوط الأسد، لا سيما أن صفوف الثوار تضم عددًا كبيرًا من الجهاديين.
وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي للإعلام إن سوريا قد quot;تتحول إلى صومال جديد، تهيمن عليه الميليشيات وأمراء الحرب في أعقاب انهيار الحكومةquot;.
الإبراهيمي يقول إنه يريد قرارًا ملزمًا من مجلس الأمن الدولي، يدعو إلى تحقيق الانتقال السلمي للسلطة من أجل إنهاء القتال، على الرغم من أنه يدرك جيدًا أن روسيا تعهدت استخدام حق الفيتو ضد أي قرار من هذا القبيل.
ممر بريطاني آمن
في الوقت نفسه، طرح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إمكانية تأمين ممر آمن للأسد لخروجه من سوريا، مع التعهد بعدم محاكمته بارتكاب جرائم الحرب. وقال كاميرون، quot;أفضّل أن يحاكم الأسد بسبب ما فعل، وأنا بالتأكيد لا أقدم إليه خطة للخروج إلى بريطانيا، لكن إذا أراد الرحيل، يمكن ترتيب ذلكquot;.
يبقى هذا الاحتمال ضعيفًا في الوقت الراهن. فالأسد ما زال مستمرًا في تحديه، وتقوم قواته بقصف الثوار والمدنيين الذين يعارضونه بالمدفعية والطائرات الحربية. ومن غير الممكن معرفة ما ستحمله الأيام المقبلة لسوريا، لكنها مع الوقت تصبح أكثر شبهًا بالعراق، وعلى شفا فظائع حرب أهلية أسوأ يومًا بعد يوم.
التعليقات