تفشت ظاهرة اختطاف الأطفال والمطالبة بالفدية في العراق، فأثارت ذعرًا بين الأهالي الذين اصطحبوا أولادهم بأنفسهم إلى المدارس. وما زاد منسوب القلق حوادث خطف وهمية، وأخرى انتهت بالاغتصاب أو القتل. وتدور شكوك حول استخدام هذه الوسيلة لتمويل الارهاب.


تبدي أسر عراقية مخاوف متزايدة من ظاهرة اختطاف الاطفال. فقد تكررت هذه الظاهرة في بغداد والمدن الأخرى، ما دفع بالآباء إلى الحرص على اصطحاب أطفالهم من المدارس وإليها بأنفسهم.

دفع أبو سمير الحلي ثلاثين ألف دولار لعصابة اختطفت ابنه عصام (9 سنوات) الشهر الماضي وهو في طريقه إلى المدرسة. وبعد مفاوضات مع الخاطفين عبر التلفون، تم اطلاق عصام. يقول الحلي: quot;استطعنا تخليص سمير عبر المفاوضات وأطراف وسيطة، ولم نشأ ابلاغ الشرطة بالأمر لأن تدخلها في اللحظة غير المناسبة كان يعني موت ابنيquot;.

وبحسب ضابط الشرطة كامل حسن، تم اختطاف نحو 20 طفلًا في مناطق مختلفة من العاصمة بغداد منذ آب (أغسطس) الماضي، مؤكدًا تصاعد وتيرة عمليات الخطف في غياب أي إحصائية إجمالية لعددها، ما يجعل الأرقام المتداولة تخمينية.

الابتزاز والإرهاب

تبلغ الفدية التي يطلبها الخاطفون في الغالب بين عشرين ألف دولارومئة ألف، بحسب إمكانيات أسرة المخطوف وقدرتها على الدفع، اذ يعرف الخاطفون في الغالب الحالة الاقتصادية لأسرة الضحية. ويؤكد حسن أن الظاهرة تحولت من فعل مرتبط بالارهاب إلى ظاهرة مجتمعية، الغرض منها كسب الاموال عبر ابتزاز الأسر لدفع الفدية.

ويتابع: quot;يسعى الكثير من الجماعات الاجرامية إلى القيام بعمليات خطف لمرتين أو ثلاث مرات، حتى إذا حصلت على المال المطلوب توقفت عن ذلك، وهذه حقائق مستمدة من محاضر رسمية ووقائع يوميةquot;.

لكن حسن لا ينفي أن الظاهرة ما زالت واحدة من حلقات الارهاب، حيث تسعى جماعات مسلحة، لا سيما في المناطق المضطربة مثل ديالي والموصل وأطراف في بغداد، لتمويل عملياتها عن طريق اختطاف الاطفال.

كسب سريع بلا وازع

يدعو حسن إلى توخي الحذر، quot;لأنه كفيل بإحباط الكثير من عمليات الخطف، لا سيما أن التجارب والوقائع تشير إلى أن اغلب الجماعات التي تقوم بعمليات الخطف ليست محترفة، يقوم عناصرها بعملياتهم بصورة ارتجالية ومستعجلة، من دون تخطيط جيدquot;.

ويشير حسن إلى أن منطقة الكرخ ببغداد شهدت الأسبوع الماضي إلقاء القبض على عصابة اختطفت ثلاثة اطفال من مناطق متفرقة، مطالبين بالفديات للحصول على المال السريع. يُرجع رجل الدين كامل ياسر بعض عمليات الاختطاف إلى انعدام الوازع الديني والأخلاقي، وكثرة وسائل المتعة والترف والمخدرات، التي تتطلب أموالاً كثيرة، تغري الشباب بالكسب غير المشروع، حتى لو أدى ذلك إلى قتل الآخرين واختطافهم.

يقول الباحث الاجتماعي وليد الوائلي أن ما يزيد من انتشار الاشاعة تناقلها عبر وسائل الاعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا انه احصى نحو 10 اخبار عن حالات اختطاف في فيسبوك، كانت واحدة منها فقط حقيقية، وجرت بالفعل.

وراءها عصابات وأجندات

بسبب تداعيات عمليات خطف الأطفال، شكل مجلس النواب العراقي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي خلية متابعة للأزمة، بغية الوقوف على أسباب تصاعد عمليات الاختطاف وحقيقة الأخبار التي يتداولها الناس ووسائل الاعلام.

وعلى الرغم من رفض مصادر أمنية إدراج العمليات التي تحدث في بغداد والمحافظات المستقرة امنيًا في باب الجريمة المنظمة، إلا أنها لا تستبعد أن تكون هناك جماعات مسلحة تعتمد عمليات الخطف كجزء من اجندتها لتمويل أنشطتها المسلحة، كما في الموصل مثلًا.

لكنّ سياسيين ومواطنين يرون أن عمليات اختطاف الاطفال quot;ليست اعتباطية لكسب الاموال فحسب، بل تقف وراءها أجندة سياسيةquot;. يؤيد علي شبر، عضو لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب العراقي، هذا الرأي مؤكدًا أن منظمات إرهابية تقف وراء عمليات اختطاف الأطفال المستمرة، ولا يستبعد أيضًا وجود أجندات خارجية وراءها.

وتلمح الباحثة الاجتماعية سوسن العبيدي إلى أن اختطاف الاطفال يترافق مع ظاهرة اغتصاب الفتيات الصغيرات لاغراض الابتزاز والاغتصاب في الوقت نفسه. واحد الامثلة على ذلك اختطاف الفتاة هناء الحسيني ( 12 سنة ) من أمام بيتها في الكرادة في بغداد، ليعثر عليها في ما بعد، وقد اغتُصبت وتُركت في العراء.

كما يبادر المختطفون إلى قتل الطفل المخطوف فورًا ثم المفاوضة على الفدية. ففي جنوب بغداد، عثر على الطفل مولود محمد مقتولًا على حافة نهر، بعدما ابلغ الجناة الاهل بمكان وجود الجثة. وكان اهل محمد دفعوا خمسين ألف دولار لاستعادته حيًا، لكن العصابة تركته جثة جامدة، وأبلغت أهله بمكانه بعدما استلمت المبلغ.

استغلال الخوف

تستغل بعض الجماعات الاجرامية تكرار مسلسل الاختطاف، فتختلق قصص اختطاف كاذبة ايضًا بدافع الابتزاز والحصول على الاموال. فمنذ أن تلقى منذر الشاوي (تاجر أقمشة ) اتصالًا هاتفيًا يخبره بوجوب دفع فدية مقابل اطلاق سراح ابنه البالغ من العمر 9 سنوات، وتبين في ما بعد أنه اتصال كاذب، يعيش في دوامة من الخوف المستمر من أن تلجأ العصابات إلى اختطاف ابنه بالفعل.

وكان الشاوي تلقى اتصالًا يطلب فدية قدرها خمسون ألف دولار، عليه أن يسددها قبل الثانية عشرة ظهرًا. وحين توجه إلى المدرسة، وجد ابنه في الفصل آمنًا. قال: quot;لشدة الارتباك والقلق، نسيت حتى الاتصال بالشرطةquot;. يتابع: quot;انتشار أخبار عمليات الاختطاف، وإن كانت غير صحيحة، تثير الذعر بين السكانquot;.

يؤكد قيصر الزبيدي، وهو مدير مدرسة ابتدائية، أن إدارة المدرسة تأخذ الامور على محمل الجد، وأن الكثير من المدارس تتبنى خططًا أمنية للحماية، عززتها بالتنسيق مع دوريات أمنية. وعلى الرغم من ذلك، تفكر أم تماضر في منع ابنتها من الذهاب إلى المدرسة، إذا ما شعرت انها مهددة، وأن الحماية الامنية لمدرستها لا تكفي.

تتابع: quot;الظاهرة موجودة ونسمع بالحوادث كل يوم، وهذا ما يقلقنا، متوقعين اننا سنكون الضحية القادمةquot;. ويجرّم قانون العقوبات العراقي حوادث المتاجرة بالاطفال، ومنها جريمة الخطف، إذ عاقبت المادة 422 من يخطف بنفسه أو بواسطة غيره بغير اكراه او حيلة حدثًا لم يتم الثامنة عشرة من العمر، بالسجن لمدة لا تزيد على 15 سنة.