متظاهرون في بغداد يطالبون بالخدمات ومعالجة الفساد

في الوقت الذي تنشغل فيه الكتل السياسية في جدالاتها وصراعاتها الطاحنة، بدا المواطن العراقي غير عابئ بها ولا متتبع لها، ما يشكل انقطاعا مثيرا للقلق بين السياسي وجمهوره كما يعكس صورة قاتمة لمستقبل هؤلاء الزعماء، لأن الأزمة مستمرة والتصريحات متشابهة ووعود الأمل الكاذبة ما زالت قائمة.


بغداد: ينشغل المواطن العراقي بالقضايا اليومية التي تمس حياته مثل الكهرباء والماء والخدمات الأخرى في حين لا يولي السياسيون هذه القضايا اهتماما كافيا الا من خلال القليل من التصريحات والخلافات، التي لم تفلح في تحقيق انجاز على أرض الواقع. ومنذ عام 2003 استحوذت على الحياة السياسية العراقية كتل سياسية ورموز دينية تنامى نفوذها في الشارع، تميز أداؤها بالخلافات والصراعات على مراكز القوى.

ويمثل تعبير المواطن احمد القيسي (بائع خضراوات) دليلا على عمق الهوة التي تكبر يوما بعد يوم بين السياسي وجمهوره، حيث يعتبر القيسي ان صاحب المولد هو اهم من كل السياسيين في العراق، الذين بدوا وكأنهم يتقاسمون كعكة الغنائم من امتيازات ورواتب ضخمة بينما يجوع الانسان العادي.

ويؤكد القيسي انه انتخب نائبا، وعد بالكثير من الانجازات في مجال الخدمات لكن هذا النائب لم يحقق انجازا سوى تعيين اقاربه. وحول الزعيم العراقي المثالي لديه قال القيسي: لا يوجد أي زعيم مثالي فكلهم متشابهون في الوعود المعسولة والخطب الرنانة.

وكان ملايين العراقيين أبدوا حرصا كبيرا على المشاركة في انتخابات العام 2010، رغم التهديدات الأمنية، وبلغت نسبة الإقبال على التصويت 62 في المائة، أي ما يعادل حوالى 19 مليون ناخب، فيما خاض الانتخابات نحو 6200 مرشح، يمثلون أكثر من 80 تكتلاً وحزباً سياسياً، للفوز بعضوية مجلس النواب الذي يضم 325 مقعداً.
رحيم الساعدي ( طالب جامعي ) يعتقد انّه لا يوجد زعيم عراقي مفضّل اليوم بعدما انكشفت الاوراق، ولاسيما ان اغلب المستفيدين هم ممن يطبل لهذا الحزب او ذاك.

ويفتقد اغلب العراقيين الحماسة التي كانت موجودة لديهم بعد سقوط النظام العراقي السابق العام 2003، حماسة انحسرت امام اليأس والفساد المستشري.

وتشكل انتفاضات الربيع العربي بحسب طالب العلوم السياسية أحمد الشريفي نقلة مهمة في طريقة تفكير المواطن العراقي الذي يعتقد أن الربيع العراقي الذي سبق انتفاضات هذا الربيع يجب أن يثمر بأقصى سرعة والا، فإن الانتفاضة على الوضع الحالي عبر انتفاضات عارمة امر متوقع.

وبلغ الحنق ببعض العراقيين ان احدهم رفع لافتات على احد اعمدة الكهرباء كتب عليها quot; كلهم فاسدون.. لا تصدقهم بعد الانquot;.

الشريفي يرى أيضا ان الامر سيختلف من الآن فصاعدا، فالوعي المتنامي سيجعل من نقص الخدمات ومتطلبات الحياة والبطالة وأزمة السكن وارتفاع الأسعار، ذات دور رئيس في اي عملية انتخابية قادمة، مضيفا: لقد انتهى زمن اللعب بعواطف الناس، بغية الصعود على أكتافهم.

وكانت حملة احتجاجات عراقية بدأت منذ مطلع شهر شباط (فبراير) عام 2011 متأثرة بانتفاضات الربيع العربي التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 حيث طالب المشاركون فيها بالقضاء على الفساد وإيجاد فرص عمل والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.

وفي الكثير من الجدران المطلة على الشوارع تصادفك كتابات توضح حجم اليأس بين الناس من سياسيين يتخاصمون في ما بينهم تاركين الشعب لأقداره في نقص الخدمات بحسب ميسون البياتي (مدرسة) التي ترى ان هناك انجازات متواضعة هنا وهناك في بعض المدن لكنها تبدو مثيرة للسخرية أمام حجم الأموال التي صُرِفت لهذه المشاريع.

ولم تعد العملية السياسية تهم كريم حامد الذي يبيع السجائر في مركز مدينة الحلة (100 كم جنوبي بغداد) رغم انه خريج معهد المعلمين، مؤكدا أنه لن يدلي بصوته بعد الآن في أي عملية انتخابية. ويبلغ اليأس الشديد بحامد الى درجة أنه لم يعد يثق بأي سياسي جديد تفرزه عملية سياسية او انتخابية قادمة لأنه سيكون ndash; بحسب وصف حامد ndash; نسخة مكررة للسياسيين الحاليين.

ويؤكد أحمد صبحي (مهندس) انه لن ينتخب شخصا لم يوفر له الكهرباء طيلة عقود واصفا اياهم بانهم ( ساسة عاجزون) حيث يتابع متحدثا: quot;السياسيون الذين يعيشون في القصور العاجية في المنطقة الخضراء وفي أوروبا سوف يأتون الينا يتوسلون في فترة الانتخابات لكننا لن نختارهم.

قاسم حبيب (معلم) يقول انه لم يعد يميز بين هذا الحزب او ذاك او بين هذه الكتلة النيابية او تلك، لأن التصريحات متشابهة والتصريحات لا تختلف من سياسي الى آخر. ومن وجهة نظر حبيب، فلا زعيم مثاليا في العراق اليوم ينال أصوات الأغلبية في مجتمع بدا يائسا من قادته.

لكن مدرس العلوم السياسية محمد الموسوي يشكك في عدم قدرة الانتخابات القادمة على استقطاب الجمهور، بل على العكس، ستشهد مشاركة كثيفة باتجاه ازاحة النواب والسياسيين الحاليين لانتخاب قيادات جديدة تساهم في تحقيق ما وعدت به للناس.

ورغم استحواذ السياسيين والأحزاب على وسائل الإعلام من صحف وتلفزيونات واذاعات، فإن جماهيريتهم الى انحسار كبير بسبب عدم تحقيق اي انجازات مشهود لها على ارض الواقع.

وتحذر الناشطة النسوية امينة حامد من كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) السياسيين من اللامبالاة وعدم الاكتراث، الذي يشعر به الجمهور مطالبة بالنظر في مطالبهم وبث روح الامل في نفوسهم. وتتابع: اذا نشبت صراعات سياسية طائفية او حزبية فان السياسيين والنواب يتحمّلون وزرها.

ويشعر محسن فاضل (تاجر) بالندم لأن مشاركته في الانتخابات الماضية أسفرت عن صعود أشخاص غير مؤهلين لقيادة البلد.

ويجزم الطالب الجامعي ميسم كامل انه لن ينتخب أيًّا من النواب والسياسيين الحاليين بل ويفكر بعدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، ليأسه من العملية السياسية برمتها، مضيفا ان الكثير من زملائه واصدقائه يفكرون بمقاطعة الانتخابات والفعاليات السياسية.

ويعترف سعد هاشم من الكرادة في بغداد بأنه مزق الكثير من ملصقات الدعاية السياسية في اهم شوارع بغداد مؤكدا ان الكثير من الشباب فعلوا مثله ليأسهم من العملية السياسية العقيمة (على حد وصفه) والتي يقودها زعماء متخاصمون.

اما الأكاديمي والباحث الاجتماعي قاسم محمد، فيؤكد ان اغلب الجمهور العراقي بدأ يضجر من التلفزيون ووسائل الاعلام التي تنقل أخبارا متشابهة ومتكررة عن فعاليات الزعماء التي في اغلبها فعاليات تنافسية وصراع على مراكز القوى ليس اكثر، بينما ترك المواطن تحت رحمة مشاريع خدمية لا يجد له تطبيقا حقيقيا.