محتجون عراقيون ضد الفساد في بلدهم

يتفق الكثير من العراقيين على أنّ المجتمع يمرّ بفترة تحول حرجة في القيم والأخلاق بعد ما يزيد على عقد على الحرب الأميركية للعراق عام 2003، الذي يعد نقطة فاصلة في تاريخ البلاد وحيث يعتبرون أن المسؤولين هم رموز الفساد.


بعيدًا عن التحولات السياسية والاقتصادية، فإن أغلب العراقيين يؤكدون أن القيم والمبادئ في تراجع، وأن الكثير من الخصال الحميدة تختفي في سلوكيات المواطن، وأن المجتمع يتحول الى مجتمع مادي عبر نزع جلده الذي عرف به.

ومن أهم الظواهر التي تشير اليها الناشطة في حقوق الانسان أمينة حسين، هو فقدان الناس الثقة بعضهم ببعض، حيث يخلف الأمر تداعيات خطيرة. وفضلاً عن ذلك - بحسب أمينة - أن الكثير من العراقيين ينتابهم اليأس ويتبنون أفكارًا سلبية تسهم إلى حد كبير في عزلتهم عن المجتمع.

البضائع المسروقة

وعلى الرغم منأن الظاهرة لا تشمل الكل إلا أنها بدت بارزة مقارنة بالسنوات الأخيرة بحسب رحيم الأسدي (75 سنة)، الذي يؤكد أنه صاحب تجربة حياتية تفصح عن الكثير في هذا السياق. ويضرب الأسدي مثالاً على ذلك في محاولة الفرد الحصول على المال بأي طريقة حتى وإن كانت غير مشروعة.

ويعترف أبو محمود (صاحب متجر) أن سلعًا كثيرة تعرض عليه يوميًا جلها من البضائع المسروقة من دوائر الدولة على وجه الخصوص لغرض بيعها، حيث يحصل عليها بأسعار مناسبة.

ويشير الباحث الاجتماعي عصام البياتي إلى أنّ الكذب بات سلوكًا مقبولاً اليوم أكثر مما كان قبل عشر سنوات. كما يثير البياتي الانتباه إلى انّسلاخ الفرد أو المواطن العراقي عن دولته ومجتمعه بسبب الاستهزاء بمنظومة القيم الجمعية والانجرار وراء العلاقات الطائفية والقومية والقبلية.

انتشار الدعارة

ويعتبر البياتي انتشار الدعارة من أخطر الهجمات التي تمس الاخلاق في العراق الى درجة أن البعض لم يعد يهتم بخيانة الشريك ويجد المبررات لها. وكان تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2011 أظهر أن العراق يحتل مرتبة متقدمة من حيث نسبة الفساد في العالم.

ويجسّد حاتم الربيعي التصرفات السلبية للفرد اليوم في سوء استخدام وسائل السلطة بدءًا من المسؤولين الكبار الى مسؤولي الحكومات المحلية. ويتابع: الفساد المستشري في اعلى مرافق الدولة ينعكس على الفرد البسيط الذي يجد (مشروعية) لتصرفاته في بعض الاحيان حين يسمع أن ملايين الدولارات تسرق من المال العام.

وينتقد الربيعي انشغال المسؤولين باختلاف مناصبهم بسرقة ونهب المال العام، مما اوجد بيئة مناسبة يفقد فيها المجتمع تماسكه وتنهار فيه المرتكزات الأخلاقية. ويبرر احمد كامل بيعه للبضاعة غير الشرعية بأن سرقة النفط ومليارات الدولارات لا يلتفت اليها أحد، اما السرقة (البسيطة) للمواطن العادي فتثير الضجة والعقوبة. وانتشرت ظاهرة الكذب حتى اصبح علة تتطلب علاجًا نفسيًا.

فساد السلطات

ويعتقد المدرس في العلوم السياسية عامر عجام في بابل (100 كم جنوبي بغداد) أن تبرير السرقة أمر غير مشروع لكننا امام فساد سلطات يؤثر بشكل مباشر على تصرفات الافراد. ويضيف: أي شخص تنتقده على تصرفاته هذه، ينبري بكل قوة يجادلك في فساد النخب.

وبحسب عجام، فإن العثور على مال وعدم تسليمه الى اصحابه أو الجهات المختصة، والبضاعة المغشوشة والمواعيد الكاذبة ورمي القمامة على الأرض كلها من صور الفساد وانحلال القيم. ويعتبر المعلم المتقاعد عريبي حسن أن اغلب الاثرياء بعد العام 2003 حصلوا على اموالهم بالسرقة.

ويتابع: عشرات الاشخاص كان يستجدون اللقمة، صاروا بين ليلة وضحاها من اصحاب الملايين. وكشف تقرير عراقي عام 2011 أن الفساد تضاعف في العراق قياسًا الى نسبه في سنوات سابقة. ويعتقد ثمانية من بين عشرة عراقيين أن اغلب عمليات الاعمار تشوبها صفقات فساد بين المسؤول والمقاول والمهندس.

وفي المقابل، فإن سبعة من بين عشرة عراقيين تم استطلاع آرائهم يؤكدون أنهم حققوا اهدافهم عبر الواسطة والرشاوى والمحسوبية. وحصل سعد القريشي على وكالة لبيع المواد الانشائية عبر الواسطة. وفي الوقت ذاته،فإن ليث امين تمكّن من الحصول على وظيفة بعد دفع نحو ثلاثة آلاف دولار لوسطاء ومسؤولين.

إحصائيات

ويقول تقرير لهيئة النزاهة عام 2011 أن هناك أكثر من سبعة آلاف مطلوب إلى العدالة، بينهم 234 بدرجة مدير عام فأعلى، وتمت إحالة 2523 متهمًا بقضايا فساد مختلفةعلى المحاكم، بينهم نحو 193 موظفًا بدرجة مدير عام فأعلى، و110 من مرشحي الانتخابات الذين قدموا شهادات مزورة.

وفي المدارس يروي على سويدان عن اساليب غش مبتكرة اثناء الامتحانات، كما أن علاقة الطالب بالمدرس أو المعلم لم تعد قائمة على الاحترام. وتجد في بعض الاحيان طلاباً يشتمون ويعتدون على مدرسيهم داخل الفصل. وكشفت لجنة النزاهة النيابية عام 2012، عن حالات فساد بين العاملين في المجال الصحي وابتزاز للمرضى في المستشفيات الحكومية.

فساد في المستشفيات

ويعترف الطبيب احمد غالي بابتزاز المرضى الراقدين في المستشفيات عبر ارغامهم على إجراء العملية في المستشفى الخاص وبأجر عالٍ جداً. وفي الوقت ذاته،فإن كاظم حسن الذي يبيع الادوية في ( جمبر ) على الرصيف في منطقة جميلة في بغداد، يعترف بأن مصدر هذه الادوية المستشفيات والمخازن الدوائية نتيجة السرقات والفساد الإداري. لكن الجانب المؤلم في العملية التعليمية في الجامعات والمدارس هو ظهور اكاديميين نالوا ألقابًا علمية هم دون مستوى اللقب الممنوح لهم.

ويؤكد الدكتور خلف جبر من جامعة بغداد أن هناك اكاديميين، لا يجيدون الكتابة بلغة صحيحة، كما أن قدراتهم في البحث والتقصي واعطاء الدرس تؤكد أنهم غير اكفاء، مشيرًا إلى أنّ ما يحدث لم يكن نتيجة لضعف الرقابة والقوانين، بل بسبب اختلال القيم وانحسار الاخلاق في البيت مثلما المدرسة. ومن اكثر علامات الاحتيال والغش اليوم، الشعارات السياسية الزائفة التي يرفعها نواب وسياسيون لاسيما في ايام الانتخابات ليتبين في ما بعد أنها كذبة كبرى.

تجاوز القوانين

وعلى الرغم منأن اغلب الشباب يرفض ظاهرة الاعتداء على الوالدين الا أنهم يؤكدون أنها حصلت معهم في اوقات معينة بسبب (العصبية) وتناول المخدرات. وعلى الرغم منأن الباحثة في الشؤون الاسلامية كوثر جعفر ترى أن عدم احترام القيم والتعدي على القوانين ينتشران بين الشباب في اغلب المجتمعات ويقلان كلما تقدم الفرد في العمر، الا أن ما يحدث في العراق أن وسائل الاحتيال وتجاوز القوانين والقيم تشمل كبار السن ايضًا لكن بدرجة أقل.

ومن وجهة نظر الباحثة نرين طلعت الحاج محمود فإن التأمل في المفاهيم الاجتماعية العامة يبين مدى تقدير العامة (للفهلوة) و الشطارة في الخداع و النفاق و الكذب و مدى الاحتقار الذي يكنه المجتمع لكل سلوك نظيف كرفض الرشوة أو الصدق في المعاملة الذي يوصف بالحمق.

من جانبه، يؤكد الكاتب جمال القيسي أن استهداف المنظومة القيمية للمجتمع العراقي، يتطلب منا أن نضع أصابعنا على شيء منها و التنبيه لخطورتها التي إن استفحلت فإنها ستكون جاهزة للتصدير إلى المحيط الخارجي.