يبدي عراقيون حماسة لاستكمال تعليمهم ولو بعد حين بعدما منعتهم ظروف اجتماعية واقتصادية أو سياسية وأمنية من ذلك.


وسيم باسم من بغداد: يستعد أيمن السعدي لاجتياز اختبار (البكالوريا) في العراق عبر الدراسة المسائية، بعدما تمكن من تعلم القراءة والكتابة بجهود شخصية، وليس عبر المدارس، وهو الأمر المعتاد في العراق. وعلى رغم بلوع السعدي الخامسة والعشرين، إلا أنه مليء بالأمل في أن يتمكن من الاستمرار في التعلم لنيل شهادة جامعية.

السعدي، الذي يسكن في منطقة ريفية في جنوب بغداد، ترك المدرسة لمساعدة والده في الزراعة، وكان للظروف القاسية التي مرت بها عائلته الدور في تركه الدراسة. وبعد وفاة والده لم يكن للعائلة معيل غيره. ويقول السعدي: طوال سنوات تعتريني الرغبة في التعلم ونيل شهادة أكاديمية.

ويتابع: بمساعدة معلم متقاعد، نجحت في فكّ الحرف، حتى تفوقت على أقراني من الذين درسوا في المدارس. وتضم مدن العراق الآلاف من الرجال والنساء ممن تركوا الدراسة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، إضافة الى العادات والتقاليد، التي جعلت من الأمية واسعة الانتشار بين النساء مقارنة بحجمها بين الرجال.

أبناء الريف أميون
ويقول المشرف التربوي أحمد الساعدي إن الكثير من أبناء الريف أمّيون، بسبب نقص المدارس والظروف الاجتماعية، التي تفرض على الجميع العمل لفترات طويلة، لاسيما في الزراعة وتربية الماشية.

ويتابع: منذ الثمانينات، ازدادت نسبة الأمية في العراق، ومما عزز من ذلك بُعد المدارس وندرتها في بعض المناطق، كما عملت الجهات المختصة في عام 1978 على محاسبة المتسربين من صفوف محو الأمية.

ويصف الساعدي الوضع التعليمي في فترة ثمانينات القرن الماضي، وحتى فترة الحصار الاقتصادي بالقول: أصبحت الوظائف من دون مردود مادي جيد، إضافة إلى انحسار القيمة المعنوية الاجتماعية للشهادة في ذلك الوقت، مما قلل من اهتمام الناس بالتعليم.

ويتابع: لكن اليوم يحدث العكس بسبب الرواتب الجيدة لأصحاب الشهادات، إضافة إلى الانفتاح الإعلامي والاقتصادي، الذي يجعل من التعليم ذا قيمة كبيرة.

فكرة ليست شاملة
بحسب مكتب يونسكو في العراق، فإن نسبة انتشار (الأمية) مبنية على بيانات عمرها يزيد على عشر سنوات، حيث إن آخر إحصاء رسمي في العراق تم إجراؤه في عام 1997. وتقدم المسوحات التي أجريت فكرة ليست شاملة، كما هو الحال بالنسبة إلى الإحصاء الرسمي. وعليه، وحيث لا توجد إحصاءات ثابتة عن نسبة محو الأمية في العراق في الوقت الحالي، فإن البيانات المتوافرة تشير إلى أن نسبة التعلم الإجمالية في العراق تقارب 80%، مع نسبة أمية تتراوح بين 18 ndash; 20%. وتقدر الأمية بين النساء بـ26.4% مقارنة بـ11.6% بين الرجال بحسب المكتب.

أم حيدر، البالغة من العمر خمسين عامًا، التحقت بإحدى دورات تعليم القراءة والكتابة، وقد نجحت في فكّ الحرف بعد ستة أشهر من الدوام المتواصل. وتستطيع أم حيدر اليوم قراءة القرآن الكريم والصحف اليومية، إضافة الى قراءة ما تشاهده في التلفزيون.

تقول أم حيدر: أطور مهاراتي المعرفية كل يوم عبر القراءة المستمرة، واشعر بأنني الآن مستقلة أكثر، وتربطني بالمجتمع والحياة علاقة أكثر متانة وقوة. وبحسب أم حيدر، فإن النظرة القاصرة للمرأة، التي تجد فيها وسيلة لترتيب شؤون البيت وإنجاب الأطفال، بدأت تنحسر، حيث تتطلع المرأة إلى دور أكثر إيجابية في المجتمع.

وتتابع: تطور الحياة، والصعوبات المالية والاجتماعية جعل الرجل يفكر في توظيف زوجته عبر الحصول على الشهادة لمساعدته ماليًا في تحمل أعباء العائلة الاقتصادية والاجتماعية.

تركت أم حيدر المدرسة عندما كان عمرها تسع سنوات، حيث اضطرت الى مساعدة والدها في إدارة شؤون أسرة يبلغ تعدادها عشرة أفراد.وتروي سعاد البياتي مديرة مدرسة متقاعدة أنها تستقبل في بيتها نحو ستة نساء متقدمات في السن أسبوعيًا لتدريبهن على مهارة القراءة والكتابة، حيث يطمحن إلى إكمال دراستهن في العاجل القريب.

وتقول البياتي ان التعليم سيتيح لهن الإستفادة من فرص العمل المتاحة عبر التأهيل الأكاديمي والمهني، لاسيما وأن الانفتاح الاقتصادي في العراق يشترط استثمار كفاءات فتيات متعلمات، خاصة في مجال القطاع الخاص. وتسعى منظمات المجتمع المدني إلى فتح مراكز لمحو الأمية في بعض مدن العراق لتعليمهن القراءة والكتابة، كخطوة أولى نحو إكمال دراستهن الأكاديمية أو توظيفهن.

التنافس على التعلم
وبحسب حسين علي الباحث التربوي في تربية النجف (160 كم جنوب بغداد) فإن 2012 سيشهد افتتاح مراكز لمحو الأمية للقضاء على مشكلة الأمة بين كلا الجنسين من قبل منظمات المجتمع المدني في المحافظة. ويتابع: تشير المعلومات الخاصة بتسجيل الراغبين الى إقبال كبير، حيث تم استقبال المئات من المسجلين.

ولغرض مواكبة التنافس على التعليم، افتتحت في غالبية مدن العراق مراكز لمحو الأمية، حيث أعلنت وزارة التربية عام 2011 أن عدد مراكز محو الأمية في العراق بلغ 173 مركزًا في بغداد والمحافظات.

ويقول المشرف التربوي أمين العادلي إن وجود نحو عشرين مركزًا في بغداد ليس كافيًا، مع ازدياد أعداد الذين يرغبون بتعلم القراءة والكتابة. ويتابع: الإحصاءات تشير إلى أن نسبة الأمية في العراق تبلغ نحو عشرين بالمائة في المدن، وتصل هذه النسبة إلى الخمسين بالمائة بين سكان القرى والأرياف والمناطق النائية عن مراكز المدن.

الرغبة العارمة لدى النساء
تشير آلاء حسين المشرفة على مركز محو الأمية في الكاظمية في بغداد إلى الرغبة العارمة لدى النساء لمحو أميتهن، بعدما شعرن بالحاجة الضرورية الى ذلك. ولا تقتصر دوافع المواطنين على التعلم لغرض الوظيفة، بل ان هناك أسبابا أخرى، منها الرغبة في قراءة القرآن الكريم والكتب الدينية والعملية، إضافة إلى متابعة الصحف وبرامج التلفزيون.

ويشير أحمد كامل (عطار) إلى أن تجربته في المجال التجاري تحتم عليه تعلم القراءة والكتابة بعد ثلاثين عامًا من الامية. ويشكو معظم المشاركين في مراكز محو الأمية قلة الدعم الحكومي، ويقول كامل إن هناك حاجة ماسة إلى الارتقاء بهذه المراكز وتسهيل المهمة الوطنية التي تقوم بها، عبر توفير الدعم الإداري والمادي والمعنوي، إضافة إلى الاعتراف الرسمي بشهادات هذه المراكز ومعادلتها بشهادة الدراسة الابتدائية.

وينظم كامل عودة المعلم المتقاعد في بيته في بابل (100 كم جنوب بغداد) دروسًا لمحو الأمية، أطلق عليها اسم (اقرأ)، حيث يستقبل أسبوعيًا عددًا من الدارسين ممن يودون تعلم القراءة والكتابة.

ورغم أن عودة يتحمل تكاليف المهمة التي بقوم بها، الا ان من المشاركين من يساهم أيضًا في بعض النفقات. ويشير عودة الى ان أولياء وأرباب العوائل لم يعودوا يتركون أطفالهم من دون مدرسة، بل ان هناك من يزجّ بأولاده في مراكز محو الأمية لتعويض ما فاتهم.

وغالبًا ما يرغب المتخرجون من مراكز محو الأمية في الالتحاق بالدراسة المسائية، في محاولة لاختصار الزمن الذي فاتهم في الحصول على شهادة أكاديمية. يشار الى ان هناك المئات من الكوادر العلمية والثقافية والأدبية في العراق، استطاعوا عبر مراكز محو الأمية التي نظمتها الدولة في الثمانينات والتسعينات، الحصول على شهادات أكاديمية مرموقة وتبوأ مراكز وظيفية وأكاديمية وحكومية.

لكن المدرس قيس حميد، والذي تطوع لتعليم بعض (الأميين) يشير إلى أن ظاهرة محو الأمية في القرى والأرياف ما زالت محدودة جدًا بسبب صعوبة التحاق الدارسين في القرى والهجر البعيدة عن مراكز المدن.

ويشير حميد الى ان مراكز محو الأمية مهما بلغت من كفاءة فإنها لا تعوّض عن التعلم المبكر منذ الصغر في مدارس التعليم العام، إضافة الى انها تمتاز بقصر مدة التعلم. ويتابع: من عيوب مراكز محو الأمية، إنها تركز على فك الحرف فحسب، ولا بد للدارس من الاستمرار في دراسته لنيل تحصيل جيد من الرياضيات والعلوم الاجتماعية والطبيعية.

وبينما نجح بعض المتخرجين من مراكز محو الأمية في إكمال الدراسة الجامعية فإن البعض اكتفى بتعلم القراءة والكتابة، حتى يتمكن من قراءة القرآن الكريم وكتابة بعض المصطلحات البسيطة. ويقترح حميد بالعمل على نشر ثقافة محو الأمية بشكل أكبر لغرض تعميم تعليم الكبار، وتوفير فرص العمل لمتخرجات ومتخرجي مراكز محو الأمية.