عراقيون يصلون إلى بلدهم بعد أن غادروا سوريا هرباًمن العنف

حتى عهد غير بعيد كان سوريون يرسلون أسلحة ومقاتلين عبر الحدود لمساعدة السنة في سنوات النزاع الطائفي. وفجأة انقلبت الصورة ومعها اتجاه تدفق السلاح. وتبدى ذلك خلال احتفال بمناسبة المولد النبوي أُقيم متأخراً على أطراف مدينة الفلوجة غربي بغداد ليتحول إلى تظاهرة دعم وتضامن مع المنتفضين السوريين.


تحول احتفال أقيم بمناسبة المولد النبوي على أطراف مدينة الفلوجة إلى تظاهرة تأييد للمعارضة السورية. وكان صبيان يلوحون بالعلم السوري القديم ذي الألوان الأخضر والأسود والأبيض الذي اعُتمد إبان الثلاثينات بعد إعلان الاستقلال وانتهاء السيطرة الفرنسية، وراح آخرون يجمعون التبرعات لإرسال العون والسلاح الى المقاتلين المناوئين لنظام الرئيس بشار الأسد عبر الحدود.

وقال الشيخ حميد الهايس، أحد وجهاء المنطقة، في حديث أجرته معه صحيفة نيويورك تايمز في مقره في مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار المحاذية لسوريا انه يتمنى لو يستطيع الذهاب الى سوريا بسلاحه للقتال هناك.

ويبدو واضحاً بصورة متزايدة إن الأزمة السورية تتحول الى نزاع اقليمي طالما حذر محللون من انزلاق الوضع اليه. ويشير تسارع الأحداث، بما في ذلك تفجيرات واغتيالات في دمشق وحلب واشتباكات طائفية في طرابلس في شمال لبنان، إلى أنّ نظام الأسد يواجه الآن أعداء عبر حدوده ايضا.

ويقول هؤلاء المحللون إن سوريا، كما العراق وافغانستان قبلها، يمكن ان تصبح ساحة تدريب لحقبة جديدة من النزاعات الدولية، وان الجهاديين يسجلون للانخراط فيها. وفي هذا الاطار، دعت قيادة تنظيم القاعدة، والأشد مدعاة للقلق دعوة جماعة الاخوان المسلمين في الاردن، المجاهدين في انحاء العالم الى مقاتلة نظام الأسد.

ولا تتبدى الطبيعة الاقليمية عابرة الحدود للنزاعات الطائفية بوضوح مثلما تتبدى في صحراء العراق الغربية حيث بدأ العرب السنة يلتفون حول قضية المعارضة السورية، وربما في مجرى العملية تعزيز موقعهم في التعامل مع الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

وتنقل الصحيفة عن تاجر سلاح في الانبار يستخدم الاسم المستعار احمد المصري انه بدأ شراء السلاح من الأشخاص أنفسهم الذين باعه اليهم في السابق اي من مقاتلي الانبار والموصل بعدما قيل له قبل خمسة اشهر ان الحدود السورية تشهد طلبا على السلاح.

وأضاف انه بعدما كان ينقل السلاح من سوريا اصبح الآن ينقله بالاتجاه المعاكس. وكشف احمد انه يبيع مدافع الهاون والقنابل اليدوية والبنادق، وان حلقة الوصل في سوريا ايضا مواطن عراقي. وفي بعض الحالات يتنازل عراقيون عن اسلحتهم مجانا وعندها لا يطلب مقابلها إلا كلفة نقلها عبر الحدود. وقال احمد في حديث لصحيفة نيويورك تايمز quot;انها تجارة رابحة، ولكن ربحها ليس سهلاquot;.

ويتحدث شيوخ عشائر ومسؤولون أمنيون عن تدفق السلاح الى سوريا من محافظة الانبار والمناطق المحيطة بالموصل في شمال العراق بكميات قليلة لكنها متزايدة. وتفيد مصادر ان اسعار بعض الأسلحة ارتفعت بحدة، الى 2000 دولار من 200 دولار، بحسب احد المصادر.

وقال عبد الرحيم الشمري رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى ان متفجرات واسلحة تُهرب عبر منطقة ربيعة الحدودية. وتحدث تاجر سلاح طلب عدم ذكر اسمه عن تهريب قطع من السلاح في صناديق سجائر فارغة وانه كسب مؤخرا 4000 دولار من بيع بندقية بي كي سي. وأضاف ان بعض السوريين على الجانب الآخر من الحدود يقايضون اغناما وماشية مقابل السلاح.

وتنطلق مشاعر التعاطف مع الثوار السوريين في محافظة الانبار من علاقات قبلية عمرها قرون فضلا عن الهوية المشتركة حيث غالبية سكان المنطقة هم من العرب السنة.

وقال الشيخ علي حاتم سليمان في حديث لصحيفة نيويورك تايمز في مقره في بغداد quot;ان بيننا قبائل مشتركة وحدودا مشتركةquot; واصفا الأسد بأنه quot;جزارquot;. وتابع ان ابناء محافظته الأنبار يحاولون مساعدة الثوار السوريين. وقال quot;نعم انهم يقدمون السلاح، ويجب تقديمهquot; مضيفا ان شيوخ عشائر الانبار سيجتمعون هذا الاسبوع لبحث سبل دعم الثوار.

في غضون ذلك، يحاول تنظيم القاعدة في العراق الذي تلقى ضربات قاصمة في السنوات الأخيرة ان يستغل اعمال العنف في سوريا لصالحه. ونقلت وكالة انباء ماكلاتشي عن مسؤولين اميركيين لم تذكر اسماءهم ان تنظيم القاعدة في العراق كان وراء التفجيرين الأخيرين في دمشق وربما ايضا وراء تفجير حلب يوم الجمعة الماضي. وقال مسؤولون اميركيون في بغداد ان هذا مرجح ولكن ليس لديهم أدلة تؤكده.

وكان زعيم القاعدة ايمن الظواهري اصدر يوم السبت بيانا دعا فيه مسلمي المنطقة والعراق تحديدا الى دعم الانتفاضة السورية. وفي الاردن وجهت جماعة الاخوان المسلمين ذات النفوذ الواسع دعوة خاصة بها الى السلاح معتبرة ان الجهاد ضد نظام الأسد فرض عينا على المسلمين في كل مكان وان دعم الشعب السوري والجيش السوري الحر واجب لأنهم يواجهون ظلم النظام وبطشه.

وأشار تنظيم القاعدة في العراق المعروف ايضا باسم دولة العراق الاسلامية إلى أنّ كثيرا من السوريين قاتلوا جنبا الى جنب مع دولة العراق الاسلامية مستبشرا بوصول مقاتلين عراقيين quot;للقتال مع اخوتهم في سورياquot;. كما نصحت الجماعة الثوار السوريين باستخدام العبوات الناسفة التي أثبتت فاعلية قاتلة في حرب العراق.

واكد زعماء محليون في محافظة الانبار حيث لا يتمتع تنظيم القاعدة بتأييد يُذكر، ان مساعدة المحافظة للسوريين مساعدة انسانية بحتة. وقال مسؤولون في الفلوجة انهم يهيئون مخيما للاجئين.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن فيصل العيساوي عضو مجلس محافظة الانبار ان اهالي المحافظة يريدون مساعدة السوريين، لا بالسلاح وانما بأي شكل آخر من اشكال المساعدة يمكن تقديمها. وأشار العيساوي الى استقبال مئات الوف اللاجئين العراقيين في سوريا قائلا quot;ان علينا ان نقف بجانب الشعب السوري مثلما وقفوا بجانبناquot;.

وسعت الحكومة المركزية التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد الى الحفاظ على توازن دقيق في موقفها من الأزمة السورية ممتنعة عن اتخاذ موقف صريح في دعم هذا الطرف أو ذاك.

وقال وزير الخارجية هوشيار زيباري quot;نحن جيران مباشرون، كما المكسيك بالنسبة للولايات المتحدة. وإذا حدث تغيير في سوريا فان الجميع يخشى وصول التداعيات اليهمquot;. وأضاف زيباري quot;ان هذا لا يعني اننا ندعم النظام السوري فنحن في الحقيقة لا نستطيع ان نقف ضد الشعب السوريquot;.

كما يدخل النفوذ الإيراني عاملاً مؤثراً في حسابات العراق لدى تحديد موقفه من الأزمة السورية. فان الحكومة الإيرانية أوثق اصدقاء نظام الأسد والحكومة العراقية لا تريد إغضاب إيران التي لها قدر من السيطرة على القادة العراقيين وتدعم ميليشيات في العراق، بحسب صحيفة نيويورك تايمز مشيرة الى خوف العراقيين من اقدام إيران على توسيع نفوذها في الشأن العراقي للتعويض عن سوريا في حال سقوط الأسد.

ولا يخفي زعماء الانبار غضبهم على سياسة بغداد تجاه الأزمة السورية. وقبل ساعات على احتفال الفلوجة بالمولد النبوي أُقيمت فعالية مماثلة في ملعب الرمادي حيث لوح المشاركون فيها ايضا بالعلم السوري القديم. وقال الشيخ محمد خميس ابو ريشة quot;نحن هنا لدعم سوريا ونريد وقف اراقة الدماء، ونريد من الحكومة العراقية ان تدعم الشعب لا القتلة. انهم يساعدون الحكومة السورية على قتل هؤلاء المسلمينquot;.