تراقب تل ابيب موقف مصر من الواقع الغزاوي وعملية quot;عامود السحابquot; الاسرائيلية، وترى أن الرئيس المصري يخوض أكبر تحديات في فترة ولايته، ففي حين يرفض تجاهل مبادئ جماعته وحزب الحرية والعدالة، يتفادى الصدام مع اسرائيل، خاصة أن ذلك سيحول دون اتفاق للتهدئة بين حماس والدولة العبرية.


القاهرة: وسط زخّات القذائف الصاروخية، التي تطلقها حماس والفصائل الفلسطينية من غزة على اسرائيل، وعلى وقع ازيز الطائرات الحربية الاسرائيلية التي تقصف القطاع المنكوب في اطار عملية quot;عامود السحابquot;، تراقب الدوائر السياسية في تل ابيب الموقف المصري، الذي يرى الخبير الاسرائيلي quot;الوف بنquot; انحيازه لحماس على حساب الدولة العبرية.

جهود الاستخبارات المصرية

وبعيداً عن التصريحات المعلنة، رصد المراقبون في اسرائيل نشاطاً تبذله القاهرة مع الفصائل الفلسطينية خاصة الحمساوية، لإرساء التهدئة مع اسرائيل ووقف نزيف الدم بين الجانبين بحسب تعبير صحيفة هاآرتس، التي كشفت النقاب في سياق تقرير مطول عن قيادة القاهرة لجهود جادة وحثيثة على مسار وقف اطلاق النار بين حماس واسرائيل في اقرب وقت ممكن، وتؤكد المعطيات العبرية ان اللواء رافت شحاته مدير الاستخبارات المصرية العامة يقود بنفسه فريق عمل لتحقيق هذا الهدف، وانه التقى في القاهرة خلال الساعات القليلة الماضية رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، ونائبه موسى ابومرزوق.

وتهدف الجهود المصرية الى التوصل لاتفاق مع حماس لوقف اطلاق نار مع اسرائيل، ربما يخرج الى ارض الواقع في غضون 48 ساعة على اقصى تقدير، وفي حين لم تتحدد ساعة صفر التهدئة بين الجانبين، كما لم تتضح البنود التي يتضمنها الاتفاق المزمع التوصل اليه، الا انه من المتوقع بحسب الصحيفة العبرية ان تقدم مصر لحماس حزمة حوافز، يأتي في طليعتها تخفيف جزء من القيود المفروضة على قطاع غزة، ومنها السماح بمرور البضائع من مصر الى القطاع من خلال معبر رفح الحدودي، وبدأت تلك المباحثات في اعقاب زيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل لغزة.

على صعيد ذي صلة يتعاطي الخبير الاسرائيلي quot;تسيبي بارئيلquot; بصورة اكثر مباشرة مع موقف مصر من عملية quot;عامود السحابquot; الاسرائيلية في القطاع، ويقول: quot;يواجه الرئيس المصري محمد مرسي اكبر التحديات السياسية الصعبة خلال فترة ولايته الصغيرة، فخطوة استدعائه لسفير بلاده في تل ابيب من اجل التشاور لم تنجح في تهدئة منظومة الضغوطات الممارسة عليه من قبل قيادة quot;الاخوان المسلمينquot; على سبيل المثال، كما ان قراره بإيفاد رئيس الوزراء هشام قنديل الى قطاع غزة، يهدف في المقام الاول الى الايضاح ليس فقط للغزاويين وإنما للمصريين ايضاً، ان الحكومة المصرية تقف الى جوار حماس والشعب الفلسطيني في غزةquot;.

في المقابل يوظف الرئيس مرسي جهداً عربياً ودولياً من اجل التوصل الى وقف لاطلاق النار، ادراكاً منه بأن استمرار المعارك الدائرة في غزة، سيلهب ويؤجج مشاعر المتظاهرين في الشوارع والميادين المصرية، التي اندلعت منذ اليوم الاول لعملية quot;عامود السحابquot;، لكنها اقتصرت على مجموعات صغيرة.

وبحسب المعلومات العبرية اجرى الرئيس المصري محمد مرسي اتصالات بالعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، وطلب منه الايضاح لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تحسب مصر من استمرار القتال الدائر، مؤكداً ان مصر على استعداد للتوصل الى اتفاقات ملزمة مع حماس شريطة وقف اطلاق النار.

التضامن مع الغزاويين

الى ذلك فإن مصر التي تتوجس من نشوب معارك برية طويلة المدى، طلبت من المملكة العربية السعودية التدخل وممارسة ضغوطات لدى واشنطن من اجل وقف اعتزام اسرائيل توسيع نطاق عملياتها العسكرية في قطاع غزة.

كما ان رئيس الوزراء المصري هشام قنديل لم يزر غزة من اجل الاعراب عن تضامن مصر مع الغزاويين فقط، إلا انه قدم بحسب الخبير الاسرائيلي بارئيل حزمة اقتراحات تتضمن على سبيل المثال وقف اطلاق النار مع اسرائيل، خاصة ان التشاور حول هذه المقترحات ستفضي الى دراسة المصريين او ربما موافقتهم على اعادة فتح معبر رفح امام البضائع المتجهة الى غزة، كما ستصبح القاهرة على استعداد للتباحث حول خطة اعادة الاعمار الاقتصادي في القطاع، والتي سيتم تمويلها من خلال قطر، خاصة ان الدوحة تعهدت بمنح غزة مساعدات بقيمة نصف مليار دولار تقريباً، وفي مقابل ذلك ستكون حماس مطالبة بإعداد خطة عمل، يمكن من خلالها مجابهة التنظيمات الراديكالية العاملة في سيناء، خاصة ان قيادات هذه التنظيمات تتمركز في غزة بحسب تقديرات الخبير الاسرائيلي، بالإضافة الى اعلان حالة التهدئة طويلة الاجل مع اسرائيل، والموافقة على انطلاق عملية مصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية.

خالد مشعل ونائبه موسى ابو مرزوق وقيادات حماس في قطاع غزة، اطّلعوا جميعاً على الخطوط العريضة للمبادرة المصرية، الرامية الى وقف اطلاق النار مع اسرائيل، ونقلت هاآرتس عن دوائر مصرية وصفتها بالقريبة من الجهات القائمة على المبادرة، ان مصر لديها من الوسائل المتنوعة ما تستطيع به مساعدة حماس والمساس بالعلاقات بين القاهرة وتل أبيب، إلا ان مصر لازالت مصرّة على اتخاذ مواقف تدريجية من التعامل مع اسرائيل.

في المقابل نقلت الصحيفة العبرية عن الدكتور رفيق حبيب المستشار القبطي للرئيس محمد مرسي، الذي يعد احدى الشخصيات المعتدلة في قيادة حزب الحرية والعدالة، ان ما وصفه بالكيان الصهيوني ليس دولة، وإنما هو كيان قائم على الحرب وله دور عسكري فقط، وبات واضحاً ان الربيع العربي هو التحدي الاكبر امام اسرائيل.

التصادم مع اسرائيل

اما عصام العريان رئيس المكتب السياسي لجماعة الاخوان المسلمين فأعرب بحسب الصحيفة العبرية عن تقديراته بان العملية العسكرية الاسرائيلية في قطاع غزة هى جزء من حملة الانتخابات الاسرائيلية، وان ما وصفه بحكومة الحرب الصهيونية، تحاول انقاذ نفسها بإجراء انتخابات مبكرة على وقع اصوات الطائرات الحربية وقذائف الدبابات.

وخلص الخبير الاسرائيلي تسيبي بارئيل الى ان هذه الأجواء، سواء تلك المتعلقة بجماعة الاخوان المسلمين او بحزب الحرية والعدالة، الذي يحاول عزل نفسه عن الجماعة الاخوانية، تلزم مرسي الذي لا يبعد هو الاخر عن تلك الايدلوجيات بخوض مناورات بالغة الحذر، حتى لا يبدو خائناً لمبادئ الجماعة من جهة، ومن جهة اخرى يتجنب التصادم في تصريحاته ومواقفه مع اسرائيل، للحيلولة دون انهيار مبادرة يمكن التوصل اليها، من اجل وقف النار بين حماس والدولة العبرية.

معضلة الرئيس المصري بحسب الخبير بارئيل هى عينها معضلة اسرائيل، إذ ان تطلع الاخيرة للمساس بحماس دون اعتبار للجهود المصرية المبذولة من اجل التهدئة، سيقود الى فقدان تل ابيب لوسيط محوري ومهم بين حماس والفصائل الفلسطينية من جهة وإسرائيل من جهة اخرى في المستقبل، فمرسي لا يحاول فقط مساعدة حماس، وإنما يسعى ايضاً لاكتساب قوة سياسية، وإعادة مصر الى محوريتها واهميتها في منطقة الشرق الأوسط، وبالتأكيد سيساهم ما يجري في غزة واستعداد اسرائيل لسماع المقترحات المصرية في الوصول الى نقطة تلاقي المصالح، التي ستخدم حتماً الدولتين.