دستور مصر ما بعد الثورة مادة للتباين ، بعد إدخال كلمات وعبارات على مواده أثارت رفضًا من جانب فئات عديدة، خصوصًا الأقباط الذين رأوا في بعض المواد ما يحرمهم حرية العبادة، والمرأة التي تقول إن هذا الدستور سينتقص من حقوقها وكرامتها.
القاهرة: منذ التاسع عشر من آذار (مارس) 2011، موعد الإستفتاء على الإعلان الدستوري، والأزمات تلاحق دستور مصر ما بعد الثورة. ويبدو أن الخلافات بين التيارين الإسلامي والليبرالي لا نهاية لها، تقع في الغرف المغلقة وسرعان ما تنضح في وسائل الإعلام، لتنشب على إثرها أزمات مستعصية.
وبالرغم من محاولات التوفيق والتوافق التي يبذلها حكماء الطرفين حول مسودة الدستور المطروحة للنقاش المجتمعي في الوقت الراهن، إلا أن الخلافات تبدو أكثر عمقًا مما يتصور البعض، فضلًا عن أن المسودة الحالية تضم مجموعة من العبارات أو الكلمات quot;الملغومةquot;، التي تهدد بتفجير الدستور الجديد.
أحكام الشريعة
quot;بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلاميةquot;... جملة وردت في المادة 36 من مسودة الدستور، تسببت في إنفجار براكين الغضب ضد التيار الإسلامي المسيطر على مقاليد الأمور في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.
فهذه المادة تشترط حصول المساواة بين الرجل والمرأة بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية، وهو ما أعتبره نشطاء في الدفاع عن حقوق المرأة إهدارًا حقيقيًا لحقوقها، ومحاولة للإنتقاص من مكتسباتها.
وقد إستجابت الجمعية التأسيسية للإعتراضات وحذفت تلك الجملة من متن المادة 36.
فوق الدستورية
quot;فوق الدستوريةquot;... كلمة تمثل مطلبًا عامًا يدعو إليه التيار السلفي، ويشدد على ضرورة وضع مادة فوق دستورية في الدستور الجديد، بما يضمن أن تكون الشريعة الإسلامية مصدر التشريع الوحيد، وأن يكون أي قانون يخالفها باطلًا.
قال مجلس شورى العلماء، وهو أعلى هيئة في التيار السلفي، في بيان له إن المجلس بصدد دراسة مواد مسودة الدستور، مادةً مادة، والتعليق على كل مادة بما يناسبها، وسيُصدر في بيان تفصيلي المواد المتحفظ عليها، حيث نصت الدساتير السابقة في مصر على التطبيق العملي للشريعة الإسلامية، quot;ونحن نطالب بتفعيل هذه المواد على أرض الواقع، والشريعة الإسلامية هي اليسر كله، ولا عسر فيهاquot;.
وأشار بيان مجلس شورى العلماء إلى أن المادة الأولى تتحدث عن النظام الديمقراطي، الذي يتعارض في أصوله مع قواعد الإسلام، quot;فإن كان واضع هذه المادة يقول إنها من الإسلام فالتصريح بكلمة النظام الإسلامي أحق، وإن كانت تخالف الإسلام فلا حاجة للمسلمين بها، كما أن لا حاجة للمادة الثالثة من الدستور بعد وجود المادة الثانية التي تكفل لغير المسلمين حقوقهمquot;.
أحكامٌ بدلًا من مبادئ.. أغضبت الأقباط
غضب الأقباط من المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع. وقال الناشط القبطي الدكتور نجيب جبرائيل لـquot;إيلافquot; إن تلك المادة quot;تعني حرمان الأقباط من بناء الكنائس أو ترميمها، بل تبيح هدمها، بالإضافة إلى أنها تبيح أسلمة القاصراتquot;.
وأشار إلى أنه أرسل رسالة إلى البابا تواضروس الثاني يطالبه فيها بإنسحاب الكنيسة من الجمعية التأسيسية. وورد في الرسالة، التي أرسل جبرائيل نسخة منها إلى quot;إيلافquot;، دعوته البابا إلى اصدار تعليمات فورية بانسحاب ممثلى الكنيسة القبطية الارثوذكسية من لجنة وضع الدستور، وبرر طلبه بأن مواد الدستور تعتمد كلية على احكام الشريعة الاسلامية وليس على مبادئ الشريعة الاسلامية كما كان متفق عليه، ويظهر ذلك بصورة واضحة من اصرار السلفيين ولجنة الصياغة النهائية على تلبية مطالب الاسلاميين باستبدال كلمة مبادئ بكلمة أحكام، أو اضافة مادة اخرى تفسر كلمة مبادئ بما تعنى المتفق عليه عند أهل السنة والجماعة وكافة المصادر الفقهية، بما فيها المدارس السلفية التي تحظر بناء الكنائس، وتقول بعدم حق غير المسلمين في المجاهرة بأي مظاهر أو طقوس دينية كلبس الصلبان في الصدور أو تعليقها في الكنائس، أو ظهور قباب على الكنائس، كما يعنى ذلك إلزام الاقباط بدفع الجزية وعدم الحق لهم في تولي أي مناصب قيادية أو ذات ولاية، واعتبارهم أهل ذمة، وتغليب الهوية الدينية الاسلامية على الهوية المصرية الوطنية.
وأضاف جبرائيل في رسالته أن الاقتصار على كلمة مبادئ شرائع غير المسلمين في المادة الثالثة تعني حرمان المسيحيين من حق الالتجاء إلى مصادرهم الأخرى غير الكتاب المقدس، مثل التقليد المقدس والدسقولية والمجامع المقدسة وسير الآباء، وهذا يجعل الدولة تتحكم في تعيين البطريرك ورسامة القساوسة وممارسة الطقوس داخل الكنائس.
تحصين شيخ الأزهر
quot;مدة شيخ الأزهر أربع سنواتquot;... تلقى هذه العبارة إعتراضات شديدة من علماء الأزهر، الذين يطالبون بتحصين الإمام الأكبر للسنة في العالم من العزل، كما هو الوضع حاليًا، مع إمكانية تعديلها ليكون المنصب بالإنتخاب وليس بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية، كما هو الحال في منصب البطريرك.
وقال الدكتور حسين الشافعي، مستشار شيخ الأزهر وممثل الأزهر بالجمعية التأسيسية، لـquot;إيلافquot; إن هذا المقترح مرفوض جملة وتفصيلًا، مشيرًا إلى ضرورة تحصين شيخ الأزهر من العزل بقرار من السلطة التنفيذية. وأضاف أن علماء الأزهر ومندوبه في الجمعية التأسيسية مصرون على هذا التحصين، حتى يؤدي شيخ الأزهر دوره المنوط به في نشر سماحة الإسلام، والحفاظ على مبادئه بكل حرية ومن دون تدخل أو سلطان من أي شخص أو جهة.
ولفت الشافعي إلى أن ثمة مطلب عام بأن ينتخب شيخ الأزهر من بين هيئة كبار العلماء التابعة له، وأن هذا المطلب سيتضمنه الدستور الجديد.
حماية ذاتية
quot;حماية المجتمع للأنفس والأعراضquot;... وردت في المادة السابعة، التي تنص على أن يقوم المجتمع المصري على العدل والمساواة والحرية والتراحم والتكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراده في حماية الأنفس والأعراض والأموال، وتحقيق حد الكفاية لجميع المواطنين.
يقول منتقدو هذه العبارة، وهم كثر، إنها تسمح بتكوين ميلشيات أو جماعة تمارس الوصاية على المجتمع، كجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ودعا عمرو موسى، عضو الجمعية التأسيسية والمرشح الرئاسي السابق، إلى تعديليها لتكون quot;تلتزم الدولة حماية الأنفس والأموال... إلخquot;.
غير أن هذا الطرح لم يرق للمستشار حسام الغرياني، رئيس الجمعية التأسيسية، إذ قال إن اللجان الشعبية هي التي حمت مصر في غياب الأمن، فيما اقترح الدكتور حسين حامد حسان، عضو الجمعية، إضافة عبارة quot;في حدود القانونquot;، حتى يكون القانون ضابطًا لتصرفات الجميع.
ما حدود القانون؟
أثارت عبارة quot;في حدود القانونquot;، أو quot;وينظمه القانونquot;، العديد من الإنتقادات، لا سيما أنها وردت في المسودة الأولى أكثر من 70 مرة. تكمن هذه الإعتراضات في أنها تسمح بإصدار قوانين تخالف مبادىء الدستور أو تحدّ من الحقوق والحريات في المجتمع، خصوصًا أن النظام السابق كان يستغل تلك الثغرة في إصدار قوانين قمعية وإستبدادية.
قال الدكتور إبراهيم عز الدين، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، لـquot;إيلافquot; إن إضافة هذه العبارة في الدستور أكثر من 70 مرة، يشير إلى أن النظام الحالي يسير على خطى النظام السابق بثبات.
وأضاف أن هذه العبارة وردت 32 مرة فقط في دستور 1971، وكان نظام حسني مبارك يستخدمها في سند قوانين تقيد الحريات، ومنها قوانين تسمح بحبس الصحفيين، وبتجديد قانون الطوارىء.
ولفت عز الدين إلى أن هذه العبارة تجعل القانون فوق الدستور، بالرغم من أن العكس هو الصحيح، لأن الدستور هو أبو القوانين، داعيًا إلى عدم ترك مواد الدستور ليفسرها المشرع حسب هواها.
وشدّد على ضرورة أن يتم إصدار مواد مفسره لمواد الدستور، حتى وأن وصلت عدد مواده إلى ألف مادة، مشيرًا إلى أن ثمة دساتير في دول العالم يصل عدد موادها إلى 600 مادة لسد الثغرات تمامًا.
التعليقات