صحيح أن الثورة غيّرت ما في النفوس المصرية، إلا أنها لم تغيّر ما في عقولهم. فالمصريون الذين اتهموا مبارك بالتواطؤ مع إسرائيل على غزة في العام 2008، يتفهمون وقوف مرسي تجاه القطاع عند الإجراءات التي اتخذها. فهم لا يريدون الحرب اليوم، لأن الأولوية لتعزيز الاقتصاد.


عبد الإله مجيد: منذ 30 عامًا والمصريون يغلون غضبًا من إسرائيل، ناقمين على حسني مبارك، لأنه لم يكن حازمًا بما فيه الكفاية تجاه هذا الجار المقيت. لكن مراقبين لاحظوا أن قلة من المصريين في عهد الرئيس محمد مرسي يريدون مواجهة ساخنة مع إسرائيل.

وكان مرسي، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، دان الهجوم الإسرائيلي على غزة بشدة خلال الأيام الماضية، وأرسل رئيس وزرائه هشام قنديل إلى القطاع تعبيرًا عن التضامن مع حركة حماس، التي خرجت من عباءة الإخوان المسلمين، وتعتبرها إسرائيل منظمة إرهابية. لكن مرسي يطلب السلام، لا الحرب، وقلة من المصريين الذين تحدثوا يوم الأحد يختلفون معه في ذلك.

مواقف رمزية غير عملية
خلال حرب إسرائيل على غزة في العام 2008، والتي استمرت 22 يومًا، كان مبارك بنظر المصريين متواطئًا مع إسرائيل. هذه المرة، استدعى مرسي السفير المصري في تل أبيب، وأرسل رئيس الوزراء هشام قنديل لزيارة مقر حماس في غزة، الذي دُمّر لاحقًا في غارة إسرائيلية.

كما سعى إلى التوسط لوقف إطلاق النار، والتقى الاثنين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في القاهرة، فيما أُعلن عن قيام سعد كتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بزيارة غزة الاثنين أيضًا.

لكن مرسي لم يذهب إلى حد اتخاذ موقف عسكري حازم من إسرائيل، وكانت الخطوات المتخذة رمزية أكثر منها عملية. وفي يوم الأحد، نشرت صفحة مرسي على فايسبوك صورته مع وزير الإنتاج العسكري الفريق رضا محمود حافظ، وأخرى مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.

لا تورّط!
من الرجال في معاقل السلفيين في القاهرة إلى زوار النصب التذكاري لحرب تشرين (أكتوبر)، لم يكن هناك أحد تقريبًا يريد الحرب، بصرف النظر عن شدة إدانتهم لإسرائيل. فقد نقلت صحيفة واشنطن بوست عن عادل محمد (35 عامًا)، وهو معلم موسيقى كان يرافق مجموعة صاخبة من التلاميذ في زيارة لبانوراما حرب تشرين (أكتوبر) 1973، قوله: quot;كلنا ضد إسرائيل، لكن مرسي يستطيع أن يساعد أهل غزة بالمعونات أو المالquot;. وأضاف: quot;لا نريد التورّط في حرب، فمصر ليست مستقرة اقتصاديًاquot;.

وسعت الحكومة المصرية إلى إقامة توازن دقيق، بين تقديم أكبر دعم ممكن لحماس وغزة، من دون انتهاك معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل في العام 1979. فهذه المعاهدة تحدد بصرامة حجم الوجود العسكري المصري المسموح به في شبه جزيرة سيناء المتاخمة لقطاع غزة وإسرائيل.

الردّ بالدبلوماسية
في بانوراما حرب أكتوبر، التي تُعرض في ساحتها طائرات مقاتلة مصرية ودبابات إسرائيلية وقعت بأيدي المصريين، يروي المعلق قصة العبور الظافر في بداية حرب تشرين (أكتوبر) 1973 ضد إسرائيل.

قال محمد يوسف (40 عامًا)، وهو موظف يزور البانوراما سنويًا: quot;كلما أراها أشعر بأننا أقوى من إسرائيلquot;، لكنه هذه المرة لا يريد الحرب. وقال لصحيفة واشنطن بوست: quot;لدينا اتفاق سلام، ونحن ملتزمون بهquot;.

في شمال شرق القاهرة، حيث معاقل السلفيين، تناقضت المواقف من الهجوم الإسرائيلي على غزة. لكنها أجمعت على إدانة إسرائيل من دون الذهاب إلى الحرب معها. وقال عبد العزيز مطراوي (24 عامًا)، الذي يعمل في مكتبة إسلامية، حيث كان الراديو يصدح بخطبة نارية ضد الهجوم الإسرائيلي على غزة: quot;تحاول الحكومة الإسرائيلية أن تختبر المصريين، يريدون أن يروا ماذا سنفعل إذا خاضوا حربًا مع غزةquot;.

وأضاف: quot;صحيح أن مبارك كان ينام في سرير صنعه الإسرائيليون، لكنّ ردنا سيكون بالدبلوماسيةquot;.

أقل توقّدًا
كانت أحياء في القاهرة قبل شهرين ميدانًا للاحتجاجات ضد فيلم quot;براءة المسلمينquot; المسيء إلى الرسول، وساهم حزب النور السلفي في الدعوة إلى الاحتجاج خارج السفارة الأميركية في القاهرة، الذي كان شرارة أطلقت موجة من الاحتجاجات في أنحاء العالم الإسلامي.

ويقول محللون إن مرسي كان وقتذاك تتنازعه ضرورة الاستجابة لمشاعر الغضب في الداخل والرغبة في تأمين مليارات الدولارات من المساعدات الغربية. فمرت أيام قبل أن يتحرك لإخماد الاحتجاجات quot;بعد ورود مكالمة حازمة من الرئيس باراك أوباماquot;، على حد تعبير واشنطن بوست.

ويُلاحظ أن الغضب في الحي السلفي أقل توقدًا هذه المرة، بالرغم من أن بعض المصريين يقولون إن مصر quot;مستعدة للحرب مع إسرائيل إذا دعت الضرورةquot;.

لكن أكثرية هؤلاء المصريين تقلقهم الضائقة الاقتصادية. وقال أبو روضة (45 عامًا)، الذي يملك متجرًا لبيع الألبسة، quot;هناك أولويات أكبر، فنحن خارجون من ثورة، والحرب ليست منطقية الآنquot;.