فاجأت السعودية دول العالم وكانت أكثر ذكاء مما كان يتوقع البعض بعد الربيع العربي، وسعت دول عدة شهدت ثورات للظفر بود المملكة سياسيًا وماليًا.


لندن: في الوقت الذي كانت تشير فيه تحليلات غربية وشرقية، إلى أن السعودية ستعاني من متاعب الربيع العربي، خلال فترة قريبة، فإن المملكة الغنية بالنفط، فاجأت نفسها والعالم من جديد، بعد موجات ما بعد الربيع العربي ، وبدا وكأنها أكثر ذكاء مما يتوقع البعض، على الرغم من وصفها المستمر بأنها quot;مملكة الشتاءquot; كناية عن بطء الحركة، وجمودها.
وعبر تعيين وزير داخلية شاب، هو الأمير محمد بن نايف، وقبله رئيس استخبارات عتيق معتق، وهو الأمير بندر بن سلطان، وتعيينات مرتقبة لآخرين من أحفاد الملك المؤسس، في مناصب قيادية، وصلت الرسالة السعودية للعالم، وملخصها أن البلاد المشهورة بحركتها البطيئة، قررت تغيير قواعد اللعبة، وتغيير جلدها.
ليس هذا كل شيء، بل أن المملكة التي اتهمها ثوريو ما بعد الربيع العربي، بالهشاشة، كانت لها اليد الطولى في تثبيت عرش أكثر من مملكة، وعدد آخر من جمهوريات التين والزيتون، في الوقت الذي عملت فيه حثيثًا على إيجاد مخرج حقيقي للأزمة في اليمن، بالمال والدبلوماسية، وأشياء أخرى، ولا تزال تحاول فعل الأمر ذاته في الملف السوري.
ولعل بلادًا نجت من تساقط الملكيات الحقيقي، واهتزاز العروش اللافت للنظر، والتاريخ، في عهد الناصرية، وذروة النشاط القومي العربي، لا تزال تمتلك خبرتها الخاصة بها في التعامل مع الصدمات، بل امتلكت قدرة كبيرة على التعايش معها منذ نشأتها قبل أكثر من ثمانين عامًا.
وليس أكثر دليل على نفوذ المملكة تعامل حكومات الربيع معها، والحرص على الاعتراف بها، حيث حرصت بلدان مصر وتونس وليبيا واليمن على علاقات حسنة مع الرياض، بعيدًا عن النوايا، وتدفقت الوفود غير مرة، بغية البحث عن نشاط سياسي، أو اقتصادي.
إلا أن الصورة في الداخل ليست وردية تمامًا، على أعتاب عام جديد، يأتي مع المزيد من التحديات لمملكة النفط والإسلام، إذ تحتاج البلاد إلى حركة متسارعة في الإصلاحات لتمكين الجيل الشاب من تولي مواقع مهمة في الدولة.
هذا لا يتعلق بتجديد دماء الأسرة الملكية فحسب، بل يمكن أن ينسحب أيضًا على موظفي الدولة الذين بدأ عمل معظمهم منذ عهد الملك خالد، قبل أكثر من ثلاثين عامًا، ولم ينتهِ حتى الآن.
ومنذ توليه الحكم في الأول من آب(أغسطس) 2005، أرسل الملك عبد الله الذي كان يتولى تصريف الشؤون اليومية للمملكة منذ 1995، إشارات قوية تدل على رغبته في مواصلة سياسة الانفتاح.ففي 8 آب(أغسطس)، بعد أيام من توليه الحكم، اصدر عفوًا عن ثلاثة من المعارضين كان حكم عليهم في أيار(مايو) بالسجن ما بين 6 و9 سنوات لمطالبتهم بإقامة مملكة دستورية.
كما أن الحريات العامة، وشفافية الأجهزة الأمنية، وصلت إلى مستوى مرتفع، حيث يطيب للغربيين القول بأن السعودية لا يمكن أن توصف بأنها بلد ديمقراطي، ولكن لا يمكن أن توصف بأنها بلد غير ديمقراطي أيضا، على حد تعبيرهم.
وتنشر الصحف، ومواقع الإنترنت المرخصة محليًا، عدة أخبار عن محاكمات سجناء رأي، ومتورطين في أحداث فساد، وكذلك معتقلي قضايا الإرهاب، الذي ضرب البلاد ضربة عنيفة على مدار ستة أعوام، منذ عام 2003.
وفي بلاد لديها أكثر من 20 ألف خريج سنويًا، من أرقى الجامعات الغربية، فإن خطة استيعابهم لابد أن تكون لها الأولوية في خطط التنمية المقبلة، إضافة إلى مئات آلاف من خريجي الكليات والمعاهد المحلية.
وهذا يعني أن توفير المزيد من الوظائف، وتفعيل خطة تكاملية للتوظيف والتدريب، بين القطاعين العام والخاص، ستكون أبرز تحديات العام الجديد، بالنسبة لمسؤولي البلاد.
كما أن تفعيل نظام المناطق، وزيادة عددها إلى 21 منطقة بدلاً من 13، كفيل بزيادة المرونة وحركة إمارات المناطق تنمويًا، خصوصًا وأن الدراسة أعدت، ورفعت لأصحاب المقام الرفيع، لكنّ قرارًا لم يحسم بشأنها حتى الآن.
ويقول خبراء أنه لابد من التفاتة حقيقية للاقتصاد، ومستقبله، في بلاد مصدر دخلها الرئيسي هو النفط، الذي يستهلك بشراهة، في ظل مخاوف من أن تواجه المملكة مأزقًا حقيقيًا عام 2017، حين تبلغ نسبة النفط المستهلكة، كامل النسبة المعدة للتصدير، ما قد يتسبب في دخول البلاد في موجة ركود طويلة، شبيهة بفترة الثمانينات.
وتشهد البلاد فورة تنموية غير مسبوقة، تم خلالها إعادة تحديث البنية التحتية، إلا أن تعطل العديد من المشاريع، وسيرها البطيء، يسهمان في زيادة التذمر الشعبي، إضافة إلى أن المملكة بحاجة إلى التعامل مع قلة نسبة تملك المواطنين لمساكن، وارتفاع أسعار الأراضي بشكل كبير، وتآكل الطبقة الوسطى.
ويبدو أن العام المقبل، 2013، سيحمل معه تحديات اقتصادية، أكثر من كونها سياسية، على حسب ما يراه مراقبون، يأتي على رأسها ملف تحسين حالة المعيشة لأكثر من عشرين مليون مواطن، وكذلك تفعيل مبادرة التنمية، وتحسين فرص النمو للصناعة المحلية.
ويساعد الارتفاع الكبير في أسعار البترول الخام، الذي يدخل أكثر من 400 مليون دولار يومياً، وبفوائض تبلغ نحو 40 مليار دولار في الميزانية، كل عام، منذ ارتفاع أسعار النفط، في رواج الرخاء داخل المملكة.
وإلى جانب تجديد التسلّح ودفع القروض والاستثمار المتطور في قطاع البترول، لا يزال هناك فائض كبير للإنفاق على برامج التعليم، والصحة، والشؤون الاجتماعية.