السيناريوهات المتوقعة بشأن الأسلحة الكيميائية السورية كلها مرعبة، فالرئيس السوري قد يستخدم بالفعل هذه الأسلحة ضد شعبه، والولايات المتحدة قد تنفذ ضربة استباقية لتدمير الأسلحة السورية المحرمة دوليا فتصب بذلك الزيت على النار.


يستأثر السؤال المتمثل في كيف يرد الغرب إذا استخدم جيش الرئيس السوري بشار الأسد اسلحته الكيميائية بالنقاشات الدائرة في العواصم الغربية حول الحرب الأهلية المستعرة في سوريا.

ولكن سؤالا آخر لا يقل أهمية وربما كان اشد الحاحا يكمن وراء هذا السؤال، هو أين الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس الاميركي باراك اوباما؟ بكلمات أخرى هل تتحرك الولايات المتحدة حين تتوصل الى قناعة بأن الأسد قرر استخدام السلاح الكيميائي أم انها ستنتظر الى ان يستخدمها فعلا؟ وكيف تتوثق من هذا وذاك؟ وإذا أعد السلاح الكيميائي للاستخدام هل يكون هذا كافيا للتحرك؟ وإذا انتظر العالم الى ان يستخدم الكيميائي ألن يكون مثل هذا التحرك بعد فوات الأوان؟

الكيميائي وتجربة العراق

وتسعى الولايات المتحدة في مواجهة التحدي الذي يطرحها السلاح الكيميائي واحتمال استخدامه في سوريا الى الحد قدر الإمكان من تحقق سيناريوهين كابوسيين متميزين قد يتطلب كل منهما طريقا مختلفا لتفاديه. كما تتردد في السيناريوهين أصداء أيام سوداء في تجربة العراق التي ما زالت تركتها تثقل كاهل الولايات المتحدة في تعاملها مع منطقة الشرق الأوسط.

quot;سيناريوهانquot; مرعبان

ويقول السيناريو الأول، الذي يكثر الحديث عنه أكثر من الآخر ان الأسد سيلجأ الى استخدام السلاح الكيميائي رغم كل التحذيرات. ويذهب السيناريو الثاني الذي قد لا يقل رعبا، الى ان الولايات المتحدة ستتحرك استباقيا قبل الأوان فتصب الزيت على النار أو حتى تدخل الحرب بلا داع حقيقي من وجهة النظر الاميركية.

ولكي يتحقق السيناريو الأول يتعين ان تُمنى الولايات المتحدة بالفشل في جهودها الرامية الى تخويف الأسد من مغبة استخدام السلاح الكيميائي، ثم تتخلف عن التحرك بالسرعة الكافية لمنعه إذا قرر المضي قدما باستخدامه.

ويرى مراقبون انه كلما كثفت الولايات المتحدة استعداداتها للتحرك من أجل تأمين الأسلحة الكيميائية تراجعت احتمالات اضطرارها الى التحرك فعلا على افتراض ان نظام الأسد سيبقى عقلانيا مدفوعا بغريزة البقاء، بحسب هؤلاء المراقبين. ولعل هذا هو السبب في تشديد وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون على quot;ان هذا خط احمر بالنسبة للولايات المتحدةquot; محذرة من انه quot;يكفي القول اننا بكل تأكيد نخطط للقيام بعملquot;.

وينبع اهتمام الولايات المتحدة بهذا الخط الأحمر من أسباب تتعدى هذه الحرب. فان بعبع السلاح الكيميائي يسهم في إبقائه خارج النزاعات التي قد يُستخدم فيها السلاح الكيميائي لولا هذا التابو. وما دامت الحرب سمة من سمات وجود الانسان فان لدى العالم مصلحة في إبقاء السلاح الكيميائي خارج هذه الحروب لا سيما وان نتائج استخدامه قد تكون بالغة الضرر الى حد غير متناسب على المدنيين بزيادة اعداد القتلى بينهم وآثاره الصحية طويلة الأمد. وهذا ما قاله بشكل أو آخر مستشار الأمن القومي تومي فيتور لمجلة تايم في معرض شرح الخط الأحمر على الأسلحة الكيميائية.

وأوضح فيتور quot;ان المجتمع الدولي وضع مجموعة محدَّدة من القواعد والمعايير التي تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجيةquot;. واضاف quot;ان المدنيين يُقتلون عشوائيا والمعاناة الانسانية التي تسببه هذه الأسلحة معاناة فظيعةquot;.

درس الأنفال

ولكن صحيفة واشنطن بوست تلاحظ ان سجل الولايات المتحدة في فرض الالتزام بهذه القواعد والمعايير ليس ناصعا مشيرة الى ان ما حدث خلال الحرب المدمرة بين العراق وايران إبان الثمانينات ما زال غير معروفا على وجه الدقة ولكن منظمات حقوق الانسان اتهمت الولايات المتحدة بغض الطرف عندما استخدم صدام حسين، حليفها وقتذاك، الأسلحة الكيميائية ضد ايران وضد شعبه. وان حملة الأنفال التي استخدم فيها صدام السلاح الكيميائي اسفرت عن مقتل نحو 180 الف كردي أو ما يزيد خمس مرات على عدد القتلى خلال 20 شهرا من الحرب في سوريا.

ومن المتعذر ان يُعرف بصورة مؤكدة ما سيعنيه استخدام السلاح الكيميائي للنزاع في سوريا ولكن حملة الأنفال تقدم درسا مريعا في مضاعفة أعداد الضحايا الكبيرة اصلا.

وهناك درس عراقي آخر في حيرة الولايات المتحدة إزاء كيف ترد ومتى ترد على اسلحة بشار الكيميائية. ففي 5 شباط/فبراير 2003 رفع وزير الخارجية الاميركي وقتذاك كولن باول قارورة انثراكس في مجلس الأمن الدولي قائلا ان لدى صدام حسين ألاف الألتار من الانثراس في معرض الدفاع عن قرار الولايات المتحدة بالحرب على العراق.

ترسانة صدام

واشار مسؤولون اميركيون في حينه الى ان ان الانثراكس العراقي ربما استُخدم في رسالة وصلت مجلس الشيوخ الاميركي عام 2001 ولكن الحقيقة ان وزارة العدل الاميركي انتهى بها المآل الى التحقيق مع عالم اميركي بشأن الهجوم، وكانت على وشك توجيه الاتهام اليه عندما مات منتحرا.

كما عرض باول صورا التقطتها أقمار تجسسية تبين اربع quot;منشآت كيميائية محصنةquot; كدليل على ترسانة صدام الكيميائية الخطيرة. وبعد نحو شهر قادت الولايات المتحدة غزو العراق الذي تفاقم الى حرب دموية استمرت سنوات. وسرعان ما اتضح ان المنشآت الكيميائية كانت فارغة وخلص تقرير نُشر عام 2004 الى quot;ان العراق قام من جانب واحد بتدمير مخزونه غير المعلن من الأسلحة الكيميائية في عام 1991quot;.

حرب مبالغ فيها

واتضح ان المخاوف من السلاح الكيميائي التي اشعلت الحرب كانت مخاوف مبالغا بها، على حد تعبير صحيفة واشنطن بوست.

ولعل مشهد باول في الأمم المتحدة الذي مرت عليه نحو عشر سنوات الآن هو الذي ينتصب ماثلا في أذهان المسؤولين الاميركيين عندما يدرسون التقارير المتعلقة بترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيميائية. وافادت شبكة ان بي سي نيوز يوم الأربعاء نقلا عن مصادر رسمية اميركية لم تسمها quot;ان الجيش السوري مستعد لاستخدام أسلحة كيميائية ضد شعبه وهو ينتظر الأوامر النهائية من الرئيس بشار الأسدquot;.

ولم تبث منافذ اعلامية كبيرة أخرى اقوالا مماثلة منذ ذلك اليوم. وسواء بثت أو لم تبث وسواء توصل المسؤولون الاميركيون أو لم يتوصلوا الى قناعة بأن الأسد يستعد حقا لعبور الخط الأحمر الاميركي بشأن السلاح الكيميائي فان دروس العراق ستكون على الأرجح حاضرة بكل ثقلها، كما تتكهن صحيفة واشنطن بوست.