يريد رجب طيب أردوغان أن يكون رئيسًا لتركيا، ولهذا يسعى إلى توسيع صلاحيات الرئاسة، فيُخيف معارضيه من التحوّل ديكتاتورًا. لكن فرص اعتماد نظام رئاسي الآن في تراجع، بغياب التوافق التركي العام عليه.


عبد الإله مجيد: أفادت مصادر رفيعة المستوى خبيرة في الشؤون التركية أن فرص إقرار دستور جديد يعيد تشكيل النظام السياسي في تركيا تتلاشى. فعدم الاتفاق على دستور جديد يشكل ضربة لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان شخصيًا، إذ خاض حملته الانتخابية واعدًا بدستور جديد، وأُعيد انتخابه بغالبية كبيرة في العام الماضي على هذا الأساس.

لا توافق
ثمة اعتقاد شائع في تركيا اليوم بأن أردوغان يريد توسيع سلطات الرئاسة لأنه يطمح إليها. وقالت مصادر رفيعة المستوى، قريبة من الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم، لصحيفة فايننشيال تايمز إن فرص إعتماد نظام رئاسي أو إقرار دستور جديد ضئيلة الآن، بسبب غياب التوافق بين الأحزاب السياسية المختلفة على هذه المسألة، كما غياب الإجماع داخل حزب العدالة والتنمية نفسه.

وقال سنيد زابسكو، وهو مستشار سابق لأردوغان، ما زال قريبًا من رئيس الوزراء، إن quot;الوقت فات على الانتقال إلى نظام رئاسيquot;. كما صدرت رسائل مماثلة من شخصيات سياسية أخرى في الحكومة والحزب تحدثت بهذا المعنى في مجالس خاصة.

ويرى محللون أن الفشل في تمرير دستور جديد قد يعقِّد الانتقال من ولاية أردوغان بوصفه واحدًا من أقوى رؤساء الوزراء الذين عرفتهم تركيا منذ عقود، في وقت يتباطأ نمو الاقتصاد التركي، وتواجه تركيا وضعًا خطرًا على حدودها، بسبب ما يجري في سوريا.

هواجس ومخاوف
تركيا اليوم عالقة بين هواجس ديمقراطية من تركيز سلطات أوسع بيد أردوغان وبين تعثر عملية الانتقال إلى نظام رئاسي، وما يسببه ذلك من اضطراب إذا لم يفلح في تأمين هذه السلطات.

وقال أتيلا يسيلادا، المحلل في مؤسسة أناليتكس للأبحاث في إسطنبول: quot;قد يسبب وجود أردوغان مشاكل عدة، لكن رحيله قد يسبب مشاكل أكبرquot;.

وكان أردوغان وعد مرات متكررة بألا يبقى رئيسًا للوزراء بعد انتهاء ولايته الحالية، بموجب النظام الداخلي لحزبه. ومن المتوقع بدلًا من ذلك أن يرشح نفسه للرئاسة في أول انتخابات مباشرة لاختيار الرئيس، في العام 2014.

وقدم حزب العدالة والتنمية منذ أيام خططًا لتقوية الرئاسة، بتوحيد سلطات رئيس الدولة ورئيس الحكومة، من خلال إجراءات عدة، منها منح الرئيس حق تعيين الوزراء دونما حاجة إلى موافقة البرلمان.

اعترضت أحزاب المعارضة على هذه الخطط، قائلة إنها أقرب إلى مخطط لإقامة نظام دكتاتوري. كما أشار نواب من حزب العدالة والتنمية إلى أنهم يفضّلون النظام التقليدي القائم حاليًا. وتساءل الباحث يسيلادا: quot;ماذا يبقى من سلطات البرلمان في ظل نظام رئاسي؟quot;، مشيرًا إلى أن التصويت على تعديل الدستور، تمهيدًا لاعتماد النظام الرئاسي، جرى بالاقتراع السري الذي أتاح للنواب تحدي إرادة رئيس الوزراء.

القرار بيده
زابسو، الذي شارك في تأسيس حزب العدالة والتنمية، ويعمل الآن في مؤسسات، مثل تي بي جي ومصرف باركليز كابتال الاستثماري، رفض المخاوف من العودة إلى نظام متسلط. وقال لصحيفة فايننشيال تايمز إن quot;أردوغان هو الرئيس اليوم، ولا رقابة عليه، فلنعتمد نظامًا رئاسيًا يلجمهquot;.

مشيرًا إلى أن البرلمان لا يوفر ثقلًا مقابلًا لسلطة رئيس الوزراء، لأن أردوغان، كمن سبقه، هو من يقرر قائمة حزبه، وبالتالي هو من يختار النواب من الناحية العملية. وتوقع زابسو أن يسعى أردوغان إلى ممارسة السلطة من موقع الرئاسة، من دون دستور جديد.

وأمهل أردوغان لجنة تضم ممثلين عن الأحزاب السياسية حتى نهاية العام الحالي، للتوصل إلى اتفاق على الدستور، في اشارة إلى أنه في حال عدم اتفاقها سيبحث عن بدائل أخرى لتمرير دستور جديد. لكنه، بالرغم من مغازلته الكتلة القومية في البرلمان، إلا أنه أخفق أخيرًا في تمرير تعديل دستوري أصغر بكثير، هو تقديم موعد الانتخابات المحلية، وهو لا يقارن بإعادة كتابة الدستور بكامله.
من البدائل المتاحة له طرح قضية الدستور للاستفتاء، لكن ذلك يتطلب بقاء حزبه موحدًا في البرلمان، وانشقاق نواب من أحزاب المعارضة وانتقالهم إلى معسكره.

أجندة مغايرة
في غياب نظام رئاسي، تصبح قضية مَنْ يخلف أردوغان في رئاسة الحكومة أشد إلحاحًا، لأن رئيس الوزراء سيواصل القيام بدوره الدستوري كما في السابق.

من ناحيته، استبعد عبد الله غُل، الرئيس الحالي، وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، ترشيحه لرئاسة الوزراء، وأعدّ في الأسابيع الأخيرى أجندة تختلف بصورة متزايدة عن برنامج أردوغان بشأن قضايا عديدة، مثل العلاقة بالاتحاد الأوروبي وحرية الصحافة في تركيا.

إلى ذلك، سيشكل الفشل في تمرير دستور جديد ضربة للناشطين، الذين دأبوا منذ زمن طويل على شجب الدستور الموروث من حقبة حكم الجنرالات، بوصفه دستورًا يكرّس امتيازات الدولة وسلطاتها على حساب الحقوق الفردية. ويقول هؤلاء إن التوصل إلى تسوية جديدة يمكن أن يحلّ المشكلة الكردية المزمنة أيضًا.