نزف الطاقة في الأردن كبير، والمعالجة ماثلة أمام الأردنيين، لكنّ البيروقراطية حجر عثرة كبير، والاستراتيجيات الأردنية للاستفادة من مصادر الطاقة الخضراء لا تجدي. أما السؤال الأكبر فهو: quot;لِمَ يبقى اعتماد الأردن على الصخر الزيتي بنسبة 14 في المئة في العام 2020 ، ولديه من احتياطي النفط من الصخر الزيتي ما لا يقل عن 12 مليار طن؟quot;


عمان: يستورد الاردن حوالي97 في المئة من اجمالي احتياجاته من الطاقة، وبلغت كلفة هذا الاستيراد في العام الماضي حوالي أربعة مليارات دينار، ما يشكل 20 في المئة من قيمة الناتج المحلي الاجمالي، بحسب التصريحات الرسمية.
يقول علاء البطاينة، وزير الطاقة والثروة المعدنية، لـ quot;إيلافquot; إن معدل النمو السنوي للطاقة الكهربائية 7,4 في المئة سنويًا، وإن وزارته quot;تسعى الى توفير وتطوير مصادر طاقة محلية، من أجل مواجهة التحديات، من خلال تطوير استغلال الغاز الطبيعي و الصخر الزيتي و اليورانيوم، ودعم مشاريع الطاقة المتجددة، وتفعيل برامج كفاءة الطاقةquot;.
ووفقًا لتصريحات البطاينة، يملك الاردن رابع احتياطي في العالم من الصخر الزيتي، وتشير الدراسات إلى وجود أكثر من 70 مليار طن من الصخر الزيتي في الأردن، ما يعادل 7 مليارات طن من النفط.
وأشار البطاينة إلى أن سلطة المصادر الطبيعية وقعت العديد من الاتفاقيات لاستغلال الصخر الزيتي في الأردن أخيرًا، منها ثماني مذكرات تفاهم في مجال التعدين السطحي للصخر الزيتي لانتاج النفط، بهدف تسريع وتيرة تنفيذ مشاريع الطاقة البديلة، لا سيما الصخر الزيتي، وذلك للوصول إلى نسبة 11 في المئة في العام 2015 و14 في المئة في العام 2020 من الصخر الزيتي في خليط الطاقة الكلي، بالاضافة إلى توليد فرص عمل واستثمار مباشر قيمته تصل إلى 3,8 مليارات دولارـ بحلول العام 2020.

نظام جديد

لفت البطاينة إلى أن الحكومة الاردنية في طور الانتهاء من إجراءات التخصيص النهائي لأراضٍ حكومية جنوبي المملكة تتوزع في منطقتي معان والعقبة، ذلك لاستخدامها في إنشاء مشاريع طاقة متجددة تعتمد على الرياح والطاقة الشمسية، ممولة من الصندوق الخليجي.
أضاف: quot;الحكومة بصدد إنهاء نظام جديد، يركز على إعفاءات الطاقة المتجددة، يتضمن برنامجًا لكفاءة الطاقة عند المستهلكين الكبار، ونظام إلزام شركات التوزيع لاستبدال عدادات الكهرباء بأخرى ذكية، تقيس فترات ذروة استهلاك الكهرباءquot;، مؤكدًا أن الحكومة كانت قررت ربط إصدار تراخيص الإنشاءات بتوفير أنظمة طاقة شمسية في المباني، اعتبارًا من بداية نيسان (أبريل) المقبل.
وأبدى البطاينة تفاؤله بمستقبل واعد للطاقة في الاردن على المديين المتوسط والبعيد، مشيرًا إلى أن الأردن بدأ خلال العام الحالي إتخاذ خطوات سريعة وفعالة لتحريك مشاريع الطاقة بكافة أنواعها.

مصابيح موفرة يدعمها الصندوق

بهدف توفير الدعم اللازم لمشاريع الطاقة المتجددة وبرامج ترشيدها، قال البطاينة لـquot;إيلافquot; إن صندوق الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة قد تأسس، مبينًا أن الصندوق بدأ أعماله، إذ تم توقيع اتفاقية مع مؤسسة نهر الاردن لتنفيذ مبادرة نحو مجتمعات محلية، تساهم في ترشيد استهلاك الطاقة، حيث سيتم تركيب 5000 سخان شمسي في المنازل، ممولة من الصندوق.
واوضح الوزير أن الوزارة تعمل حاليًا على توزيع 1,5 مليون مصباح موفر للطاقة للمنازل السكنية، التي يقل استهلاكها عن 600 كيلواط ساعة، وبكلفة تصل إلى خمسة ملايين دينار، بالاضافة إلى تركيب 600 ألف مصباح موفر للطاقة في المباني الحكومية، وبكلفة تصل إلى1,8 مليون دينار.
ووفقًا للبطاينة، يسير الاردن على الطريق الصحيح للاستفادة من الطاقة البديلة، حيث تم أخيرًا توقيع 29 مذكرة تفاهم مع شركات عالمية لتطوير حوالي 1000 ميجاوات من مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وأشار إلى أن شركة اس تي انيرجي الاستونية تقوم باستكمال اجراءاتها لبناء محطة توليد الكهرباء بإستطاعة 435 ميجاوات، بإستخدام الحرق المباشر للصخر الزيتي. ومن المتوقع تشغيل المحطة في العام 2016 لأن الشركة الاستونية تحتاج إلى 10 سنوات من تاريخ دخول اتفاقية الامتياز حيز التنفيذ للوصول إلى الإنتاج التجاري الكامل للمشروع، بحجم 40 ألف برميل يوميًا.
وفي السياق نفسه، قال البطاينة إن وزارته وقعت اتفاقية امتياز مع شركة الكرك الدولية لاستغلال الصخر الزيتي في انتاج النفط، في آذار (مارس) 2011، وتحتاج الشركة البريطانية إلى ستة اعوام من تاريخ دخول اتفاقية الامتياز حيز التنفيذ لانتاج 17 الف برميل يوميًا، ترتفع تدريجيًا إلى 60 الف برميل يوميًا في العام 2020.

البيروقراطية حجر العثرة

قال خالد الايراني، وزير الطاقة الأسبق، لـquot;إيلافquot; إن الاردن نجح في اقرار قانون الطاقة المتجددة، quot;لكننا بحاجة إلى اعتماد الانظمة والآليات التي تشجع على الاستفادة من هذه الطاقةquot;.
وبين الإيراني أن العمل بالطاقة الخضراء سيخلق فرص عمل جديدة، وسيؤدي إلى إيجاد اقتصاد جديد من تلك الطاقة، مشيرًا إلى عدم وجود ضرر من استخدام الطاقة المتجددة على الطبيعة والبيئة، خاصة أن الاردن لغاية الآن لم ينتج أي ميغاواط من الطاقة المتجددةquot;.
واشار الايراني إلى أن انتاج الطاقة في الاردن قبل عامين كان يعتمد بنسبة 70 في المئة على الغاز المصري الذي انقطع وعاد بكميات قليلة انهكت خزينة الدولة باكثر من اربعة مليارات دينار، حيث أن المملكة بحاجة إلى 300 كيلوواط سنويًا من الطاقة.
ونوه الايراني بأن البيروقراطية تقف عائقًا في وجة الاستثمارت في قطاع الطاقة المتجددة، quot;فالعطاء الأخير الذي طرحته وزارة الطاقة الاردنية للاستثمار في الطاقة الشمسية بحاجة إلى 40 شهرًا من الاجراءات الروتينية حتى يتسنى للشركة البدء بتنفيذ المشروع، على الرغم من انها تستطيع البدء بانتاج 100 ميغاواط من الطاقة خلال اربعة أشهرquot;.

تشجيع المباني الخضراء

وفي السياق ذاته، يركز محمد الطعاني، مدير عام الجمعية الاردنية للطاقة المتجددة، على اجراءات ترشيد استهلاك الطاقة في أن تبدأ اولًا من عملية البناء، حيث أن الاستخدام المناسب للمساحة يسهم بشكل كبير في تقليل فاتورة الطاقة على مستوى المملكة بنسبة 10 في المئة، وبعد ذلك يأتي التفكير في الاجهزة المستخدمة داخل المنزل، مشيرًا إلى قدرة الطاقة المتجددة في حل مشكلات الطاقة وتسخين المياه، ونظام توليد الكهرباء باستخدام الخلايا الشمسية.
يقول: quot;حاولنا تغيير كودات ومواصفات البناء، خاصة في موضوع السخانات الشمسية، فنحن بحاجة إلى عملية ضبط بيع وشراء هذه السخانات بحيث نضمن حق المواطن في حصوله على نوعية جيدة تتميز بكفاءة عالية وسعر مناسب، علمًا أنها تخضع للضرائب مما يجعل تكاليف استعمالها عالية نسبيًاquot;.

يضيف: quot;لا اعتقد أن غياب التمويل للاستثمار في الطاقة المتجددة هو السبب في تأخر استغلال الاردن لانتاج الطاقة من الرياح أو الشمس وانما السبب هو غياب القوانين والانظمة التي تحمي قطاع الاستثمار في الطاقة، والذي يقدر بنحو 14 مليار دولار، منها ملياران في الطاقة المتجددة والباقي في الصخر الزيتي والغاز الطبيعيquot;.
من جهته، يرى الدكتور أيوب ابو ديه، رئيس المؤتمر الشعبي المناهض للمشروع النووي، لـquot;إيلاف: quot;تأخر الاردن في البحث عن بدائل الطاقة التقليدية، حيث شرع في هذا العام فقط بالتخطيط جديًا لاستثمار مصدري الطاقة الخضراء والمستدامة، بدءًا من صدور قانون الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة للعام 2010 في النصف الأول من العام 2012، وصدور تعليمات ترشيد الطاقة ورفع كفاءَتها في النصف الثاني منه، وهذا دليل على جدية الحكومة، وربما جدية وزير الطاقة تحديدًا، بينما كان ينبغي لهذه الإجراءَات المهمة أن يتم اتخاذها في العام 2008 كحد أقصى، وذلك إثر ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة في العام 2008 حيث بلغ سعر برميل النفط 147 دولارًا.

استراتيجيات بلا جدوى

ينتقد أبو دية الاستراتيجيات الوطنية للطاقة في الاردن قائلًا: quot;إضافة إلى التأخير الخطير الأخير، فإن الاستراتيجية الوطنية السابقة للطاقة لم تحقق سوى 1 في المئة من الطاقة المتجددة نسبة لخليط الطاقة بدلًا من 3 في المئة التي كان مأمولاً منها بحلول العام 2007، أما الاستراتيجية الجديدة 2007 ndash; 2020 فيبدو أنها أسوأ من الأولى، والسؤال المهم هنا هل يعقل أن تكون نسبة اعتمادنا على الطاقة المتجددة فقط عشرة في المئة في العام 2020 بينما يمكننا توليد ما لا يقل عن 30 في المئة من حاجتنا من الكهرباء وحدها من مصادر متجددة للطاقة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحيوية، في غضون بضع سنين، طالما لم تعِقها البيروقراطية وعدم كفاءَة الوزارات المعنية!quot;.

أضاف متسائلًا: quot;هل يعقل أن يكون اعتمادنا على الصخر الزيتي 14 في المئة فقط في العام 2020، ونحن رابع أغنى دولة في العالم بالصخر الزيتي، ولدينا من احتياطي النفط من الصخر الزيتي ما لا يقل عن 8 ndash; 12 مليار طن نفط مكافئ؟ والكلام نفسه ينسحب على الكميات الهائلة من الغاز في الطبقات الصخرية Shale gas في المناطق الشرقية التي تقدر بعشرات التريليونات من الأقدام المكعبة؟quot;
وحول مشروع المفاعل النووي السلمي الذي تنوي الحكومة الاردنية إقامته في منطقة المفرق شمال المملكة، وما مدى فائدته للاردن،أجاب أبوديه: quot;لا يمكننا أن نفهم كيف تحاول الحكومة اقناعنا بالمضي قدمًا في مشروعات نووية ستكلف الأردن عشرات المليارات من الدولارات، بينما تدعي أنها مديونة وفقيرة ولا تستطيع الاستثمار في مصادر الطاقة الأخرىquot;.
وتابع: quot;هل يمكننا أن نصدق الوعود بإنتاج وتصدير الكهرباء النووية الذي سوف يبدأ العام 2030 بينما وعدت الحكومات المتعاقبة الشعب الأردني بإنتاج اليورانيوم في العام 2012 ولم يتحقق ذلك أبدًا، بل تبين أن التركيزات المتوافرة غير مجدية اقتصاديًاquot;.

نفطية وتستثمر بالخضراء

وأشار أبو ديه إلى أن السعودية وقطر تستثمران المليارات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وهما دولتان نفطيتان، quot;بينما نحن ما زلنا لا نعرف كيف سنتدبر أمورنا في السنوات العشر القادمة، فيما البدائل السريعة ماثلة أمامنا، بدءًا من تفعيل كودات البناء الوطني الأردني الذي لم يبدأ بعد، ومضى على صدورها أكثر من عشرين عامًا، وما زالت أبنيتنا اليوم تقام من دون عوازل حرارية أو سخانات شمسية، وما زلنا عاجزين عن تقديم القروض لتوليد الكهرباء منزليًا أو تبديل الأجهزة الكهربائية بالأكثر كفاءَةquot;.
أضاف: quot;الأولى أن نبدأ من هنا، لأن التوفير الناجم عن ترشيد استهلاك وزيادة كفاءَة الطاقة يؤدي إلى تقليص استهلاكنا إلى نحو 20 في المئة خلال سنتين أو أكثر قليلًا، وهذا يعني أن حاجتنا إلى التوسع في إنتاج الطاقة ستنخفض بدلًا من أن تتعاظم في السنوات القادمة، على الرغم من تصاعد النمو الاقتصادي أو زيادة عدد السكانquot;.

يذكر أن المملكة العربية السعودية أعلنت في وقت سابق من هذا العام أنها بصدد إنشاء أكثر من 16 مفاعلًا نوويًا حتى العام 2030 بكلفة تتجاوز الـ300 مليار ريال، وأنها تسعى لتأمين 50 في المئة من احتياجاتها من الكهرباء خلال العشرين عامًا القادمة من مصادر الطاقة الخضراء.
ويقول أبو دية إن حلول ازمة الطاقة التي يمر بها الاردن quot;تبدأ بوضع خطة واضحة المعالم لا تشوبها مطامع شخصية، تنظر إلى مصلحة الوطن بالدرجة الأولىquot;. ويطرح ابو دية سؤالاً باستهجان: quot;ما معنى أن تحلي أستراليا 150 مليون متر مكعب سنويًا من مياه البحر باستخدام 90 ميجاواط فقط من الطاقة الكهربائية النظيفة التي يتم إنتاجها من الطاقة الشمسية والحيوية وطاقة الرياح، بينما صرفنا أكثر من مليار دينار لغاية الآن لجر مئة مليون متر مكعب سنويًا إلى العاصمة عمّان من مياه الديسي؟quot;