بدأ روسي في الثمانين من عمره حملة صارت تيارا يهدف لحماية حرف واحد من الأبجدية الروسية (السيريلية). واتخذت هذه الحملة تشعبات لها غشيت ستالين وانتهت على باب وكالة الاستخبارات الأميركية laquo;سي آي ايهraquo;.

كما هو الحال في العديد مع أهل العديد من اللغات الحية، فإن ثمة قلقا وسط اللغويين الروس حول حرف في أبجديتهم السيريلية يكتب laquo; euml;raquo;(كحرف e اللاتيني ولكن بنقطتين فوقه تجعلان لفظه laquo;يوraquo;).
ومصد القلق هو أن العامة صارت تنحو لإسقاط النقطتين بحيث صار تنطقه laquo;ييraquo;. وهذا ليس أمرا سهلا لأنه ndash; كما هو متوقع ndash; يغيّر الطريقة التي يُلفظ بها عدد هائل من الكلمات. وربما كان أسطع مثال على هذا هو اسم الزعيم السوفياتي الشهير نيكيتا laquo;خروتشوفraquo; (وهو اسمه الصحيح)، فصار يُنطق laquo;خروتشيفraquo; وفقا للتغيّر الذي أحدثه إسقاط النقطتين من الحرف laquo;euml;raquo;.
وتبعا لما أوردته صحيفة laquo;وول ستريت جورنالraquo; الأميركية فقد شهدت روسيا تعاظم تيار وسط الروس (من اللغويين وكبار السن نسبيا) لإنقاذ نقطتي هذا الحرف من الغرق وسط تيار laquo;الحداثةraquo;. فكُتبت مقالات وتشكلت جماعات ضغط لضمان بقائه على المطبوعات واللافتات العامة ولوحات المفاتيح في أجهزة الكمبيوتر والجوال والكمبيوتر اللوحي وغير ذلك.
وهنا يبرز مهندس روسي متقاعد مسن في الثمانين من عمره يدعى فيكتور شوماكوف، استطاع لفت الأنظار الى ما يقول إنه laquo;يد خفيّةraquo; تسعى لمحو رموز التراث الروسي وأهمها الأبجدية السيريلية. ولا يقف عند هذا الحد بل يمضي ليحدد أن هذه laquo;اليد الخفيةraquo; إنما تعود الى وكالة الاستخبارات الأميركية laquo;سي آي ايهraquo; بالاسم الصريح.
وكان شوماكوف قد بدأ حملة ضارية كتب فيها مئات الرسائل الى الصحف والمجلات والكرملين نفسه يشكو من هذا الوضع، متهما laquo;مجمع اللغة الروسيةraquo; بأنه laquo;الحارس النائمraquo; وlaquo;الضحية الغافلة لأكبر مؤامرة على الشعب الروسي المجيدraquo;.
واستمرت ضراوة حملته حتى اضطر المجمع لإصدار بيان قال فيه إن النقطتين غير مهمتين فعلا إلا في وثائق الدولة الرسمية أو الحالات التي يصعب فيها فهم معنى الكلمة بدونهما. على أن هذا لم يقنع شوماكوف والداعين معه للحفاظ على الحرف فقالوا إن وكالة الاستخبارات الأميركية تغلغلت الى laquo;مجمع اللغة الروسيةraquo; وسيطرت عليه laquo;لأنها تعلم أن إضعاف الأمة الروسية وزوالها يبدأ وينتهي بمحو لغتهاraquo;.
ويبدو أن شوماكوف وأتباعه المتزايدين عددا كل يوم laquo;يترحمونraquo; أيضا على أيام جوزيف ستالين. فقالوا إن لغتهم بدأت تموت مع موته، وهذا لأن حكومته شنت حملة مماثلة لتنبيه الناس الى أهمية النقطتين فوق حرف laquo;euml;raquo;. ولهذا فقد يتساءل المرء عما إن laquo;الكسل اللغويraquo; وحده هو الذي يقف وراء المشاكل التي ظل هذا الحرف يتعرض لها منذ ذلك الوقت. لكن الإجابة سهلة، وهي أن كثيرا من الكلمات الروسية النابية تحوي هذا الحرف، وربما كان هذا هو السبب في نفور الناس عموما منه أو في أنهم لا يفتقدونه على النحو الذي يصيب شوماكوف وأتباعه.
وربما كان لهذا الخبر ان ينتهي هنا لولا أنه اكتسب بعدا جديدا مفاجئا ومهما. ويتمثل هذا في أن laquo;سي آي ايهraquo; نفسها أصدرت، على لسان الناطق باسمها، laquo;نفياً رسمياًraquo; لمزاعم شوماكوف ومعسكره. وجاء في هذا البيان غير المألوف أن الوكالة ليست ذات علاقة من قريب أو بعيد بالاختفاء التدريجي للنقطتين على الحرف laquo;euml;raquo; أو حرف آخر من الأبجدية الروسية أو الأبجديات السيريلية المشابهة.
ومضت تقول إنها laquo;تشجع مراعاة أصول النطق والنحو والإملاء في أي لغة كانتraquo;. ولكن ربما كان غنيا عن القول إن الوكالة باتخاذها خطوتها غير المتوقعة هذه إنما أججت لهب الشائعات والتكهنات القائلة إن لها يدا خفية فعلا في الأمر برمته.