ترافق عملية الاستفتاء على الدستور المصري اليوم مخاوف بين المصريين من التطورات التي قد تطرأ على مؤسسة الأزهر الشريف العريقة، التي اشتهرت دائمًا باعتدالها، خاصة في حال الموافقة عليه، حيث يمنح الأزهر سلطة استثنائية لإصدار حكم بشأن المزايا الدينية لقوانين الدولة.


القاهرة: تحوّلت ثورة المصريين، التي اندلعت قبل عامين، في ظل نداءات تطالب بالحرية والعدالة، إلى مسار من جانب القوى الإسلامية، التي تحقق الفوز تلو الآخر في مراكز الاقتراع.

لكن مصدر المخاوف الحقيقي داخل مصر وفي كل أنحاء المنطقة هو أن تكون البلاد في طريقها إلى ديموقراطية في مكان غير مناسب لها، وهو الأزهر الشريف، تلك المؤسسة quot;القاهريةquot;، التي لطالما عُرِفَت بكونها منارة ذات سمعة طيبة في ما يتعلق بالاعتدال.

غير أن تلك السمعة باتت مهددة، في الوقت الذي بدأت تقوم فيه عناصر أكثر تشدداً من مزيج مصر الإسلامي بمحاولات لفرض السيطرة. وهي معركة من المتوقع أن تكتسب زخماً جديداً اليوم السبت، حين يتوقع أن يوافق الناخبون على مسودة دستور تمنح الأزهر سلطة استثنائية لإصدار حكم بشأن المزايا الدينية لقوانين الدولة.

وسبق لمسؤولي الأزهر أن أكدوا أنهم لم يكونوا يريدون القيام بهذا الدور، لكنهم تعرّضوا لضغوط كي يقبلوه من جانب أتباع التيار السلفي، الذي بدأ يحظى بوجود كبير في حقبة مصر الديمقراطية الجديدة.

ونقلت بهذا الخصوص صحيفة quot;واشنطن بوستquot; الأميركية عن عبد الدايم نصير، أحد مستشاري شيخ الأزهر وعضو اللجنة التأسيسية، التي كانت منوطة بصياغة الدستور، قوله quot;يريد السلفيون أن يجعلوا الأزهر جزءًا من النظام السياسي، وهو ما نعترض عليه. ونحن لا نريد من جانبنا أن نصيغ القانون وفق عقيدة دينية تقول (هذا صواب) و(هذا خطأ)quot;.

لكن هذا ما سيكون الأزهر منوطاً بفعله عمّا قريب بموجب الدستور الجديد. وأوضح هنا نصير أن السلفيين يصرّون على ذلك الشرط لاعتقادهم أنهم سيسيطرون على الأزهر.

تابعت واشنطن بوست بتأكيدها على أن المعركة الخاصة بطبيعة ودور الأزهر تحظى بتداعيات عميقة بالنسبة إلى مصر وبالنسبة إلى ما هو أبعد من ذلك أيضاً. ومعروف الدور المبجّل الذي يقوم به الأزهر منذ قرون، في الوقت الذي يعتبر فيه على نطاق واسع المركز الأكثر احتراماً للفكر الإسلامي السنّي، فضلاً عن استقباله سنوياً لملايين الطلبة، الذين يتوافدون عليه للدراسة من كل أنحاء الأرض. وفي وقت تتصاعد فيه أنماط إسلامية أكثر تزمتاً، نجد الأزهر يقدم ترياقاً، وينصح بالتعددية، ويحترم الثقافات غير الإسلامية والحقوق الخاصة بالمرأة، وكذلك الأقليات.

هذا ويخشى كثير من المصريين العلمانيين والمسيحيين من أن يؤدي التحول صوب الأيديولوجية المتشددة من جانب الأزهر إلى تفسير أكثر صرامة للشريعة الإسلامية، التي تشكل أساس التشريع، بموجب الدستورين القديم والجديد بالنسبة إلى المواطنين المصريين.

وهو ما قد يعني بالتالي تراجع قدر الحريات بالنسبة إلىالأكاديميين والفنانين المصريين، وتقييد الحقوق بالنسبة إلى السيدات في بيوتهن وأماكن عملهن. وذلك بالاتساق مع المخاوف المثارة في الوقت الراهن من خطر التلاعب بمؤسسة الأزهر الشريف.

قال في هذا الصدد مسؤول حكومي شرق أوسطي كبير، دولته فيها ملايين المسلمين السنة، بعد رفضه الإفصاح عن هويته: quot;يرغب الإخوان المسلمون منذ سنوات بفرض سيطرتهم على الأزهر، وبمجرد أن يفعلوا ذلك، سينتهي الإسلام المعتدلquot;.

وبالرغم من تاريخه الطويل وسمعته الطيبة، إلا أن الانتقادات كانت تطال الأزهر في بعض الأوقات على خلفية صلته الوطيدة بسلسلة من الحكام المستبدين في البلاد، والتي كان آخرها طوال فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك على مدار ثلاثة عقود.

يكفي أنه حين سقط مبارك خلال ثورة 25 كانون الثاني (يناير) عام 2011، بدا أن الأزهر ضعيف ومتهيئ على ما يبدو لأن يخضع لسيطرة أية جهة. غير أن ذلك لم يحدث، ونجح شيخ الأزهر، أحمد الطيب، في الاحتفاظ بمنصبه، وفي تأييد استخدام الحوار لتقريب الهوة الكبيرة بين الرئيس محمد مرسي وأتباعه الإسلاميين من جهة وبين ائتلاف الليبراليين واليساريين والمسيحيين الفضفاض من جهة أخرى.

لكن منتقدين أكدوا للصحيفة أن استمرار أحمد الطيب في منصبه حتى الآن يرجع إلى رغبته في أن ينحاز لمصلحة النظام الإسلامي الجديد. فيما عبّر عدد كبير من المسؤولين الحكوميين في منطقة الشرق الأوسط عن بالغ قلقهم إزاء الخطبة التي أدلى بها القرضاوي أخيراً، والتي أدان فيها الحكومات العلمانية المسلمة في المنطقة، وأكد من خلالها أن إقامة دولة إسلامية موحدة هي السبيل لتدمير إسرائيل.

في مقابل ذلك، أوضحت الصحيفة أن القادة السلفيين وقادة جماعة الإخوان يسخرون بالفعل مما يقال عن نيتهم الاستحواذ على الأزهر، في الوقت الذي يؤكدون فيه على حقيقة أنهم مهتمون فقط بالعمل من أجل ضمان استقلالية المؤسسة.