ساهمت الخبرات الدبلوماسية والأدوار التي لعبها جون كيري على مستوى الدول، في جعله، بحسب الرئيس باراك أوباما، الرجل الأنسب لنيل منصب وزير الخارجية بدلاً من هيلاري كلينتون.
بمظهر يوحي بأصول أرستقراطية ونحو ثلاثة عقود من الخدمة في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وتاريخ مهني زاخر بالأوسمة والنياشين، التي نالها خلال الحرب الفيتنامية، فضلاً عن كونه أبًا ودبلوماسيًا، يعتبر جون كيري النموذج الأمثل لمنصب وزير الخارجية الأميركي، بحسب العديد من المراقبين.
وقال الرئيس باراك أوباما حين أعلن ترشيح كيري يوم الجمعة لتولي وزارة الخارجية quot;إن حياة جون كلها أعدّته لهذا الدورquot;. ويخلف كيري وزيرة الخارجية الحالية هيلاري كلنتون، في أول خطوة يتخذها أوباما لبناء طاقم الأمن القومي في ولايته الثانية. وأشاد اوباما بكيري (69 عامًا) لانخراطه في quot;كل مناظرة حول السياسة الخارجية منذ نحو 30 عاماquot;.
ورغم أن كيري سينقل معه إلى المنصب خبرة أوسع من تلك التي نقلتها كلينتون، فمن المرجّح أن يضفي تعيينه مزيداً من المركزية على صنع القرارات السياسية في البيت الأبيض، حيث أحكم الرئيس وحلقة ضيقة من المستشارين قبضتهم على مسؤولية البتّ في قضايا، مثل برنامج إيران النووي والصين وباكستان وإنهاء الحرب في افغانستان.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ديفيد روتكوبف، المدير التنفيذي لمجموعة السياسة الخارجية قوله quot;ان هناك اسباباً وجيهة للاعتقاد بأنه ستكون لدينا سياسة خارجية شديدة التمركز في البيت الأبيض. وسيتعين على كيري أن يثبت ولاءه واستعداده للعمل داخل منظومة اوباماquot;.
على النقيض من كلينتون، التي رشحها اوباما لمنصب وزير الخارجية في ادارته بعد منافسة مريرة بينهما على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في عام 2008، فان كيري كان مؤازرًا وفيًا لإدارة اوباما موجّهاً عملية المصادقة على معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية مع روسيا في مجلس الشيوخ، ومتوليًا مهمات دبلوماسية نيابة عن البيت الأبيض في افغانستان وباكستان والسودان.
كما كان له دور متميز في مراحل دقيقة من حياة اوباما السياسية. ففي المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي عام 2004 الذي رشح كيري لخوض السباق الرئاسي ضد بوش، أناط القاء الخطاب الرئيس في المؤتمر باوباما، الذي كان وقتذاك عضوا مغمورًا في مجلس الشيوخ من ولاية الينوي، دافعا اياه إلى دائرة الضوء من خلال هذه المبادرة.
وفي اوائل 2008 وقف كيري إلى جانبه ضد كلينتون، وقام في خريف هذا العام بدور ميت رومني في مناظرات مصطنعة، لتمرين اوباما على المناظرات الرئاسية الحقيقية. ويقال إن هذه البروفات كانت احياناً امتحاناً صعبًا لأعصاب اوباما.
وقال أوباما يوم الجمعة quot;لا شيء يقرِّب بين شخصين مثل أسابيع من التحضيرات لهذه المناظراتquot; لافتًا إلى كيري الذي ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة. وأضاف أوباما quot;جون، أنا اتطلع إلى العمل معك بدلاً من السجال ضدكquot;.
ورغم الثناء، الذي أغدقه اوباما على كيري، فان خياره الحقيقي لمنصب وزير الخارجية كان سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، التي انسحبت من السباق على المنصب، بعدما هدد الجمهوريون بإجهاض عملية الموافقة على تعيينها بسبب التصريحات التي أطلقتها بعد الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي.
وقال مساعدون للرئيس الأميركي إن أوباما يحبّ أسلوب رايس المباشر، وانسجام نظرتها إلى السياسة الخارجية مع نظرته. نتيجة لذلك، تظل رايس المحتفظة بموقعها في الأمم المتحدة حاليًا، مرشحة لمنصب رفيع في مجال السياسة الخارجية خلال الولاية الثانية، كما أفادت صحيفة نيويورك تايمز، نقلاً عن مسؤولين في الادارة. ومن المتوقع ان يستمر توماس دونيلون مستشار الأمن القومي في منصبه سنة أخرى أو نحو ذلك، ولكن رايس يمكن ان تُرشح لتولي منصبه.
وقال محللون إن انتقال رايس إلى البيت الأبيض سيكون اختباراً لوزير الخارجية الجديد كيري، إزاء قربها من اوباما واتفاق آرائهما بشأن العديد من قضايا السياسة الخارجية.
وقال اليوت ابراهمز، الذي تولى مناصب في مجال السياسة الخارجية خلال ادارة رونالد ريغان، وادارة جورج بوش quot;إن أسهل نموذج يمكن أن نرى نشوءه، هو نموذج يكون فيه كيري دائب الحركة متفاعلاً مع زعماء العالم، ولكن صنع القرار يكون في البيت الأبيضquot;.
وأعرب اوباما عن ثقته بموافقة زملاء كيري في مجلس الشيوخ على تعيينه، وهي ثقة قال مراقبون إنها مبرَّرة، لاسيما وأن جون ماكين عضو مجلس الشيوخ الجمهوري من ولاية اريزونا، ومن أشد منتقدي سوزان رايس، أشار مازحاً إلى كيري في مناسبة أخيرة بالقول quot;السيد الوزيرquot;.
في هذه الأثناء لم تعلن كلنتون عن استقالتها، ولكنها أوضحت انها لن تبقى أكثر من ولاية واحدة. وهي بسبب الوعكة الصحية التي ألمّت بها لم تكن حاضرة لدى الإعلان عن ترشيح كيري. وقال أوباما إنه تحدث معها صباح الجمعة، وان معنوياتها عالية.وأصدرت كلنتون بياناً قالت فيه إن كيري قائد من quot;العيار الثقيلquot; عمل في الكونغرس من أجل إعلاء شأن الدبلوماسية وتطويرها.
ويعمل كيري مع كلنتون لإقرار التوصيات التي قُدمت في تقرير أخير، انتقد بشدة وزارة الخارجية بسبب تقصيراتها الأمنية في بنغازي، كما قالت كلنتون.
وأشار محللون إلى ان الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، أكد التحدي الإداري الذي ينتظر عضواً مخضرماً في مجلس الشيوخ مثل كيري، لتولي جهاز بيروقراطي، تمتد أذرعه في انحاء العالم. ولفت مساعدون سابقون لكيري، إلى أنه قاد عملية ضخمة، وإن كانت مؤقتة خلال حملته الانتخابية عام 2004، التي اعتبرت حملة حسنة الإدارة عموماً، رغم انتقاد بعض الزلات التي اعترتها.
ورغم أن كيري ليس شخصية معروفة عالمياً، مثل كلنتون، فان خلفيته كمرشح رئاسي وتوليه رئاسة لجنة العلاقات الخارجية تكفلا بتعريف العالم به، لا سيما وأن لقاء الملوك والرؤساء ليس غريبًا عليه.
وفي تشرين الأول (اكتوبر) 2009 قام كيري بدور يُعتبر حاسماً في اقناع الرئيس الافغاني حامد كرزاي بقبول اعادة الانتخابات. وأمضى كيري 20 ساعة على امتداد 5 ايام مع كرزاي ناقلاً اليه على وجبات عشاء وخلال أحاديث طويلة في حديقة القصر الرئاسي في كابول شعوره بالاحباط بعد هزيمته في انتخابات 2004. وقال كيري في مقابلة صحافية وقتذاك quot;أخبرته أن اوقاتا عصيبة تمر احياناquot;.
وقبل اندلاع الانتفاضة في سوريا، اجتمع كيري مرات عدة مع الرئيس بشار الأسد، على أمل دفعه إلى القيام بدور بناء في الشرق الأوسط. وقد يوحي فشل مجهوده هذا لصقور في مجلس الشيوخ، مثل ماكين، بطرح أسئلة صعبة عليه.
ولدى كيري من خلال عمله في مجلس الشيوخ، سجل متين بشأن التغير المناخي، وصدرت من منظمات حماية البيئة ردود افعال ترحب بترشيحه. ولكن الرئيس اوباما قال إن التغير المناخي سيتراجع إلى مرتبة متأخرة وراء الاقتصاد، في الوقت الحاضر على الأقل.
ولعل ممارسة نفوذ داخلي، سيكون أكبر التحديات التي على كيري أن يتعامل معها في منصب كان يطمح اليه منذ فترة طويلة. وتوقع أصدقاء ومساعدون سابقون، أن يقتطع لنفسه دوراً في الحياة الأميركية على غرار كلنتون.
وقال جيم غوميز، مدير مكتب كيري السابق quot;إن جون كيري شخص كان يحلم بالرئاسة منذ فترة مبكرة في حياته. وبوصفه شخصًا نشأ في عائلة عملت في الخدمة الخارجية ومثُل أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بعد عودته من فيتنام، وكان يريد ان يعمل في اللجنة، فان هذه خطة بديلة رائعةquot; بعد اخفاقه في نيل الرئاسة.
التعليقات