تتواصل عمليات القتل على يد الأمن في معظم المدن

تعرضت مدينة داريا السورية لعمليات قصف وإطلاق نار كثيف من قبل قوات النظام، حتى أن أهالي المدينة التي تتشابه كثيرا مع مدينةحمصلم يتمكنوا من تشييع قتلاهم الذين سقطوا يوم الجمعة.


داريا: هل كان من قبيل الصدفة، أمربما من سخرية القدر، أن تتعرض مدينة داريا في الطرف الغربي من الغوطة الدمشقية الشهيرة، وثاني أكبر مدينة في محافظة ريف دمشق، وأحد أقرب التجمعات الريفية المتداخلة مع العاصمة دمشق، لمجزرة بدم بارد في اليوم التالي لارتكاب النظام السوري مجزرة حمص؟!

ديمغرافية مدينة داريا تشير إلى أن سكانها هم الوحيدون تقريباً من بين كل سكان الريف الدمشقي الذين يتحدثون بلهجة شبيهة بلهجة أهل حمص، كما أن الأصول العرقية لسكان داريا تعود إلى قبائل عربية قدمت من حمص، واستقرت بالقرب من دمشق في المنطقة المعروفة اليوم بداريا.

لقطة من موقع يوتيوب لتشييع القتلى في داريا

لا يقطع تدفق الكلمات والأسطر، ويجعلها في بعض الأحيان quot;متقطعةquot; إلا صوت الرصاص المفاجئ الصادر من بنادق ورشاشات نظام الأسد ورجالات أمنه وشبيحته، والذين تموضع أحدهم فوق سطح المبنى الذي يكتب منه معد التقرير، والآخر أمام المبنى نفسه، كاسرين الصمت المطبق الذي يجتاح المدينة المنكوبة بوابل من الرصاص المتقطع؛ لإرهاب أي شخص قد تسول له نفسه الخروج من منزله؛ طلباً للغذاء أو الدواء أو مستلزمات العيش اليومية.

شاءت الأقدار أن أقضي ليلتي عند أحد الأصدقاء في مدينة داريا، للمشاركة في تشييع أحد الشبان الذين سقطوا في جمعة quot;عذراً حماة.. سامحيناquot; دون أن يكون مشاركاً فيها، حيث تصادف مروره بالقرب من التظاهرة، بحكم الصداقة التي كانت تربطني به، ورغم أن الرواية الإعلامية التي باتت مشتهرة أن إطلاق النار جاء إثر تشييع الأهالي لقتلاهم عقب صلاة الظهر، لكنني كشاهد على الواقعة، صحوت عدة مرات منذ فجر اليوم السبت على وقع وابل من إطلاق النار، وقذائف من مدافع الهاون والدبابات التي اقتحمت المدينة، ثم استمر الوضع بعد ذلك ليواجه الأهالي وحشية آلة الحرب الأسدية بصدور عارية، قبل أن يتفرقوا للاحتماء من وابل النيران الكثيفة، دون أن يتمكن معظمهم من دفن قتلاهم الذين سقطوا يوم الجمعة.

الهدوء يطبق على شوارع مدينة داريا، وأعمدة الدخان تتصاعد من عدة أبنية طالتها قذائف المدفعية والدبابات وطلقات الرشاشات الثقيلة، ولا تكاد تسمع دبيب نملة في الشوارع الخالية والخائفة خلف جدران لا يمكنها حماية قاطنيها من قذائف الحقد والتباهي، التي يطلقها شبيحة وجنود يفاخرون بإطلاق النار بشكل عشوائي دون مساءلة أو ربما بأمر مباشر من قادتهم، فضلاً عن منع المقاتلين المنتشرين في الشوارع الناس من مغادرة بيوتهم أو المنطقة برمتها، وإن لم تكن من قاطنيها.

مجازر داريا وقبلها حمص، تأتي مع احتدام الصراع داخل مجلس الأمن حول مشروع القرار الخاص بالوضع في سوريا، وترشيح روسيا لوقوع ما سمته quot;فضيحةquot; فيما لو عرض القرار للتصويت.

كل ذلك، والأزمة المعيشية تتصاعد في سوريا، وتدفع بمن راهن عليه النظام طوال الأزمة (الأغلبية الصامتة) إلى الإعلان عن موقفها والانحياز إلى جانب بقية أهلهم الذين تصليهم نار آلة حرب النظام ، فبعد أزمة المازوت والبنزين والغاز والكهرباء، دخلت أزمة جديدة على الخط، مع انقطاع المياه عن سكان العاصمة منذ ثلاثة أيام، إثر الاشتباكات التي جرت بين الجيش النظامي والجيش الحر في وادي بردى ومجرى نبع الفيجة الذي يغذي العاصمة بقسم كبير من حاجتها المائية، وسريان إشاعات عن تلوث مياه الشرب بسبب وصول مادة المازوت إلى مجرى النبع، بقصد أو دون قصد، رغم نفي مصلحة المياه لذلك، ما أدى إلى ارتفاع أسعار عبوات المياه المعلبة إلى أكثر من10 أضعاف، ونفاد المخزون من أغلب محلات البقالة وفق شهود عيان.

إعلام النظام الرسمي، وكعادته، نفى على لسان متحدث رسمي لم يحدده، ما ورد من مجازر وأزمات، على حد سواء، ويبقى السؤال الذي طرحه مواطن سوري عادي سمع بيان التلفزيون الرسمي: هل فعل النظام وإعلامه خلال أكثر من 11 شهراً أكثر من النفي الرسمي؟