تكشف وثيقة داخلية تحمل توقيع رئيس بعثة المراقبين العرب محمد الدابي أن البعثة فشلت في القيام بمهمتها منذ البداية بسبب العراقيل ونقص المعدات، إضافة إلى ما أسماه الدابي بالحملة الشرسة من قبل وسائل الإعلام السورية ضده.


التظاهرات في سوريا مستمرة منذ 10 اشهر

اتجه 166 مراقباً، أُرسلوا من قبل الجامعة العربية إلى سوريا يوم 24 ديسمبر/كانون الأول لتوثيق العنف الآخذ في الاتساع، لكنهم عجزوا عن تحمّل قسوة الحياة في بلد مشتعل بسبب الاضطرابات الاجتماعية والصراعات، وفقاً لوثيقة داخلية كشفت عن تفاصيل مهمتهم.

quot;للأسف، اعتقد بعض المراقبين أن زيارتهم لسوريا كانت من أجل المتعة والترفيهquot;، كتب الجنرال محمد أحمد مصطفى الدابي، رئيس بعثة المراقبة من جامعة الدول العربية، مضيفاً: quot;في بعض الحالات، كان بعض الخبراء الذين تم ترشيحهم للقيام بمهمة المراقبة في سوريا، غير مؤهلين وليس لديهم خبرة سابقة، وكانوا غير قادرين على تحمل المسؤوليةquot;.

يوم 18 يناير/كانون الثاني، أمر الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي تعليق بعثة المراقبين، والتي تعتبر التجربة الاولى لجامعة الدول العربية في رصد حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن تصاعد العنف قد يقوّض قدرتها على القيام بعملها.

لكن وثيقة سرية تضمن تفاصيل مهمة اللجنة، وتحمل توقيع رئيس البعثة، تشير إلى أن المراقبين العرب عانوا العراقيل منذ بداية مهمتهم بسبب نقص المعدات، إضافة إلى ما وصفه الدابي بـ quot;وسائل الإعلام السوري الشرسةquot; التي شنت حملة تضليل ضد المراقبين وضده شخصياً. quot;لقد تم تقويض مصداقية البعثة في عقول المشاهدين العرب والأجانبquot;، يقول الدابي.

على الرغم من ذلك، تبقى نتائج البعثة محور نزاع دبلوماسي بين روسيا والقوى الأوروبية الرئيسة في مجلس الأمن، والتي تستعد لنقاش من أجل اتخاذ موقف أكثر حزماً في سوريا اليوم.

يوم الاثنين 30 يناير/كانون الثاني، أصر نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، على أن يتلقى مجلس الأمن إحاطة بشأن الاستنتاجات الواردة في التقرير. لكن الأوروبيين رفضوا التقرير، معتبرين ان بعثة الجامعة العربية كانت فاشلة إلى حد كبير، وأن تقريرهم لن يقدم شيئاً للمجلس في إطار رسم مساره الدبلوماسي.

وقال مارك ليال غرانت، سفير بريطانيا لدى الامم المتحدة يوم الجمعة، إن عمل بعثة المراقبة تم تجاوزه من قبل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها جامعة الدول العربية للحصول على تأييد مجلس الأمن لعملية الانتقال السياسي في سوريا.

المسألة الأكثر جدلاً كانت الفقرة التي وردت في تقرير الجامعة، والتي توصي بألا تتخلى الحكومات العربية عن دورها كوسيط لدى المجتمع الدولي، في إشارة على الأرجح إلى مجلس الأمن. ويقول دبلوماسيون اوروبيون ان البعثة لم يكن لديها تفويض لتقديم مثل هذا التأكيد، في حين أن المسؤولين الروس يقولون ان عدم إعطاء مجلس الأمن الحق في مراجعة تقرير الجامعة العربية الكامل لما حدث على أرض الواقع، سيكون فعلاً غير مسؤول.

quot;شعرت البعثة بالإجهاد الحاد والظلم والقهر الذي يعانيه المواطن السوريquot;، كتب الدابي في تقريره، مضيفاً quot;على الرغم من ذلك كان المراقبون مقتنعين بأنه يجب حل الأزمة السورية بطريقة سلمية، في سياق عربي بعيداً عن التدويل، حتى يتمكنوا من العيش في سلام وأمن، وتحقيق الاصلاحات والتغييرات المطلوبةquot;.

استناداً إلى ذلك، اعتبرت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; ان هذا التصريح يدل على أن الدابي يشكك بوضوح في قدرة بعثة المراقبة على أداء المهمة المطلوبة منها بشكل جيد.

ويوصي الدابي بأن يتم تعزيز بعثة المراقبة بـ 100 مراقب إضافي quot;ويفضّل أن يكونوا شبابا يتمتعون بخلفية عسكريةquot;، و 30 مركبة مدرعة وسترات واقية، كاميرات محمولة على السيارات ومناظير للرؤية الليلية.

quot;على الرغم من كل ما سبق ، فإن أداء العديد من المراقبين كان ممتازاً ويستحق الثناء والتقديرquot; قال الدابي، مشدداً على ضرورة quot;معالجة أوجه القصور وتصحيح الأداء بالممارسة والتوجيه، بإذن اللهquot;.

لكن بعثة جامعة الدول العربية واجهت المتاعب فور بدء مهمتها تقريباً، إذ عمد المسؤولون السوريون على الحدود الأردنية إلى مصادرة معداتهم الالكترونية للاتصال، تاركين لهم عشرة هواتف quot;الثرياquot; الفضائية، وأجبروهم على اعتماد الفاكس السوري وخطوط الهاتف غير الآمنة.

واضطرت السفارة الصينية الى التدخل لإعطاء المراقبين نحو عشرة اجهزة اتصال لاسلكي لمعالجة انهيار قدرتهم على الاتصال مع بعضهم البعض، ومع المقر الرئيس.

وعانى المراقبون، الذين كانوا متمركزين في 15 منطقة من البلاد، نقصا في عدد السترات الواقية من الرصاص او الناقلات المدرعة. ورفضت الوكالات المحلية تأجير سيارات للمراقبين، بعد أن قادتهم مهمة التفتيش إلى وسط أعمال شغب.

ويشير التقرير إلى أن quot;الحكومة السورية وضعت استراتيجية مشددة للحد من وصول اللجنة الى المناطق الأساسية، ولإبقاء المراقبين محاصرين في الأماكن التي تهم الحكومة وتفيدها. لكن المراقبين قاوموا هذا النهج من أجل ضمان تنفيذ مهمتهم على النحو المتوخىquot;.

في الأيام الأولى من عمل لجنة المراقبة في سوريا، احتشد الآلاف من مؤيدي الحكومة حول قافلة البعثة في بلدة اللاذقية وهم يرددون شعارات مؤيدة للرئيس وضد المراقبين، وفقاً لما ورد في التقرير، الذي يشير إلى أن quot;الحشود خرجت عن السيطرة، وهاجمت المراقبين الذين أصيب اثنان منهم بجروح فيما دمرت عربتهم المدرعة تماماًquot;.

قدم وزير الخارجية السوري وليد المعلم اعتذاراً رسمياً لما وصفه التقرير بأنه quot;أعمال مؤسفة وغير متعمدةquot;، واستمر المراقبون بتنفيذ مهمتهم لكن سرعان ما واجهوا مشكلة جديدة.

مهمة بعثة الجامعة العربية، كما يقول الدابي، لا تملك تفويضاً لمعالجة اتساع نطاق المعارضة المسلحة للنظام، ففي حمص ودرعا، تستخدم جماعات المعارضة المسلحة quot;القنابل الحرارية والصواريخ المضادة للدروعquot; ضد القوات الحكومية.

وأضاف التقرير: quot;رصدت البعثة أعمال عنف ضد القوات الحكومية والمواطنين ما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من الناس، ومن ضمنها كان الهجوم على حافلة مدنية ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة آخرين، بمن فيهم النساء والأطفالquot;.

تقلصت أيضا مكانة البعثة على الساحة الدولية من خلال اختيار رئيسها، اللواء الدابي، المستشار المقرب من الرئيس السوداني عمر البشير المطلوب لجرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وشغل الدابي أيضاً منصب ضابط عسكري كبير في دارفور في السودان، في وقت كانت الحكومة تنظم ميليشيا محلية، المعروفة باسم الجنجويد، والتي كانت تشارك في عمليات القتل الجماعي للمدنيين في المنطقة. واستقال عضو من البعثة أنور مالك، وهو جزائري الجنسية، احتجاجاً وقال لقناة الجزيرة ان البعثة كانت quot;مهزلةquot;.

وأضاف مالك: quot;ما رأيته كان كارثة إنسانية. إن النظام لا يرتكب جريمة حرب واحدة فقط، انما سلسلة من الجرائم ضد شعبهquot; مشيراً إلى أن القناصة يطلقون النار في كل مكان على المدنيين، ويجري اختطاف الناس، كما ان السجناء يتعرضون للتعذيب ولم يطلق سراح أحد منهمquot;.

الدابي لم يعلق على ادعاءات مالك، لكن التقرير يشير إلى أن quot;بعض المراقبين فشلوا في الوفاء بالتزاماتهم، وقد اتصلوا بالمسؤولين في بلدانهم ورسموا صورة قاتمة جداً، وهذا أدى إلى سوء فهم وتقدير خاطئ من قبل المسؤولين عن الوضعquot;.

وفي الوقت نفسه، شكك دبلوماسيون أوروبيون برأي الدابي حول الأحداث الجارية في سوريا، بما في ذلك تقرير بعثة المراقبة بشأن مقتل صحافي في التلفزيون الفرنسي. كتب الدابي في تقريره: quot;تقارير البعثة تشير بالفعل إلى أن الصحافي الفرنسي توفي، وأصيب مراسل البلجيكي، وذلك نتيجة للهجمات بقذائف الهاون اطلقت من قبل المعارضةquot;.

لكن مسؤولاً اوروبياً قال ان التقرير لم يشر إلى شهادة صحافيين آخرين في المنطقة، والذين يقولون ان الصحافي اُجبر على الدخول في خط النار من قبل مؤيدين للحكومة. وأشار مصدر دبلوماسي إلى أن quot;المعلومات التي تلقيناها تشير إلى أنهم تعرضوا للرصاص عمداًquot;.
بالنسبة للمراقبين، قال المسؤول انه من الواضح أنه جرى استغلالهم وخداعهم من قبل الحكومة السورية لكسب الوقت لسحق المتظاهرين المناهضين للحكومة وعناصر المعارضة المسلحة.

رفض الدابي هذا القول، بحجة أن بعثة المراقبة أمر حيوي لاستقرار البلاد، على الرغم من أوجه القصور فيها.