هاجم أبو جرة سلطاني رئيس حركة مجتمع السلم بشدة رئيس الوزراء الجزائري السابق رضا مالك، إثر تلويح الأخير بالوقوف في وجه الإسلاميين إذا ما انتصروا في العاشر من أيار/مايو المقبل. ويرى مراقبو الشأن السياسي أنّ فرص الإسلاميين كبيرة لكسب موقعة التشريعيات.


صعود محتمل للإسلاميين الجزائريين

كامل الشيرازي من الجزائر: قرأ أبو جرة سلطاني في تصريحات خاصة لـquot;إيلافquot;، ما يحدث، بوجود ما أسماها quot;نية مبيّتة في الجزائر لمصادرة إرادة الشعبquot; وسط تكهنات باكتساح الإسلاميين للبرلمان المقبل.

ويضيف رئيس حركة مجتمع السلم (حزب إخواني) إنّ قول مالك إنه quot;لا يقبل بفوز الإسلاميين في انتخابات 10 أيار (مايو) 2012 ليقينه بأن جميع الإسلاميين عدوانيون، ولا فرق بين أصولي معتدل وآخر متشددquot;، هو تصريح إستراتيجي، نابع من قناعات مهيكلة، وهو في جوهره ينمّ عن نية مبيتة لمصادرة إرادة الشعب، وإعادة إنتاج سيناريو 1992، في إحالة إلى الذي حصل في 11 كانون الثاني (يناير) إثر إلغاء نتائج الدور الأول للتشريعيات، التي فازت بها آنذاك جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة.

وخاطب وزير الدولة السابق رضا مالك قائلاً: quot;إنّ محاولة قلب الطاولة الديمقراطية في نهاية القرن الماضي قد كلف الجزائر 20 سنة من الدماء والدموع والأرواح والتأخر الفادح في التنمية وضياع الرأسمال الاجتماعي، فاحذر من استخدام مصطلحات الإقصاء الباعثة على توتير الجبهة السياسية، مثل القول فيمن نعتهم بـ(الإستئصاليين): quot;لن نقبل بالإسلاميين، ولن نتركهم يمرونquot;.

يعزز سلطاني قناعته بأنّ الزمن قد تغير، وقد نشأ جيل جديد، لا يؤمن إلاّ بسيادة الشعب، ولا يحتكم إلاّ إلى منطق الصندوق الانتخابي، لأنه الفيصل بين إسلامي واستئصالي ووطني وإصلاحي.

ويلاحظ الحليف السابق للوزير الأول أحمد أويحيى وزعيم حزب الغالبية عبد العزيز بلخادم أنّ العلمانيين تعوّدوا على مثل quot;خرجاتquot; كهذه عند كل موعد انتخابي تلوح من ورائه احتمالات فوز التيار الإسلامي، مشيرًا إلى أنّ رضا مالك معروف لدى الرأي العام الجزائري بمواقفه الراديكالية تجاه الإسلاميين عمومًا، وهو لا يميّز بين معتدل ومتشدد، فعنده كل من ليس علمانيًا فهو quot;إسلاماويquot;، ومن خلال مساره الطويل لم تتغير قناعاته لا في الثورة ولا في حكومة الإستقلال ولا حتى في المعارضة.

رفض سلطاني الطرح القائل إنّ مالك تحدث بصفة شخصية، بل يلمّح إلى كونه تحدث باسم جهة معينة في السلطة. في هذا الصدد، يرى الرجل القوي في حركة السلم أنّ رئيس الوزراء السابق بين عامي 1994 و1995، هو رأس حربة في تيار استئصالي نافذ في دواليب الحكم، وقف في وجه فوز الإسلاميين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المُحلّة سنة 1991، وطوّر خطاب الاستئصال بمقاله quot;حان للرعب أن يغير موقعهquot;، عندما كان رئيس حكومة، واليوم عندما لاحت بوادر نجاح التيار الإسلامي في الجزائر بدأ الاستئصال يتجمع، ويضع سيناريوهات عرقلة وصول الإسلاميين إلى الحكم، بدءًا من إثارة مخاوف الرأي العام في الجزائر، وصولاً إلى إعادة إنتاج أطروحات الإسلاموفوبيا.

الديمقراطيون quot;أقليةquot; وتصريحاتهم quot;زوبعة في فنجانquot;
في سياق متصل، يرى مراقبو الشأن السياسي في الجزائر، أنّ فرص الإسلاميين كبيرة لكسب موقعة التشريعيات، حتى في ظلّ غياب قوى إسلامية لها وزنها.

وإذ يصفون هؤلاء الديمقراطيين بـquot;الأقليةquot;، ويعتبرون حراكهم quot;زوبعة في فنجانquot;، فإنهم لا يعلقون في تصريحاتهم لــquot;إيلافquot;، آمالاً كبيرةعلى الانتخابات المقبلة، بدعوى عدم تشكيلها منعرجًا حقيقيًا نحو التغيير، واجترارها quot;ممارسات التضخيم والتزويرquot;.

ويذهب المحلل السياسي المتخصص حسين بولحية إلى أنّ الاقتراع الأول في الجزائر هذا العام سيؤول إلى مصلحة الإسلاميين، لكنه يستبعد إحرازهم الغالبية، لاعتبارات معروفة، أبرزها انقسامهم وتشتتهم، منوّهًا بأنّ الموعد المرتقب بعد 78 يومًا من الآن سيشهد غياب فريقين من الإسلاميين، ويتعلق الأمر بقوى تعرّضت للتغييب، وأخرى فضّل عرّابوها عدم المشاركة لقناعتهم بانتفاء جدواها.

ويُسقط بولحية صحة ما يُروّج عن قدرة الفصيل الديمقراطي على ترجيح الكفة وهزم الإسلاميين، معتبرًا ما ورد على لسان رئيس الوزراء الجزائري السابق رضا مالك بشأن quot;عدم قبوله فوز الإسلاميين في الاقتراع المقبلquot; فاقدًا لمعناه، طالما أنّ الرجل الذي انسحب من الساحة السياسية المحلية في 21 كانون الثاني/يناير 2009، صار quot;منتهي الصلاحيةquot; على حد تعبيره، ولا يمثل جهة ذات فعالية في البلاد.

بدوره، يؤيد عبد القادر تواتي رأي بولحية، ويعزو الصعود المحتمل لنجم الإسلاميين إلى معطيات تفرض نفسها، كتغيّر مواقف الغرب إزاء التيار الإسلامي، وما تعيشه المنطقة العربية من رياح التغيير، إلى جانب تنامي الوعي بحتمية التغيير تأثرًا بالأشقاء والجيران، الذين طرق ربيعهم أبواب الجزائر الشرقية بقوة، ودقها دقًا عنيفًا، أسمعت دقاته من به صمم كما يقول.

في ظل هذه المتغيرات الجذرية، فإنّ تواتي يستبعد قدرة من يوصفون بـquot;الإستئصاليينquot; ndash; في إشارة إلى رموز الديمقراطيين - على تكرار تجارب الماضي بحذافيرها، رغم استماتتهم في التأثير على مواطنيهم عبر تخويفهم من بعبع الإسلاميين بانتقاء بعض أحداث العشرية الحمراء والتسويق لفكرة أن quot;جميع الإسلاميين عُدوانيون، ولا فرق فيهم بين أصولي معتدل وأصولي متشددquot;، أو تسخير بعض الجيوب الإدارية الموالية لهم من أجل التزوير، أو إطلاق تصريحات إعلامية مثيرة، وسط يقين الشارع المحلي بفوز الإسلاميين وفق نسب معينة.

إلى ذلك، يؤكد صلاح الدين سيدهم على أنّه من المبالغة إعطاء أهمية لما يصدر من quot;ديمقراطيين ليس لهم وزنquot;، معتبرًا أنّ رضا مالك، الذي أعطى إشارة الانطلاق لسياسة الاستئصال في أواسط تسعينيات القرن الماضي بتوليفة: quot;الخوف لا بد أن يغيّر المعسكرquot;، يحاول هو وأقليته النخبوية ndash; يضيف سيدهم ndash; تنصيب أنفسهم أوصياء على الشعب الجزائري، الذي يعتبرونه (متخلفًا)، ويريدون أن يفرضوا عليه رؤيا تنصّ على إقصاء شريحة كبيرة من الجزائريين.

ويشدّد سيدهم على أنّ ديمقراطيي بلاده لا يمتون بصلة إلى الديمقراطية بمفهومها النبيل؛ بانتمائهم إلى quot;أقلية نخبوية منسلخة عن الشعب متجهة للإقصاءquot; مثلما قال، وها هم الديمقراطيون ndash; على لسان رضا مالك ndash; يهددون بالمصادرة مجددًا.

بيد أنّ سيدهم لا يتفق مع بولحية وتواتي، ويقدّر أنّه في ظل ما يصفه quot;نظام فاقد للشرعية ومؤسسات مفبركةquot;، لا يمكن التنبّؤ بفوز أي تيار سياسي بما يسمّيها quot;المهزلة الانتخابيةquot;؛ معتبرًا أنّ ثلاثية (ديمقراطيون مزيفون، إسلاميون مزيفون، وطنيون مزيفون) تيارات مزيفة، لا تمثل المجتمع، وسط غياب معارضة حقيقية موحدة وبدائل للتغيير.

ويعتقد سيدهم أنّ السيناريو سيكون شبيهًا بما يحدث في المشرق وفي المغرب بواجهة مزيفة، فإذا كانت الانتخابات الحرة والشفافة في تلك البلدان هي التي سمحت للديمقراطيين والإسلاميين الحقيقيين بالوصول إلى سدة الحكم، ففي الجزائر ستتولى (مخابر الشرطة السياسية) على حد قوله، تمكين إسلاميين وديمقراطيين مزيفين من الوصول إلى حكم مزيف، رغم نسبة المقاطعة، التي ستكون مرتفعة، بحسب توقعاته، لكن سيجري في تصوّره quot;تضخيمها بشكل يتقبلها الرأي العام العالميquot;.