عراقية تبيع السجائر على قارعة الطريق

يعتبر ثمن التبغ المنخفض في العراق من أهم أسباب ارتفاع نسبة المدخنين التي تصل إلى 40 %، رغم فرض قانون حظر التدخين في الأماكن العامة ووسائل النقل، إلا أن البعض لا يلتزمون به إذ سبب تراجعا ملحوظا ونفورا لدى الزبائن.


بغداد: تشير الإحصائيات الأخيرة، إلى أن نحو 40 % من العراقيين هم من المدخنين، يجدون ضالتهم في المتعة بالدخان، في سوق كبيرة تحتوي على أنواع لا حصر لها من السجائر، ومن مصادر مختلفة بعضها يدخل العراق من دون تراخيص رسمية وبلا فحوصات او رقابة، كما ان بعضها منتهي الصلاحية، حيث إن ثمنه القليل يسهل على المستهلك الإدمان.

ويشير الخبير الاقتصادي سالم عبيد إلى أن عدم فرض رسوم على مستوردي الدخان يجعل من العراق مستهلكا كبيرا للتبغ، حيث إن الأسعار رخيصة جدا قياسا إلى دول الجوار. ويقترح عبيد فرض رسوم على المدخنين بغية حثهم على ترك السيجارة.

وتغزو العراق أنواع عديدة من السجائر، من شتى المناشئ والماركات، الكثير منها بضاعة مقلدة تفتقر إلى الشروط الصحية اللازمة.

قانون الحظر

وفي الوقت الذي أعلنت فيه السلطات العراقية عن حظر للتدخين في الدوائر والمؤسسات الحكومية والأماكن المغلقة مثل الكازينوهات والمطاعم مؤخرا، فإن خبراء الصحة ومواطنين يرون ان قانون الحظر لن يحقق نجاحا اذا لم يتزامن مع حملة توعية شاملة تهيئ المدخن نفسيا للتخلي عن السيجارة .

وكان مجلس النواب العراقي وافق أواخر الشهر الماضي على قانون يحظر التدخين في الأماكن العامة بعد إقراره قانونا يكافح التدخين. وتنص المادة 4 من القانون على منع التدخين داخل مباني الهيئات الرئاسية والوزارات والدوائر والمؤسسات التعليمية والتربوية والصحية والمطارات والشركات والمصانع في المحافظات كافة، والمسارح ودور العرض والفنادق والنوادي والمطاعم وقاعات الاجتماعات والمناسبات ومكاتب العمل والأسواق التجارية، بالإضافة إلى منعه داخل وسائل النقل العام والخاص الجماعية البرية والبحرية والجوية في الرحلات الداخلية والخارجية ومحطات الوقود كافة.

وتنص المادة 5 من القانون، على تخصيص مواقع خاصة للتدخين في الأماكن المنصوص عليها في المادة (4) من هذا القانون بمواصفات معينة .

ويرى الطبيب احمد مظهر، أن حظر التدخين بقانونصارم وبحزمة واحدة، سيواجه تحديا وعدم اعتراف من قبل المدخنين. ويتابع: هناك مؤشرات قوية إلى أن القانون سيبقى حبرا على ورق.

عدم الالتزام بالقوانين

ويشير صاحب مطعم (خمس نجوم) في كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) كريم حسن إلى ان حظر التدخين داخل مطعمه يقلل عدد الزبائن ولهذا يضطر إلى عدم الالتزام بالقوانين.

وحاول حسن في مرات سابقة الالتزام بذلك، لكنه أصيب بالإحباط حين اكتشف أن عدد المدخنين الذين يقصدون المطعم أكثر بكثير من الذين لا يدخنون.

لكن قاسم السلطاني وهو مدير مدرسة في المحمودية ( 15 كلم جنوب بغداد) يرى ان القانون ترك آثارا ايجابية في الوسط التدريسي، حيث التزم المعلمون والإداريون بالحظر. ويتابع: ينجح حظر التدخين في الأوساط الأكاديمية والمتعلمة اكثر من نجاحه بين الأوساط الشعبية.

وأدمن السلطاني التدخين منذ عشرين عاما وما زال مستمرا إلى الآن، ويقول: يبدو منظرا سيئا، جلوس مدير المدرسة في غرفته مدخنا امام الكادر التدريسي والطلاب. ويشير السلطاني إلى ان بعض المدرسين والمعلمين يدخنون في الفصل الدراسي او عند الفصل ما يجعلهم قدوة في العادات السيئة بالنسبة إلى طلابه.

ووصل الاستمتاع بالتدخين ان بعض المدرسين يجلسون على مصطبة واحدة او في مقهى واحد مع طلبتهم لغرض تدخين السجائر أو الاركيلة وتجاذب أطراف الحديث.

انخفاض الأسعار

ويحصي البائع حسين شامل نحو عشرين نوعا يتداولها على ( بسطته ) في مركز مدينة الكرادة في العاصمة العراقية.

ويقول حسين إن انخفاض سعر السجائر في العراق، قياسا إلى أسعارها في الدول المجاورة يجعلها في متناول الكثيرين لا سيما الفتيان المراهقين والشباب. وبينما يبلغ ثمن علبة سجائر نصف دولار فقط داخل العراق، فإن سعر العلبة نفسها في الأردن يبلغ خمسة أضعاف كما تباع المادة نفسها في لندن بسبعة دولارات.

وبحسب الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية العراقية عبد الحسين جبر رشيد المباركة فان الاسواق المحلية تتوفر على نحو 126 نوعا من السكائر.

ويحذر الخبير الصحي توفيق الياسري من ظاهرة الترويج لأنواع السجائر في العراق، لافتا إلى لوحات الإعلانات الكبيرة التي تشجع على شراء الدخان من دون ان يكون الدافع البيئي والصحي رادعا لذلك. ويتابع: ينتج المدخن في الثانية الواحدة نحو 6 آلاف مليون ذرة تتراوح أحجامها بين الواحد إلى الستة ميكرون.

ويعبر سائق سيارة التاكسي عادل حسن من بغداد عن انزعاجه الشديد من الزبائن المدخنين. ويتابع: انا لا أدخن، واستنشاق الدخان يسبب الصداع وضيق التنفس، ما اضطرني إلى تحذير الراكب من التدخين. ويتابع: علقت الأسبوع الماضي على الزجاج الأمامي للسيارة عبارة تشير إلى منع التدخين داخل السيارة، لكن ذلك أدى إلى نفور الزبائن.

تجارة التبغ

و يستورد العراق سنويا أنواعا لا حصر لها من السجائر والتبغ بميزانية تقدر بالمليارات من الدولارات سنوياً.

وما يساعد على انتشار تجارة التبغ، عدم فرض ضرائب عالية على الاستيراد ما يشجع التجار على شراء المزيد.

ويشير الباحث الاجتماعي سعد فليح إلى انتشار التدخين بين الأطفال والفتيان، وصعوبة تطبيق الحظر بين أوساطهم لانهم يدخنون في الغالب دون علم الأهل.

وينظر المدخن سعيد فاضل ( 30 سنة ) بقلق إلى الفلتر الأبيض في نهاية السيجارة، وقد أصبح أسود قاتما بسبب النيكوتين، لكنه لا يستطيع مقاومة إغراء التدخين وهو يسحب الدخان إلى صدره.

وينفث في أجواء العراق يوميا سحابات كثيفة من دخان السجائر مسببة زيادة هائلة في تلوث الأجواء.

ويحدق ليث جبار في الفضاء وهو ينفث دخان السيجارة إلى الأعلى، حيث يقول إن تعوّده على التدخين بدأ في سن المراهقة. ويقول: تعلمت التدخين على يد زميل لي في المدرسة وتطور الأمر من تدخين عدد من السجائر إلى علبة كاملة.

أعقاب السكائر

ويلاحظ المتجول في مراكز المدن، الأعداد الهائلة من أعقاب السجائر والعلب الفارغة المرمية في الشوارع والتي تعد مؤشرا على حجم الإدمان على التدخين بين العراقيين.

ويعترف المدرس والباحث التربوي محمد حسين بمعاناة اغلب المدارس في العراق، من تدخين الطلاب من الذكور وبدرجة اقل الإناث.

ويمكنك بسهولة أن ترى في العراق موظفا يدخن بين زملائه أو أمام المراجعين.

لكن المدمن على التدخين ليث كامل (28 سنة) يرى ان ذلك لن يجدي نفعا، ومن وجهة نظر شخصية، فانه سيستمر في التدخين طالما أمكنه شراء التبغ من الأسواق.

وطوال عقود ظل المجتمع العراقي المحافظ ينبذ عادة التدخين ويعتبرها مؤشرا لا أخلاقيا يتوجب مكافحته.

ويتذكر أبو مريم كيف ان الشخص المدخن كان يعدّ صديق سوء ويمنع الأهل ابنهم في أكثر الأحيان من مصاحبته.

ويرى الباحث الاجتماعي كريم قاسم إلى ان التحول الخطير في الظاهرة، يكمن في انتشار مقاهي الأرجيلة التي حولت الشباب إلى مدمني تدخين أكان تدخين السجائر أو الشيشة.

وبحسب تقارير علمية فان حوالى ستة آلاف مركّب سام يستنشقها الشخص المدخن مع كل نفس للسيجارة، حيث يعيد المدخن نفثه في الهواء، مصحوبا بغاز ثاني اوكسيد الكاربون.