الاجتماع الأخير لوزراء خارجية الدول المغاربية في الرباط

يبدو أن الدولة المغربية، وبعد اعتماد دستور تموز (يوليو) 2011، قد حسمت موقفها من تسمية quot;المغرب العربيquot;، وتركتها إلى غير رجعة، بكل ما حملته العبارة من إيحاءات، ليس أولها إنكار التعدد الثقافي للمجتمع المغربي، إضافة إلى تواجد العنصر الأمازيغي كأحد مكوناته الأساسية، كما هي بالنسبة إلى باقي المجتمعات المغاربية الأخرى.


الرباط:يرى محمد الشامي، الباحث الجامعي المهتم بالثقافة الأمازيغية، ورئيس كنفدرالية جمعيات الشمال في المغرب، أن مسألة تسمية quot;المغرب العربيquot;، التي لا تلقى ترحيباً منذ زمن من قبل العديد من المدافعين عن الثقافة الأمازيغية، quot;لا تنحصر على مستوى الأمازيغيين فقط، بل إنها مطلب كل الديموقراطيين، سواء في المغرب أو الجزائر أو تونس أو غيرهاquot;.

وأضاف الشامي لـquot;إيلافquot;: quot;إن هناك من لا ينطقون بالأمازيغية، ولا يدّعون أنهم أمازيغيون، ولكن كمثقفين ديموقراطيين، يحددون المسألة من خلال اعتبار ضرورة إيجاد المصطلح، الذي يعبّر حقيقةً عن التعدد وعن الجميع، وأن مجمل القضية يتعلق في أن يكون الإنسان ديموقراطياً أم غير ديموقراطيquot;.

وأوضح العضو السابق في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية: quot;لا يتعلق الأمر فقط بمطلب خاص بالأمازيغيين، بل إنه تم نتيجة إجماع مغربي، كي لا يتم اختزال المسألة في إثنية واحدة أو مجموعة فقطquot;، على حد تعبيره.

واستبدلت عبارة quot;اتحاد المغرب العربيquot; بكلمة quot;الاتحاد المغاربيquot; في مسودة الدستور المغربي، الذي تمّ الاستفتاء عليه في تموز (يوليو) الماضي، في إشارة قوية من المجتمع المغربيإلى الاعتراف بالثقافات المتعددة للمغرب الكبير، الذي يضم إضافة إلى المغرب، دول الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا.

واعتبر الشامي، أن الديموقراطية تقتضي التعبير عن التعدد والاعتراف به. وقال لـquot;إيلافquot; في سياق حديثه عن المجتمعات المغاربية: quot;نحن وسط شعوب متعددة في ثقافتها وفي ألسنتهاquot;، وquot;بالتالي وجب الاعتراف بهذه المعطيات الثقافية والتاريخية كلهاquot;.

وعاتب الإيديولوجية العربية قائلاً: quot;إن مسألة وضع الناس في خانات مسألة معروفة في الإيديولوجية العربيةquot;. واعتبر الباحث أنه ينبغي للإطار المغاربي أن يكون واضحاً.

وقال: quot;إما أنه يصلح للجميع، وإما أن القصد منه ليس العربي فقط، ولكن التعدد ينبغي أن يكون ضمنياًquot;، قبل أن يعلق على تسمية quot;المغرب العربيquot;: quot;ليس الاسم هو الذي يستوعب الديموقراطيين، الذين يعبّرون عن التعدد ويختزلهم، بل العكس هو الصحيحquot;.

وأشار إلى أن التعددية الثقافية واللغوية ليست مغربية فقط، بل إنها موجودة في الجزائر وتونس وليبيا، وحتى في مصر ومالي والنيجر وبوركينا فاصو وجزر الخالدات، quot;ومعناه إنقصدنا منطقة الساحل الأفريقي والمغرب الكبير فهو أوسع بكثير مما يسمى بالمغرب العربيquot;.

واعتبر الباحث أن الاتحاد المغاربي quot;حتمية تاريخية، مهما كان الاسم الذي سنسميه بهquot;، وأن هناك أملاً كبيراً في أن يتحقق اتحاد مغاربي، في ظل الحراك الحالي الذي اعتبره مصيرياً.

وقال موضحاً: quot;إنه لا يمكن، كتكتل أن يتفاوض مع أوروبا، وحتى مع الأفارقة ولا حتى مع الشرق، في غياب تكتل اقتصادي واجتماعي وسياسي مغاربيquot;.

واعتبر أن ما يحدث الآن من حراك معطيات إيجابية، تخدم اتجاه الوحدة المغاربية، معتبراً أن الشعوب (من دون صفة عربية) بلغت درجة من الوعي، quot;ولا وجود بعد الآن لهيمنة الإيديولوجيا القديمة، فالكل الآن مبني على الديموقراطية والاقتصاد، وعلى الاعتراف بالتعدد الثقافي وعلى الاحترام وعلى الدقةquot;.

استعمال عبارة المغرب العربي مسّ بمكاسبنا

من جهة أخرى، اعتبر أحمد عصيد، المسؤول في المرصد الأمازيغي، أن السبب الذي يجعل الفاعلين الأمازيغيين لا يرتاحون إلى هذه المفاهيم الاختزالية، في إشارة إلى تسمية المغرب العربي، هو طبيعة خطابهم التعددي، الذي يقوم أساساً على فكرة التنوع والاختلاف، الذي هو حقيقة المغرب عبر تاريخه.

وقال لـquot;إيلافquot;:quot;اعتبرنا أن إنصاف الأمازيغية وإعادة الاعتبار إليها مرتبطان بضرورة تغيير المفاهيم المستعملة في عالم الفكر، وهو جزء من المنظومة الفكرية والسياسية للمغربquot;.

ويرى الباحث المهتم بالثقافة الأمازيغية أن الكلمات المستعملة في الفكر والسياسة تدل على واقع وعلى نهج واتجاه فكري وسياسي.

وأوضح: quot;عندما نقول المغرب العربي، نقصد بذلك أن هناك وطناً عربياً له مشرق ومغرب، وكله وطن للعرب، وهذا ما نرفضه رفضاً باتاً، لأننا نعتبر أن هذه البلدان التي تسمّى وطناً عربياً هي مجتمعات ودول قائمة بذاتها، وداخل كل دولة يوجد تنوع ومكونات إثنية ولغوية وثقافية، تشكلت عبر التاريخ، وطبعت بخصوصيتها شخصية كل بلد، فالأكراد طبعوا شخصية العراق وسوريا، كما إن الأقباط طبعوا تاريخ مصر، كما إن الأمازيغ طبعوا شخصية شمال أفريقيا من مصر إلى المغرب وجزر الكناري / الجزر الخالداتquot;.

واعتبر أن الاستمرار في استعمال عبارة المغرب العربي quot;مسّ بمكاسبنا التي حققناها خلال العشرية الأخيرة، وهي مكاسب تسير في اتجاه الاعتراف بالتنوع وتدبيره بعقلانيةquot;.

وقال لـquot;إيلافquot;: quot;المغرب بلد تعددي، وهذه التعددية طبعت تاريخه وحضارته واستطعنا أن نقنع الطبقة السياسية والمجتمع في المغرب بإدخال مفاهيمنا في الدستور، فالخطاب الموجود الآن في الدستور المغربي هو خطاب الحركة الأمازيغية منذ أكثر من 45 سنة، وهو الخطاب الذي يقول إن هوية المغرب لها أبعاد متعددة، وتحدثنا قبل أربعين سنة عن البعد العبري والبعد الأفريقي والبعد الأمازيغي والعربي والإسلامي والأندلسيquot;.

الاتحاد المغاربي المنشود

للإشارة، عادت مشكلة تسمية تكتل الدول المغاربية إلى واجهة الأحداث خلال اجتماع وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي المنعقدأخيرًا في الرباط، إثر اقتراح وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي سعد الدين العثماني على وزراء خارجية تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا استبدال اتحاد quot;المغرب العربيquot; بـquot;الاتحاد المغاربيquot;، قبل أن يأتي الرد من وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام على مقترح العثماني بقوله إن نعت quot;العربيquot; في اتحاد الدول المغاربية ليس عرقياً، بل هو نعت جغرافي ولغوي، وهو ما أثار حفيظة الاتجاهات الأمازيغية، التي quot;استغربتquot; رد وزير الخارجية التونسي.

وقال المرصد الأمازيغي في بيان له، وهو هيئة مغربية غير حكومية، إن ما ذهب إليه وزير الخارجية التونسي يُعدّ من quot;الأمور الغريبةquot;، التي تدلّ على مدى رسوخ quot;عقلية التمييز لدى بعض المسؤولينquot;، ومدى quot;ضعف إلمامهم بثقافة البلدان المغاربية التي يتحدثون عنهاquot;، موضحاً أن النعوت الجغرافية معروفة، وهي التي تحيل على الإطار الجغرافي المادي، وليس على الإنسان، أو على أي من ممتلكاته الرمزية.

واعتبر بيان المرصد أن استعمال الوزير التونسي للفظة quot;لغويquot; يضعه في quot;ورطةquot;، لأن العربية في اعتقاد مسؤولي المرصد ليست اللغة الوحيدة في شمال أفريقيا، quot;بل حلّت بهذه الربوع المغاربية، الأمازيغية، لغة السكان الأصلية، وتفاعلت معها عبر العصورquot;، مشيراً إلى أن رفض وزيري تونس وليبيا لمقترح الوزير المغربي يتعارض مع روح الثورات المغاربية والانتفاضات الشعبية، التي شهدها هذان البلدان، وأن تحفظ الوزير الجزائري يتعارض مع ما ينصّ عليه الدستور الجزائري، الذي يقرّ باللغة الأمازيغية كلغة وطنية لكل الشعب الجزائري.