طرابلس: حتى اليوم لم تتبن ليبيا الجديدة قانونا ينظم تشكيل الأحزاب السياسية، لكن الشخصيات السياسية والعسكرية الليبية لا تألو جهدا في اطلاق تحالفاتها وتجمعاتها. واطلقت طرابلس رسميا امس الاثنين حزبان، احدهما وسطي والآخر يرأسه قائد لاتحاد الكتائب الثورية الى جانب حزب ثالث يركز على الاصلاح الثلاثاء.

وتعد هذه خطوات حاسمة على طريق التنمية السياسية في بلد منعت فيه لعقود مضت مختلف انواع التنظيمات السياسية تحت القبضة الحديدية لنظام معمر القذافي الذي اطاحت به ثورة شعبية نهاية العام الماضي. وحضر اكثر من الف شخص الاثنين حفلا فخما لاطلاق حزب quot;التيار الوطني الوسطيquot; الذي يرأسه وزير النفط والمالية الليبي السابق علي الترهوني، وقدمت لهم معلومات حول الحزب واهدافه.

ويركز برنامج الحزب، وهو جزء من ائتلاف سياسي اعلنه رئيس الوزراء الليبي السابق محمود جبريل الاسبوع الماضي، على التعليم وتوفير الفرص الاقتصادية للرجال والنساء.

وتقول احلام الحاج العضو في حزب quot;التيار الوطني الوسطيquot; لوكالة فرانس برس ان quot;وجود حزب وسطي سيساعد في حماية حقوق المرأة وتمكينهاquot;، مضيفة انه من الممكن ان يواجه حركات لديها تفسيرات اكثر تشددا للاسلام.

من جهته، قال الترهوني لفرانس برس على هامش حفل اطلاق حزبه quot;نحن في الوسط ونعارض اي تطرفquot;، معربا عن أمله بان ينمو الحزب كحركة شعبية. ووصف الكثير من النشاط السياسي الحالي بانه quot;ضجيجquot;، متوقعا ان تختفي التجمعات السياسية الصغيرة او تندمج في اخرى اكبر قبل الانتخابات المقررة في حزيران/ يونيو المقبل.

واعتبر الترهوني ان quot;ما يلفت النظر هو وجود كل هؤلاء الناس الذين يتعلمون اللعبة السياسية ويتقاتلون فيما بينهمquot;، مشيرا الى ان quot;تسعين بالمئة من السكانquot; ما زالوا مرتبكين وخارج العملية. واعرب الترهوني عن امله بأن يحظر اي قانون جديد لتنظيم الاحزاب السياسية بشكل تام quot;التمويل الخارجيquot; وquot;يحد من دور المال في السياسةquot; لما لذلك من آثر قد تكون quot;مدمرةquot;.

من جهة اخرى، اطلق عبد الله ناكر الذي يرأس اتحاد الكتائب الثورية ومقره طرابلس حزب quot;القمةquot; خلال تجمع صغير عزفت خلاله فرقة موسيقية النشيد الوطني الليبي الجديد. وباطلاق الحزب يعتبر ناكر اول عسكري ينخرط بمعترك السياسة متخليا عن العسكرية.

وتتحول الاحزاب الناشئة عادة الى الوية منظمة مناطقيا اوحتى نواد رياضية لانصارها. وكعشرات الأحزاب الاخرى التي تشكلت في الأشهر القليلة الماضية، يعتبر حزب القمة الاسلام دين الدولة والمصدر الرئيسي للتشريع فيها، لكنه يستوعب الديانات الاخرى.

وحتى الآن لا توجد اجراءات رسمية لتسجيل الاحزاب الجديدة او معايير لتوجيهها. لكن المجلس الوطني الانتقالي الذي يحكم ليبيا لا يشجع على تشكيل احزاب تعتمد على الكتائب الثورية في دوائرها الانتخابية، ويمنع افراد الجيش الوطني من دخول عالم السياسة.

ويقول محمد الحريزي الناطق باسم المجلس، انه quot;لا يمكن للعسكريين ان يشكلوا احزاباquot;، موضحا ان ذلك ينطبق على افراد الجيش لكن ليس بالضرورة على قادة الكتائب مثل ناكر لانهم كانوا مدنيين قبل 2011.

ويضيف quot;لا ننصح قادة الثوار بتشكيل الأحزاب على الرغم من انهم مدنيين ايضا، لكن ننصحهم بالانضمام للجيش او تسليم اسلحتهم والعودة الى الحياة المدنية، عندها يمكن لهم انشاء احزاب سياسيةquot;. وما يثير مخاوف هادي شلوف، احد مؤيدي حزب quot;القمةquot;، هو عدم وجود سلطة قضائية مستقلة لمراقبة العملية السياسية.

وقال شلوف، خلال حفل اشهار الحزب في طرابلس، quot;نحن بحاجة الى جهاز قضائي مستقل لمراقبة تشكيل الأحزاب وانشطتهاquot;، كما كان الحال في المانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية حين منع النازيون من تشكيل جمعيات سياسية.

ويشعر آخرون بالقلق من ترك الغالبية العظمى من المدنيين خارج العملية بما يجعل نظرتهم سلبية تجاه الاحزاب. وقد الغى المجلس الوطني الانتقالي الشهر الماضي قانونا مطبق منذ عام 1972 يجرم تشكيل الأحزاب السياسية في ليبيا.

وقال صحافي ليبي quot;لسنا مستعدين للانتخابات حتى الآن، فالناس لا يزال لديها انطباع (منذ عهد القذافي) بأن الأحزاب شريرة، ويفضلون التصويت لأفرادquot;. اما محمد ابو صالح الذي يعمل في قطاع التعليم، فيأسف لقلة المعلومات المتوفرة لليبيين الذين يسعون لمعرفة المزيد عن التنمية السياسية في بلدهم.

لكنه يصر على ان المخاوف من عصبية قبلية لا أساس لها. ويرى ان quot;كل الاطراف الآن ضد منطق القبلية ويؤيدون الوحدة الوطنيةquot;.