القاهرة:جاءت الخطبة التي ألقاها قبل عدة أيام إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة بقطاع غزة، في الجامع الأزهر لتحظي بكثير من الأهمية بالنسبة للأزهر، مسجداً وجامعةً. حيث رأت اليوم تقارير صحافية أميركية أن هذا التحول جاء ليؤكد على عودة الأزهر إلى مساره الصحيح باعتباره المنبر الأبرز للإسلام السني في العالم.

وأوردت في هذا الصدد صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن عدد من المصلين الذين قُدِّرت أعدادهم بالآلاف وتوافدوا في ذلك اليوم للإنصات إلى كلمات هنية تأكيدهم على تلك الحقيقة، بعدما ظل الأزهر أسيراً لحكومات مصرية استبدادية طوال عقود.

وأضافت الصحيفة إن وجود هنية، الذي كان ممنوعاً، جاء كدليل على أن الأزهر قد تم تحريره. ونقلت في هذا الإطار عن شخص يدعى ياسر عبد المنعم، 32 عاماً، قوله :quot;الأزهر كان مغطى بالتراب من قبل، وقد نجحنا الآن في إزالة هذا التراب لإظهار معدنه الحقيقيquot;. فيما ذهب آخرون إلى القول إن تلك الخطبة التي ألقاها هنية في أواخر الشهر الماضي كانت دليلاً على شيء أكثر شؤماً تمثل بحدوث نتائج ضارة للثورة استندت على تعطش للحرية وإن تم تجاوزه بتوق لعقيدة دينية متشددة.

وأعقبت الصحيفة بقولها إن نسيم الحرية بدأ يلقي بظلاله على كل شيء تقريباً في مصر، بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) عام 2011 في الإطاحة بنظام الرئيس السابق مبارك. لكنها أشارت إلى أن النضال الذي تم خوضه من أجل إبراز روح الأزهر قد حمل صدى خاص في القاهرة وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي.

ففي الوقت الذي يشهد فيه الشرق الأوسط نقاشاً محتدماً بشـأن الدور المناسب الذي يمكن أن يلعبه الدين في الحياة العامة، فإن الأزهر بصدد التمتع بنفوذ كبير فيما يتعلق بالطريقة التي يتم من خلالها تطبيق الإسلام السياسي في كافة أرجاء المنطقة.

وتابعت الصحيفة بلفتها إلى المناورات التي تحاول أن تخوضها الآن قوى محسوبة على التيارين الديني والسياسي في مصر من أجل التأثير على الأزهر. وبعد تحدثها عن عراقة الأزهر، منذ أن تم تأسيسه في القرن العاشر، ودورها الذي لا يوجد له مثيل فيما يتعلق بتعزيز الفكر الإسلامي والتوجيه في فهم العقيدة وتعليم الملايين عبر ناظمه التعليمي والجامعي المميز، مضت الصحيفة تبرز دوره في العصور الحديثة في مواجهة التفسيرات المتطرفة للإسلام، وإدانة الهجمات الإرهابية، والتصديق على منح حقوق أوسع في النطاق للسيدات، وتكوين علاقات مع الأقلية المسيحية.

ومع هذا، لم تغفل الصحيفة أن تشير إلى أن سمعة الأزهر قد تم تلطيخها أيضاً خلال العقود الأخيرة، نتيجة لارتباطه بسلسلة من القادة المصريين الذين كانوا يستغلون سمعة المؤسسة الطيبة لمباركة سياساتهم دينياً. كما لفتت الصحيفة إلى أن الإمام الأكبر، أو شيخ الأزهر، يتم تعيينه بشكل مباشر من جانب الرئيس منذ العام 1961. حتى بات الأزهر، في نظر كثير من المصريين، مجرد وسيلة من وسائل هيمنة الدولة.

وفي أعقاب الثورة، تولد اتفاق واسع النطاق بين الساسة في مصر على أن الأزهر بحاجة لمزيد من الاستقلال. وبالفعل، نوهت الصحيفة إلى أن هناك أدلة على وجود مثل هذا التحول، وأن ذلك من الممكن أن يذهب لما هو أبعد من ذلك بكثير. وتابعت الصحيفة بحديثها عن شيخ الأزهر الحالي، أحمد الطيب، الذي سبق له الدراسة في جامعة السوربون، ودعمه لأهمية الحوار بين الأديان، والمعروف بفتاويه التقدمية نوعاً ما، لكنه كان عضواً بالحزب الوطني الديمقراطي المنحل وتم تعيينه من جانب مبارك نفسه.

وقبل بضعة أيام من عقد البرلمان لأولى جلساته، صادق قادة المجلس العسكري في مصر على قانون يسنح بتكوين لجنة من العلماء تعني باختيار الإمام الأكبر، وإن كان ذلك سيسمح بالفعل للطيب باختيار اللجنة. وقال هنا ساسة من حزبي النور والإخوان، الذين يرفضون الاصطدام بقادة الجيش في كثير من القضايا، إنهم سيتصدون لهذا الأمر.

وقال محمد نور، متحدث باسم حزب النور: quot;تحرير مؤسسات الدولة كالأزهر هو أمر أكثر أهمية بالنسبة لنا من الانتخابات الرئاسية أو إعادة صياغة الدستور. فالتأكد من استقلالية المؤسسة التي تحدد ما هو إسلامي وما هو غير ذلك هو أمر في غاية الأهميةquot;.
وفي مجمع المكاتب الجديد للإمام الأكبر في وسط القاهرة، أكد مستشارو شيخ الأزهر أن طريقة تفكيرهم باتت مهددة. وأضاف في تلك الجزئية محمد المهنا، وهو أستاذ قانون يعمل كمستشار لدى الإمام الأكبر:quot;مما لا شك فيه أن الأزهر مستهدف. والتحدي قادم من تيارات دينية جديدة تحظي بشعبية في الشارع، لكنها مخطئة من الناحية العلمية ومختلفة عن مدرسة الفكر المعتدل المعمول بها في الأزهرquot;.