ما لم يتحقق على أرض المعركة نادرًا ما يمكن تحقيقه على طاولة المفاوضات. ويرى مراقبون أن الحقيقة القاسية التي تواجه المعارضة السورية تتمثل في أن نظام الرئيس بشار الأسد لم يُهزم على أرض المعركة ولا انهياره يبدو وشيكًا.
منزل مشتعل في حي الخالدية بعد تعرضه للقصف |
كان المبعوث الدولي كوفي أنان أعلن يوم الاثنين أن الأسد وعد بالشروع في تنفيذ جانب من خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة بسحب القوات والأسلحة الثقيلة من مدن تشكل معاقل للمعارضة ابتداء من 10 نيسان/ابريل.
وردًّا على ذلك لم يكن لدى القوى الغربية سوى التحذير من quot;عواقبquot; التخلف عن تنفيذ الوعد دون أن تحدد طبيعة هذه العواقب، مع التذكير بسجل الأسد في النكث بالوعود. ولم تكن شكوك الناشطين المعارضين على الأرض مستغربة ولكنها هي أيضا لم تلق آذانا صاغية. فالمعارضة نفسها لم تكن طرفا في صوغ خطة أنان، وهذا بحد ذاته يعكس ضعفها النسبي في اصطفاف القوى حاليا، بحسب المراقبين. مشيرين إلى أن إعداد استراتيجية ردا على الأسد هو على ما يبدو مهمة القوى الغربية والعربية التي تدعم المجلس الوطني السوري. وبعد مؤتمر اصدقاء سوريا، الذي انتهت اعماله في اسطنبول يوم الأحد دون نتائج حاسمة، لا يبدو أن هذه القوى توصلت إلى توافق استراتيجي.
ولعل نظام الأسد يشعر بالارتياح في الواقع إلى الوضع الحالي. فإن خصومه في الخارج لم يتمكنوا من منع قصفه الوحشي للمدن التي كان يسيطر عليها مقاتلو المعارضة، متسببا في تشتيتهم وإجبار الثوار على التخلي عن استراتيجية السيطرة على مدن كاملة والاحتفاظ بها على أمل أن يستحث ذلك انشقاقات جماعية في الجيش تؤدي إلى سقوط النظام.
واتضح حتى الآن أن من المتعذر على الثوار أن يصمدوا في مواجهة الهجمات المضادة لقوات النظام التي تتمتع بتفوق ساحق عليهم في القوة النارية والتسليح. وبدلا من ذلك، دُفعت المعارضة المسلحة إلى موقف دفاعي حيث تكافح للعثور على أسلحة وذخيرة تواصل بها المواجهة.
واختُزل نشاطها الى حملة فضفاضة من العمليات التي تعتمد تكتيك حرب العصابات على قاعدة اضرب واهرب، وتنفيذ عمليات إرهابية، على حد وصف مجلة تايم. مشيرة إلى أن النظام بقي سالما من حيث الأساس وقواه الأمنية ظلت متماسكة ومدفوعة بالبعد الطائفي للنزاع. كما لا يبدو أن النظام مرشح للانهيار من الداخل على المدى القريب حتى إذا تسبب القمع الذي مارسه في استبعاد تمتعه بالاستقرار على المدى البعيد.
إزاء هذه المعطيات، تعكس خطة أنان الواقع المتمثل في أن المعارضة ومؤازريها الدوليين لم يتمكنوا من فرض شروط على الأسد على الأرض. واضطُرت القوى الغربية والعربية الى التراجع عن المطالبة بتنحي الأسد شرطا مسبقا لحل الأزمة. إذ تنص خطة أنان على وقف لإطلاق النار وإبعاد النزاع عن العسكرة وإيجاد فضاء للمعارضة السياسية السلمية ولكن عنصرها الأساسي هو الاعتراف بأن المفاوضات السياسية حول مستقبل سوريا ستُجرى مع النظام وليس بعد إسقاطه ، كما تلاحظ مجلة تايم.
ويبقى التفاوض مع الأسد مهمة ثقيلة للمعارضة بعد عام من التضحيات والنضال المرير الذي كلف نحو 9000 قتيل ولكن المعارضة لم تكن لها كلمة كبيرة في اعداد الخطة لأسباب ليس أقلها اخفاقها في تقديم جبهة موحدة ذات قوة كافية على الأرض لشق طريقها الى موقع أقوى في حسابات انان ، كما ترى مجلة تايم.
وتكون فرص النجاح في التوصل الى حلول توافقية للنزاعات السياسية العنيفة أكبر عندما يجد المتحاربون أنفسهم في طريق مسدود حيث يدرك كل طرف انه في الوقت الذي يستطيع الصمود بوجه ضربات خصمه فإن هجماته هو غير قادرة على سحق هذا الخصم. ولكن مثل هذا التناظر ليس قائما في ساحة القتال السورية.
فالثوار يبقون قادرين على مناوشة النظام ولكن محاولاتهم الاحتفاظ بالأرض باءت بالفشل من حيث الأساس. ولعل قوة المعارضة تتمثل برصيدها السياسي وفرصتها الأفضل تكمن في نتيجة تسمح لها بتوظيف هذا الرصيد على نحو أشد فاعلية. وهي قادرة على ذلك بكل تأكيد إذا نُفذت خطة انان التي تشترط على النظام السماح بالاحتجاج السلمي تنفيذا كاملا ، بحسب مجلة تايم.
ولكن الأرجح ان الأسد سيحاول تنفيذ الخطة بشروطه مراهنا على التخبط السياسي والاستراتيجي في صفوف خصومه ، في الداخل والخارج. وبدا ان مؤتمر اصدقاء سوريا الذي عقد الأحد في اسطنبول يؤكد هذا التخبط بمجهود بذلته تركيا وقطر على عجل لتوحيد فصائل المجلس الوطني السوري الذي يضم مجموعات متنافرة من معارضة الخارج والكلام بصوت مشروع واحد، لكنه مجهود أخفق في تمويه الشكوك التي تساور القوى الغربية في ما إذا كان المجلس يمثل بديلا ذا مصداقية بنفوذ كاف على الأرض لتبرير رمي ثقلها وراءه.
كما أن الحكومات الغربية ما زالت على ممانعتها إزاء دعوات قوى الخليج الى تسليح الثوار ورفضها القبول بتصعيد ما سيكون على الأرجح حربا أهلية مديدة رغم زيادة المساعدات غير الفتاكة واعلان المعارضة ان سخاء شيوخ النفط سيتكفل برواتب المقاتلين، على حد تعبير مجلة تايم.
وتبدي القوى الغربية عدم تحمس ملحوظ لأي إستراتيجية من شأنها تصعيد التحدي العسكري لنظام الأسد بسبب الآفاق القاتمة والتداعيات الخطيرة التي يمكن ان تترتب على مثل هذا التصعيد في عموم المنطقة. لذا عندما تحذر وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون من quot;العواقبquot; الناجمة عن عدم تنفيذ خطة انان، فإن النظام لا بد أن يلاحظ أن خصومه الغربيين والعرب وفي الداخل لا يملكون خطة متكاملة لمواجهته بهذه العواقب.
وأغلب الظن ان الأسد سيحاول ان يستغل هذا التخبط لتنفيذ نسخة من خطة انان بشروطه هو. ومن هنا تصريح متحدث باسم النظام يوم الجمعة الماضي بأن قوى الأمن لن تنسحب من المدن التي عملت فيها ضد الثوار إلا بعد إعادة quot;الحياة الطبيعيةquot; رغم أن آخرين من المتحدثين باسم النظام زعموا ان الحملة العسكرية انتهت أساسا وان النظام يقوم بعملية quot;تمشيطquot; فقط. وفي كلا الحالتين، فان يوم 10 نيسان/ابريل يمنح النظام أسبوعاً آخر على الأقل للاستمرار في ذلك. وبالطبع ليس هناك ما يضمن ان وحدات الثوار على الأرض ستلتزم ، وان النظام سيتخذ من ذلك ذريعة لمواصلة عملياته.
وحتى لو اتفق مؤتمر أصدقاء سوريا على استراتيجية لتصحيح الخلل في ميزان القوى بين النظام وخصومه، فان مثل هذه الإستراتيجية ستحتاج إلى أشهر ليكون لها تأثير محسوس. ولن يحدث ذلك قبل أن تدخل خطة انان حيز التنفيذ. ولكن ميزان القوى على الأرض ودوليا مختل، حتى أن أفضل أداة بيد انان لإقناع الأسد بالانصياع هو تأييد الصين وروسيا مهمته.
ولكن الروس اوضحوا انهم يتعاطفون مع إصرار الأسد على ان اعادة السلام تستلزم من الثوار ان يوقفوا اعمالهم المسلحة. وستكون لعبة النظام مجاراة موسكو، وقد يتعين على انان ان يكرس الكثير من طاقته لإقناع الروس بدعم رؤيته لتنفيذ الخطة.
وأحد السبل لتأمين التزام الأسد هو نشر قوات لحفظ السلام ولكن من المستبعد ان يوافق النظام على وجود قوات أجنبية على أرضه، وهو لم يضعف بما فيه الكفاية لكي تحمله الضغوط الدولية على القبول بها.
وسيتوقف الكثير على سلوك النظام في الأسابيع المقبلة وهو يحاول تنفيذ خطة انان بشروطه لضمان تفوقه. ولكن النظام يبقى مكشوفا أمام تحدي المعارضة السياسية. والحق أن اخطر ما في خطة انان على النظام قد يكون بندها الذي ينص على السماح باستئناف الاحتجاجات السياسية تحت مراقبة دولية.
وقد يكون لدى الأسد الآن ما يخافه من الحشود الضخمة التي تحتج في مدنه أكثر مما يخافه من مقاتلي المعارضة. فان قواته فتحت النار على هؤلاء المحتجين قبل لجوء المعارضة إلى السلاح بفترة طويلة.
التعليقات