لميس فرحات: في الوقت الذي تشنّ فيه القوات الحكومية هجمات وحشية على معاقل المعارضة في سوريا، بات الثوار أمام خيار يعتمد بشكل متزايد على التفجيرات وعمليات الخطف.

ما إن أدرك الثوار الذين يقاتلون باستخدام أسلحة خفيفة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، أنهم لن يستطيعوا مواجهة الدبابات والقنابل، اتجهوا نحو صناعة القنابل اليدوية التي يستخدمونها كبديل للأسلحة القوية والفعالة التي تنقصهم.

عندما بدأت حملة القمع الوحشية ضد المعارضين في سوريا، اضطر أبو نديم (42 عاماً) لأن ينقل عائلته من منزلها في مدينة إدلب إلى بلدة أكثر أماناً، وحوّل منزله إلى مختبر لصنع القنابل اليدوية، باستخدام يده التي بترت ثلاثة أصابع منها، بعدما فشلت إحدى تجاربه في صنع قنبلة.

في هذا السايق، اعتبرت صحيفة quot;لوس أنجلوس تايمزquot; أنه مع اندلاع الشرارة الأولى للمقاومة المسلحة في سوريا، ظنّ الثوار أن تجربتهم ستكون بمثابة تكرار للنموذج الليبي: ثابتة ndash; ولو بطيئة، وانتقال المعركة إلى العاصمة بدعم عسكري خارجي. لكن في ظل عدم وجود أسلحة وغياب المساعدات الخارجية، والعجز عن تشكيل جبهة دفاعية منظمة، كل هذا أدى إلى ابتعاد الثورة السورية عن النموذج الليبي، وتحوّلها شيئاً فشيئاً إلى حرب عصابات تعتمد على التفجيرات وعمليات الخطف.

ونقلت الصحيفة عن أبو نديم قوله: quot;اعتدنا أن نرى الناس في البلدان الأخرى يضعون أحزمة ناسفة ويقومون بتفجير أنفسهم، والآن نحن نفهم أن ذلك يأتي نتيجة للاضطهاد والتعذيب والقتلquot;. وأضاف: quot;إذا استمر الوضع بهذا الشكل، ولم يساعدنا أحد، من الممكن أن يتجه شبابنا نحو التفجيرات الانتحاريةquot;.

منذ أشهر طويلة، استخدم الثوار القنابل اليدوية الصنع، لكنهم بدأوا بالإعتماد عليها أكثر في الشهر الماضي، في الوقت الذي توجّه فيه الحكومة أنظارها إلى استعادة السيطرة في إدلب المحاذية للحدود التركية، بعد شهور من التقدم التدريجي من جانب الثوار.

وأشارت الصحيفة إلى أنه من غير الممكن معرفة مدى نجاح هذه القنابل في تحقيق أهدافها المنشودة، وكل ما يثبت ذلك هو بضعة أشرطة فيديو صوّرها الثوار، ويزعمون أنهم تمكنوا من تدمير عدد من الدبابات وقتل العشرات من quot;الشبيحةquot;.

من جهته، يقول أبو حمدو، عضو في مجلس قيادة الثورة في إدلب: quot;إنهم يخططون لاستعادة السيطرة على المنطقة قطعة بقطعة. لكن ليست هناك عودة إلى الوراء، لأننا سنموت إذا ألقي القبض علينا، ولذلك نقاتلهم وكأننا أمواتquot;.

لكن تماماً مثل نقص الأسلحة، أدى الاعتماد المتزايد على القنابل إلى نقص في الأسمدة والألومنيوم المجفف التي يحاول المقاتلون الآن تأمينها من تركيا، الأمر الذي أدى إلى توقيف عملياتهم لأيام أو أسابيع في انتظار نقل الإمدادات عبر الحدود.

يقول أمين، أحد الثوار من بلدة بنيش: quot;لولا القنابل اليدوية الصنع لما استمرت الثورة حتى اليوم، خصوصاً في ظل النقص في الأسلحةquot;، مشيراً إلى أنه لولا الحماية التي وفرتها هذه القنابل لكان سكان البلدة فرّوا جميعًا إلى تركيا.

ويقول بلال خبير، زعيم quot;الجيش الشمالي الحرquot; أو ما يعرف بـ quot;كتيبة أحرار الشمالquot;: عندما بدأنا بالتظاهر للمرة الأولى، كنا نأمل في الحصول على الدعم الأجنبي، لكن آمالنا أحبطت. وكان لدينا أمل في المناطق العازلة، وهذا أيضاً لم يحصل. وكنا ننتظر أن يحظى الجيش السوري الحر بدعم عسكري، وهذا أيضاً لم يتحققquot;. وأضاف: quot;كل ما لديّ هو بندقية و120 رصاصة. ما إن تنتهي، سأكون قد انتهيتquot;.

لفترة من الوقت، استخدم الثوار الحمير لتنفيذ التفجيرات عن طريق ربط القنابل على ظهرها وتفجيرها لدى اقترابها من حواجز الجيش، وفقاَ لما يقوله أبوزيدان، وهو مقاتل من قرية جرجناز. ويضيف بسخرية: quot;ثم بدأوا بقتل كل الحمير، والآن ليست هناك أية دابة في إدلبquot;.

حتى الآن يعتمد المقاتلون بشكل متزايد على القنابل المحلية الصنع لتدمير الدبابات، ويركزون هجماتهم تدريجياً على نقاط التفتيش ووسائل النقل وخطف عدد من الجنود أو ضباط الأمن في وقت واحد.

كثرة قادة وقلة أعضاء
وأشارت الـ quot;لوس أنجلوس تايمزquot; إلى أن المعارضة تعاني مشكلة أساسية، وهي كثرة القادة وقلة الأعضاء، الأمر الذي يؤدي إلى خلافات في صفوفها وحدوث انشقاقات عديدة وتشكيل مجموعات مسلحة خاصة.

هذا ما حدث في مدينة إدلب، حيث تم تقسيم ما يقدر بنحو 5000 مقاتل بين أكثر من 10 الميليشيات. وعندما نفذت القوات الأمنية هجوماً على البلدة في شهر آذار/مارس الماضي، أدى غياب التنسيق وضعف الدفاع إلى انهيار المجموعات المعارضة التي نفذت ذخيرتها واضطرت للإنسحاب.

في اليوم الثالث على الهجوم، كان جميع المتمردين قد انسحبوا وفرّوا في كل اتجاه نحو الضواحي. الآن، يقوم مازن العرجاـ أحد الذين نصبوا أنفسهم زعماء على مجموعات معارضة - وهو مهندس زراعي وأب لثلاثة أطفال، بالتنقل من منزل إلى آخر لجمع شمل المقاتلين ورأب الصدع الداخلي.

وختمت الصحيفة بالقول: quot;ما يحدث في سوريا هو سيناريو متكرر، يكتسح الجيش وقوات الأمن قرية بعد أخرى، تاركين وراءهم جثث القتلى والمنازل المحروقة، فيما يحاول المقاتلون جمع شتاتهمquot;.