لميس فرحات: في الوقت الذي تحتد فيه الخلافات بين أنقرة ودمشق، تخشى الطوائف الأقلية من انتقال التوترات في سوريا إلى بلادهم وتعرّض وجودهم للخطر.
تستمر الاشتباكات العنيفة في سوريا، والتي تؤدي إلى نفور متزايد بين حكومتها والدول المجاورة، ما أدى إلى قلق متزايد في الشارع التركي من انتقال الأزمة إليهم. يعبّر فيريت كيليك، صاحب متجر في تركيا، عن هذا القلق، فهو ينتمي إلى الطائفة الشيعية على غرار الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته التي تهيمن على قاعدة شعبية ذات غالبية سنية.
وفيريت هو واحد من مئات آلاف العلويين الناطقين باللغة العربية في تركيا، ويعيش معظمهم بالقرب من الحدود السورية. ويتخوف هؤلاء من أن الصراع الطائفي المجاور قد يفتح خطوط تصدّع في تركيا، خصوصاً أن العلاقات بين الحليفين السابقين أصبحت عدائية بشكل متزايد.
يقول كيليك: quot;حتى الآن، نعيش في وئام مع السنّة هنا. لكن في الماضي كانت هناك استفزازات تهدف إلى التفرقة بين السنة والعلويين، وتدفعهم إلى محاربة بعضهم البعضquot;.
العلويون في تركيا لم يلزموا الصمت حيال ما يجري في سوريا، ففي مطلع شهر شباط/فبراير، نظم الآلاف مسيرتي احتجاج على تغيّر موقف الحكومة نحو دمشق، وعبّر بعضهم عن الدعم العلني للرئيس الأسد.
في وقت لاحق من ذلك الشهر، تم وضع إشارات أكثر من 20 منزلاً في جنوب شرق تركيا بالطلاء الأحمر، في ظروف غامضة. وجميع سكان هذه البيوت ينتمون إلى الطائفة العلوية (أليفي) وهو فرع من المجموعات الشيعية التركية والكردية الذين يفوق عددهم العلويين الناطقين بالعربية.
وتشكل المجموعتين معاً (الناطقة بالعربية والكردية والتركية) ما يقدر بنحو 15 مليون شخصاً، أو خمس عدد السكان الذي يبلغ 75 مليون نسمة.
في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;وول ستريت جورنالquot; إلى أن أحداث الصراع الطائفي في سوريا أدت إلى دق اسفين بين الغالبية السنية في تركيا وعدد من الطوائف الشيعية في البلاد.
وتدفق اللاجئون من سوريا بأعداد قياسية إلى تركيا في الأيام القليلة الماضية، هرباً من هجمات القوات الموالية للحكومة قبل يوم الثلاثاء، أي الموعد النهائي المحدد لوقف إطلاق النار الذي دعت إليه الأمم المتحدة.
وألقى شبح التوترات الطائفية أيضاً بظله على المدن الحدودية التي تتخوف من تكرار مشهد أعمال العنف التي خلفت مئات القتلى في المنطقة في أعقاب الانقلاب العسكري عام 1980.
وأشارت الصحيفة إلى العديد من الاختلافات الثقافية والدينية بين العلويين الناطقين بالعربية، والعلويين الأكراد في تركيا، لكن كلا الفريقين يشعران بالقلق على خلفية سياسة أنقرة تجاه الأزمة السورية.
في الشهر الماضي، ظهرت انتقادات لاذعة إلى الطائفية في المناقشة الداخلية في تركيا بشأن سوريا. فاتهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (ينتمي إلى الطائفة السنية)، زعيم المعارضة في البلاد (ينتمي إلى الطائفة العلوية) بأنه متعاطف مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال أردوغان: quot;لا تنسوا أن دين الشخص هو دين صديقهquot;، مشيراً إلى كيمال كيليسدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض. وشدد رئيس الوزراء ومسؤولون كبار آخرين على أنه في حال ارتفعت أعداد السوريين الذين لجأوا إلى تركيا، فستكون أنقرة مضطرة لاتخاذ خطوات أكثر صرامة، بما في ذلك فتح منطقة عازلة على الأراضي السورية، لحماية المدنيين وضمان الأمن القومي.
وانتقد ممثلون عن العلويين الأتراك مراراً، الحملة العنيفة التي يشنها نظام الأسد على المعارضين، لكنهم عبّروا عن قلقهم من موقف رئيس الوزراء العدواني على نحو متزايد.
ونقلت الـ quot;وول ستريت جورنالquot; عن صلاح الدين أوزيل، رئيس اتحاد جمعيات العلويين في تركيا، قوله: quot;نحن كعلويين أتراك لا نؤيد الأنظمة المعادية للديمقراطية، لكن لا يمكننا أن نفهم لماذا أصبح رئيس الوزراء فجأة عدواً للحكومة السوريةquot;. وكان انهيار العلاقات بين الجارتين سريعاً وحاداً للغاية، فدمشق وأنقرة كانتا حليفين مقربين حتى فصل الصيف، عندما أدى رفض الرئيس الأسد إلى وضع حد للحملة الدموية إلى تحوّل في الجانب التركي.
ولجأ إلى تركيا آلاف السوريين، بمن فيهم أفراد من الجيش السوري الحر، إضافة إلى المجلس الوطني السوري الذي افتتح في اسطنبول مكتباً له في ديسمبر/ كانون الاول. وفي الوقت الذي تجاهل فيه الرئيس الأسد مواقف أنقرة، وتحوّلت مواقف أردوغان الهجومية لتصبح شخصية على نحو متزايد.
وشبّه أردوغان حملة الأسد بأساليب هتلر الديكتاتورية، واعتبر هذا الموقف بمثابة quot;الأقوىquot; الذي يتوجّه به أي زعيم للرئيس السوري. بالنسبة إلى بعض العلويين، يعبّر موقف أردوغان عن الانقسام الديني الذي يمتد تحت سطح الحياة السياسية والمجتمع التركي. ويقول محمد غوزيليرت، وهو طبيب أسنان علوي من أنطاكيا: quot;نحن لم نحل مشاكلنا العرقية في تركيا، كما إن الديمقراطية لم تطبق بشكل تام حتى اليوم. ولهذا نشعر بالقلق لأننا نعرف أن أحداث العنف يمكن أن تحصل في أي وقتquot;.
اتخذ أردوغان بعض الخطوات لتوسيع حقوق الأقليات، والذي تم التوصل إليه في تشرين الثاني/نوفمبر، عندما اعتذر عن مجزرة عام 1937 في مدينة درسيم التي قتل فيها نحو 1300 شخص.
الحكومة التركية على دراية بمخاوف العلويين الأكراد والناطقين بالعربية في تركيا، لكنها تؤكد على أن اعتذار رئيس الوزراء عن المجزرة ديرسيم كان تاريخياً، وأن السياسة الخارجية التركية لا يمكن أن تقوم على حساب ديني أو طائفي.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية: quot;رفضت وزير خارجيتنا الاجتماع مع المجلس الوطني السوري حتى يتم توسيع قاعدته ليشمل مختلف الأديان والطوائفquot;. ويشير بعض المحللين إلى أن الحكومة تحتاج الوفاء بوعدها في تمرير دستور جديد، ومنح مزيد من الحرية للأقليات.
ويقول كرم أوكتيم، من مركز الدراسات الأوروبية في جامعة أكسفورد: quot;هذا التوتر يمكن أن يكون خطراً .... فإذا كانت الحكومة التركية لا تريد أن تعطي حقوق واسعة للعلويين خلال هذه الفترة التي تشهد توترات بين السنة والشيعة، فإنها قد تندم على ذلك لاحقاًquot;.
التعليقات