تؤكد نهاد ابو القمصان،رئيسة المركز المصري للدفاع عن حقوق المرأة، أن القيادات من الشابات أو النساء اللواتي اندفعن إلى الميدان بحثاً عن غد أفضل، فوجئن أن الوضع بعد الثورة جاء مناقضاً لما خرجن من أجله، حيث تزايدت الدعوات التي تريد الرجوع بالمرأة عشرات بل مئات السنين إلى الخلف.


نهاد ابو القمصان

القاهرة: تعد نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري للدفاع عن حقوق المرأة، واحدة من أبرز الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة في مصر خلال العشر سنوات الأخيرة، لها نشاطات مهمة في مجال مناهضة الإنتهاكات بشأن المرأة، وقادت حملات شرسة ضد تلك الإنتهاكات، منها: حملتها لمكافحة ظاهرة التحرش الجنسي، وإقرار قانون الحضانة الذي رد إلى المرأة المصرية بعضاً من حقوقها المهدرة.

ونتيجة لهده الجهود المميزة حصلت على العديد من التكريمات الدولية، وإختيرت بعد الثورة أمينة عامة للمجلس القومي للمرأة، الذي كانت سوزان مبارك تترٍأسه، ولكنها فاجأت الجميع بتقديم استقالتها من المنصب الرفيع، إحتجاجاً على ما وصفته بـquot;استمرار تبعية المجلس للحكومة، والدوران في فلكهاquot;.

وفي الجزء الأول من المقابلة مع quot;إيلافquot;، تؤكد أبو القمصان أن أوضاع المرأة المصرية بعد الثورة أكثر سوءاً من ذي قبل، لاسيما في ظل سيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور، مشيرةً إلى أن تهميش دور المرأة وإعادتها إلى المنزل وحرمانها من التعليم جزء من مشروع التيار الإسلامي السياسي لفرض السيطرة على المجتمع، وقيادته بسهولة.

وإليكم نص الجزء الأول من الحوار:

bull; رغم أن المرأة المصرية شاركت بقوة في الثورة، وقدمت تضحيات متعددة، إلا أنها لم تحظَ بأية مميزات خلال المرحلة الإنتقالية، وتقلص عدد المقاعد الوزارية التي كانت تشغلها قبل الثورة، وكذلك المقاعد البرلمانية. ما تقييمكم لأوضاع المرأة في مصر وباقي دول الربيع العربي؟

القيادات من الشابات أو النساء اللواتي اندفعن إلى الميدان بحثاً عن غد أفضل، فوجئن أن الوضع بعد الثورة جاء مناقضاً لما خرجن من أجله، حيث تزايدت الدعوات التي تريد الرجوع بالمرأة عشرات بل مئات السنين إلى الخلف وانتزاع كل حقوقها وأصبحت نصلاً محموماً مسلطاً على رقاب النساء.

لقد واجهت المرأة المصرية إقصاء شديداً ليس فقط من المشهد السياسي، ولكن من المشهد المصري بشكل عام، فكان إقصاء المرأة من المناصب القيادية هو الأبرز على المستوى السياسي، أما على المستوى الإجتماعي قد تم شن حملات تستهدف تغيير قانون الأحوال الشخصية، والذي حملت بعض مواده انصافاً للمرأة المصرية، إلى جانب مطالبات التيارات الأصولية التي تصاعدت بسرعة بعد الثورة، بعودة المرأة إلى المنزل وتقليص مشاركتها في المجتمع، بل الإنكار التام لوجودها كإنسان، والتعامل معها بإعتبارها عورة يجب إخفاؤها وإخراس صوتها، يأتي هذا في ظل تجاهل أو جهل بإسهام rlm; rlm;المرأةrlm; rlm;في الإقتصاد، حيث أن 32% rlm;منrlm; rlm;الأسرrlm; rlm;المصريةrlm; rlm;تعولها امرأةrlm;.

rlm;ووفقاً لآخر إحصائيات القوى العاملة، فإنها rlm;تمثلrlm; 23.2 %rlm;منrlm; قوة rlm;العمل في القطاع الرسمي، و70% في القطاع غير الرسمي، كما تم إلغاء تخصيص 64 مقعداً في البرلمان للمرأة في قانون الانتخابات وقانون مجلسي الشعب والشورى، والتي ساهمتفي أن تصل مشاركة المرأة في البرلمان إلى 12% في برلمان 2010 ، بعد أن كانت 2% في برلمان 2005، هذا على الرغم من الإبقاء على كوتة العمال والفلاحين التي لا تقل عن 50 %. وقد نص مرسوم تعديل أحكام القانون38 والقانون120 المتعلقين بمجلسي الشعب والشورى، على أن يكون انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب، بنظام القوائم الحزبية المغلقة، والثلث الآخر بالنظام الفردي، وفي جميع الأحوال يجب أن تتضمن كل قائمة مرشحًا من النساء على الأقل.

وذلك من دون أن يحدد ترتيب المرأة في القائمة مما يعطي حرية للأحزاب في وضع ترتيب المرأة، وهو ما يعني عدم فوزها في حال وضعها في مرتبة متأخرة في القائمة، وكانت النتيجة تراجع مشاركتها الى أقل من 2% لتكون مصر أقل دولة عربية في ما يتعلق بمشاركة المرأة في البرلمان. ففي السودان تصل إلى 36% وفي المغرب 10% وفي اللجنة التأسيسية في تونس وصلت إلى 28%.

وأتوقع في ظل التوتر في المرحلة الانتقالية في مصر والدول العربية وصعود تيارات محافظة يمينية ليست لديها خبرة في العمل السياسي أو فهم لألية الدولة، أن المرأة ستعاني بشدة لاسيما وأن التيار الإسلامي يعتبرها إحدى آليات السيطرة على المجتمع ودائماً ما يفكر في السيطرة عليها، أيضاً تقدم له حلولاً شكلية ساذجة لمشكلات معقدة مثل التخيل أن الغاء الخلع وتحويل النساء لعبيد في علاقات زوجية غير متوازنة سيؤدي إلى استقرار الأسرة دون البحث عن المشكلات الحقيقية التي تعاني منها تلك الأسرة.

bull; حصلت المرأة المصرية على مكاسب عدة في العهد البائد، ويحاول التيار الإسلامي ذو الأغلبية البرلمانية إعادة النظر في العديد من القوانين الخاصة بها، ومنها قانون الحضانة، وقانون الطفل، وقانون الخلع، بحجة أنها غير متوائمة مع الشريعة الإسلامية؟

هذه موجة مغرضة، الهدف منها سحب المجتمع المصري عن مناقشة قضاياه الجدية وتستهدف كذلك استمرار العمل للسيطرة على المجتمع المصري من خلال المرأة، يحدث هذا في الوقت الذي تعد أوضاع المرأة في مصر شديدة السوء، حيث تحتل المركز رقم 15 بين الدول العربية في ما يتعلق بحقوق المرأة، والغريب أن وضع النساء في فلسطين تحت الإحتلال أفضل من وضع المرأة المصرية على المستوى التعليمي فلا توجد أمية بين النساء في فلسطين، في حين تصل الأمية بين النساء في مصر الى حوالي النصف.

والأغرب مما سبق أن التيار الإسلامي يترك هذا كله ليركز على قانون الأحوال الشخصية الظالم للمرأة بالأساس، فلا توجد مقارنة بينه وبين القانون المغربي الذي يحمل ملكها لقب خليفة المسلمين.

هذا الأمر لا يمكن فصله عن محاولة هذا التيار إجراء تعديلات شكلية سريعة وأيضًا تغيير هوية المجتمع المصري، أي القضاياكانت أولى بالنقاش الغاء الخلع الذي لا يتعدى 3% من اجمالي حالات الطلاق في مصر أم العمل على توفير سكن لائق لتزويج حوالي 9 ملايين شاب وفتاة تقدم بهم سن الزواج، ويرغبون في بناء أسرة.

bull;وماذا عن دور المجلس ومنظمات المرأة في التصدي لهذا المشروع؟

في ما يخص دور المجلس القومي للمرأة والمنظمات النسائية، فهو يتمحور حول كشف الحقائق وتوعية النساء والمجتمع عامة حول حقوقهم، والحث على ضرورة الحل الجذري للمشكلات التي تعاني منها النساء، بالإضافة إلى إبداء الرأي في مشروعات القوانين والقرارات المتعلقة بالمرأة بطريق مباشر أو غير مباشر قبل عرضها على السلطة المختصة.

وتحديث البيئة التشريعية المتعلقة بالمرأة وتطوير القوانين واقتراح الجديد منها، والعمل على إدماج المرأة في خطة الدولة الاجتماعية والاقتصادية ومراجعة السياسات العامة للتأكد من توافر منظور تكافؤ الفرص، والعمل على تعزيز المشاركة السياسية للمرأة في كل المؤسسات المنتخبة ورفع كفاءتها.

bull; عرف عن المجلس القومي للمرأة أنه quot;مجلس الهوانمquot; أو المجلس الحكومي الذي تسيطر عليه قلة من النساء اللواتي يشكلن الذراع النسائية للحزب الوطني المنحل، ولم تكن المصريات يثقن فيه. كيف يمكن للمجلس بتشكيله الجديد مد جسور الثقة مع المرأة المصرية بعد الثورة؟

تشكيلة المجلس بعد الثورة أفضل نسبياً وأقرب إلى المجتمع، لكن يبقى أسلوب الإدارة هو الذي سيحدد قربه أو بعده عن النساء، فإذا استمرت الإدارة على النهج القديم الملتصق بالحكومة. فهذا يعني أنه ولد ميتاً، لأن ملف المرأة ليس في مقدمة أولويات الحكومة، أيضًا هناك فرق بين مجلس وطني يعبر عن كل النساء وكل التيارات ومجلس حكومي يخضع لتوجه بعينه، وكلما حدد المجلس مسافة مناسبة بينه وبين الحكومة، يتحول الى مجلس وطني، وهذا أفضل. ونتيجة لعدم وضوح الرؤيا قدمت استقالتي كأمين عام للمجلس بعد شهر فقط من تولي هذا المنصب، وان كنت احتفظت بالعضوية في محاولة للعمل على تصحيح المسار، ولن أتردد في تقديم استقالتي منه، إن ظل يدور في فلك الإدارة على النظام المباركي.

bull;كان لسوزان مبارك الفضل في إنشاء المجلس، وكانت تسيطر عليه سيطرة كاملة، وإستطاعت ـ بما لها من نفوذ ـ تمرير العديد من مشروعات القوانين المهمة وكانت في صالح المرأة. هل تحتاج المرأة المصرية إلى السيدة الأولى لنيل حقوقها، وهل مجلس المرأة في حاجة إليها أيضاً ليكون له ثقل في المرحلة المقبلة، أم أن هناك خططاً بديلة من أجل تفعيل دوره من دون زوجة الرئيس؟

الحديث حول فضل سوزان مبارك في انشاء المجلس أو تمرير قوانين لصالح المرأة،يحاول تسويقه التيار الإسلامي لإستخدامه كرأس حربة ضد هذه القوانين. والحقيقة أن العكس هو الصحيح، لأن سوزان مبارك كان لها ظل ثقيل على ملف المرأة، وجرى استخدامه والمتجارة به لصالح النظام السابق، وقد كانت لنا كمنظمات نسائية معارك كبيرة معها لأن رؤيتها للمرأة كانت شديدة التخلف فهي إمرأة تقليدية رغم أنها تعلمت في أحسن جامعات إلا أنها لم تكن تعلم، واكتفت بالبقاء في المنزل لخدمة أولادها، وفجأة القاها القدر في سكة المرأة، كزوجة رئيس، فكانت آراؤها شديدة التخلف وتضر بمجهودنا، بل كانت تقفز هذا المجهود وتفرغه من مضمونه ويصور الإعلام الحكومي ما تقوم به شيئاً عظيماً.

وأؤكد أن كل ما تم كان نتيجة نضال الحركة الحقوقية والنسائية المصرية، ولسنا بحاجة إلى هانم جديدة، وإنما بحاجة الى تقوية الحركة النسائية وحركات التغيير الإجتماعي لتعمل معًا من أجل النهوض بالمرأة كشرط للنهوض بمصر. وإذا قارنا بين مصر والدول العربية والإسلامية، نجد أننا نعاني من تراجع حاد على كل الأصعدة بسبب غياب رؤية تنموية وحقوقية للمرأة المصرية واهمال حكومي وصل الى حد الجريمة، فنسبة الأمية بين النساء وصلت الى حوالي 40 % فأي نهضة نتحدث عنها وأي دعم من سوزان مبارك كان للمرأة!.

bull;ذكرت تقارير إعلامية أن سوزان مبارك كانت تحصل على المنح التي تلقاها المجلس القومي للمرأة من الخارج. ما مدى صحة تلك المزاعم، وما نوعية الفساد الذي بدا لكم في المجلس بعد الثورة؟

لا أعلم، وخلال وجودي كأمين عام لمدة شهر كانت أغلب المشاريع التي لها ممولون انتهت، ومن ثم لا يوجد غير ميزانية الدولة، ولم يكن لدي الوقت للتحقيق عن وجود فساد من عدمه، فقد كنت مهتمة أكثر بوضع السياسات التي تنقل ملكية هذا الكيان للشعب المصري، وكان ملف الفساد أحد الملفات التي لم يمهلني الزمن لفتحه، أو ربما تم افتعال الأزمات معي لعدم الاقتراب منه.

bull; رغم سيطرة التيار الإسلامي، ولاسيما الإخوان والسلفيين على المشهد السياسي في مصر بعد الثورة، إلا أن تشكيل المجلس القومي للمرأة خلا من العناصر النسائية التابعة له، ما عرضه لإنتقادات شديدة، وتوعدوا بحله في أقرب فرصة، ما رأيكم في هذه الإنتقادات، ولماذا استبعد الإخوان والسلفيون النساء من المجلس؟

لم يستبعد الإخوان النساء من المجلس، فقد ورد في التشكيل اسم عضو مجلس الشعب عن الحرية والعدالة المهندسة رضا عبدالله، لكنها أعتذرت بسبب التزامها بموقف الجماعة، ويوجد أكثر من مفكر إسلامي في المجلس.

أما السلفيون فهم بالأساس لا يعترفون بدور المرأة، ووضعوا اسمها على القوائم الانتخابية quot;موضع المضطرquot;، كما جاء في تصريحاتهم، لكن الإخوان هم ضد المجلس بالأساس حتى لو كان فيهتمثيل أكبر منهم ، لأنه يتناقض مع منهج الإستحواذ والسيطرة على كل المؤسسات، والذي يسعون إلى تطبيقه الآن، كما يتقاطع مع تصورهم الخاص حول ما يقولون عنه أنه quot;مجلس الأسرةquot;.

وتعد المرأة في الجوهر من مشروع التيارات الإسلامية السياسية لفرض السيطرة على المجتمعات.

bull; كيف تكون المرأة جزءاً من مشروع السيطرة على السلطة من قبل التيار الإسلامي السياسي؟

لأنها تمثل نصف المجتمع ومسؤولة عن تربية النصف الآخر، فكلما كانت المرأة ضعيفة ومهمشة كلما يسهل اقتيادها والسيطرة على المجتمع، كما أن أي تغيير شكلي له علاقة بالمرأة يسهل فرضه كرمز وجود. فعلى سبيل المثال يكلف تعليم المرأة سنوات من العمل وأموالاً طائلة، لكن اصدار قرار بفرض الحجاب يأخذ ثوانٍ معدودة ويظهر على المجتمع كله كرمز للهيمنة، وقد كان الطلب الأكبر للإخوان في حقبة عبد الناصر، هو فرض الحجاب فكان رد عبد الناصر، أنه معني بتعليم المرأة وعملها قبل أن يفرض عليها الحجاب. وكان أول ما قام به الخامنئي في إيران فرض الحجاب.

وأول ما قامت به حركة طالبان في أفغانستان هو فرض الحجاب وإلغاء مدارس البنات، أي إلغاء عقولهن، مثلما طالب أحد النواب في مجلس الشعب الحالي بحرمان البنات من دراسة الرياضيات والعلوم، وأيضًا موافقة لجنة الاقتراحات والشكاوى على تخفيض سن الزواج للبنات إلى 16 سنة، مما يحرم البنات من التعليم بعد الإعدادية، ويساهم في التسرب من التعليم للزواج للمزيد من الأمية، بالإضافة إلى كونه عنفاً شديداً ضد الطفلات.