مع تزايد البعد الطائفي للانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، يسارع السنة والشيعة في محافظة إدلب السورية إلى أخذ رهائن لاستخدامهم كـquot;أوراق مساومةquot;. فيما وجد المدنيون أنفسهم ضحية تجارة بالرهائن.


في مبنى متداعٍ كان يستخدمه مهندسون زراعيون في قرية حزانو في محافظة إدلب كان عناصر من ميليشيا quot;صواريخ العدلquot; ينتظرون اخبار المفاوضات بشأن تبادل رهائن. جلس وراء مكتب معدني قديم معارض سني مسلح اسمه مصطفى يراقب الهاتف بانتظار أخبار جديدة عن أعمال الخطف، وبدأ يراجع قائمة بالسنة المفقودين في دفتر، بينهم شاب في سيارة يابانية وصيدلي.

ولكن القائمة لا تضم اسماء رهائن شيعة يحتجزهم المعارضون المسلحون في أحد مباني القرية نفسها. فالمدنيون في محافظة ادلب شمال غربي سوريا وجدوا أنفسهم ضحية تجارة بالرهائن.

وينظر السنة باستياء الى موقف الشيعة المؤيد للنظام فيما يخاف الشيعة مما يمكن أن يحدث لهم إذا نجحت الانتفاضة. ودمرت اعمال القتل وانعدام الثقة عقودًا من التعايش السلمي بين الطائفتين ليحل محله شبح حرب طائفية من النمط الذي ابتلى به العراق وتخشاه غالبية السوريين.

وقبل أيام خُطف راعٍ من قرية الفوعة مع قطيعه. وتساءل من سمع الخبر بفكاهة سوداء إن كانت الأغنام شيعية أم سنية. وقال مصطفى لصحيفة لوس انجلوس تايمز إن الراعي لم يُخطف لجريمة ارتكبها بل خُطف لاعتبارات حسابية، quot;بسبب عدد الأشخاص الذين لديهم مناquot;. واضاف quot;أن هذا ليس من طباعنا ولكننا أُضطررنا الى ذلك لجمع العدد الذي نتفاوض بهquot;.

وترسخت دوامة الخطف والخطف المتبادل مع دخول الانتفاضة عامها الثاني. وشهدت الأيام الأخيرة انحسار اعمال الخطف مع دخول وقف اطلاق النار الهش حيز التنفيذ. ولكن الهدوء لم يدم طويلاً في السابق.

وكان النظام صعد حملته في الأيام التي سبقت وقف اطلاق النار وتصاعدت معها شدة العداء ضد النظام. وحتى إذا اسفرت خطة المبعوث الدولي كوفي أنان عن وقف البطش وبدء حوار بين الفرقاء، فإن الاحتقان الطائفي سيبقى قائمًا على الأرجح، بحسب لوس انجلوس تايمز، مشيرة الى أن المعارضين المسلحين السنة في ادلب لا يعترفون بدورهم في هذا الاحتقان ويقولون إنهم اصحاب الموقف الأخلاقي في المعركة ضد الأسد، الذي ينتمي الى الطائفة العلوية، أحد فروع المذهب الشيعي.

وقال ابو محمد، الذي احرق جنود النظام قريته على اطراف حلب بعد قصف استمر أكثر من شهر، quot;إن في كل نزاع طرفين وأن هناك حقًا وباطلاً على الجانبين ولكن الحق على جانبنا اكثرquot;. واضاف quot;أن كل مَنْ في صفوف بشار أو يؤيد بشار هو مع الباطل وسنقاتلهquot;.

كان عبد العزيز (35 عامًا) يُسمى سفير الفوعة ولكن هذا لم ينقذه من الخطف على أيدي اشخاص من سكان هذه القرية ذات الأغلبية الشيعية الشهر الماضي. وكان لدى المهندس المدني السني عبد العزيز اصدقاء وزملاء في الفوعة، وقبل شهرين عندما بدأت اعمال الخطف في المنطقة اصبح وسيطًا يساعد في التفاوض للافراج عن الرهائن وتبادلهم.

وقبل اسابيع كان متجهًا بسيارته من قريته السنية بنيش الى بلدة أخرى لأسباب تتعلق بالعمل. وتعرض للخطف على طريق زراعي عندما انقض عشرة مسلحين على سيارته البك آب واخرجوه منها ثم عصبوا عينيه وأخذوه الى قريتهم رغم أن بعض الخاطفين تعرفوا عليه بوصفه سفير قريتهم.

وتذكر عبد العزيز صباح، في اليوم التالي على الافراج عنه خلال استقبال المهنئين على سلامته، أن الخاطفين قالوا له: quot;أنت ساعدتنا كثيرًا ولكن ليس لدينا خيار ونحن مضطرون الى أخذك رهينةquot;. وظل عبد العزيز محتجزًا لمدة يوم كامل قبل الافراج عنه مع اكثر من 12 من الرهائن السنة الآخرين مقابل 30 شيعيًا خطفهم معارضون مسلحون.

وبعد أشهر على الانتفاضة كانت العلاقات بين قرى ادلب ذات الأغلبية السنية وقريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين لم تزل علاقات ودية ومتحضرة، كما كانت منذ عقود. ولكن في تشرين الثاني/نوفمبر حين أصبحت الانتفاضة والمعارضون المسلحون أحسن تنظيم، بدأ افراد ميليشيات محلية يخطفون اشخاصًا يُشتبه بأنهم من الشبيحة واحيانًا يقتلونهم، كما تقول صحيفة لوس انجلوس تايمز مضيفة أن العديد من ابناء قرية الفوعة التي يبلغ عدد سكانها نحو 20 الفًا يعملون في اجهزة النظام الأمنية.

ومنذ اشهر أعد ابو اديب، وهو معارض من قرية بنيش التي تبعد كيلومترات قليلة عن الفوعة، قائمة وقام بتوزيعها على جميع حواجز التفتيش التابعة للمعارضة المسلحة في المنطقة. وضمت القائمة 52 اسمًا يُشتبه بأنهم من الشبيحة مع اوصاف سياراتهم ووظائفهم. وقُتل سبعة على الأقل من المدرجة اسماؤهم على القائمة أو quot;أُرسلوا الى قبرصquot; بلغة المسلحين. ونجا رجل أُصيب برصاصة في ظهره.

وقال الشيخ عصام، وهو زعيم اسلامي محلي من قرية حزانو، لصحيفة لوس انجلوس تايمز: quot;إن شخصًا من قريتهم كان شبيحة وأخذه رجالناquot;. واضاف: quot;نحن لا ننظر اليهم كشيعة أو من الفوعة أو غير ذلك، بل ننظر الى الأمر على اساس أن هذا الشخص شبيحة يعتدي على الناسquot;.

ولكن قبل شهرين حين استمرت اعمال الخطف أو القتل في استهداف سكان الفوعة، اقام بعض ابناء القرية حواجز تفتيش خاصة بهم على الطريق المحاذي للقرية وبدأوا يخطفون مقاتلي المعارضة. وقال ابو اديب عن الشيعة: quot;هم الذين جلبوا المشاكل على أنفسهم.... إنهم الأقلية بين الأغلبيةquot;.

ويتهم السنة الرئيس الأسد بالمسؤولية عن إذكاء الصراع الطائفي. وقال انس عبد الكريم، وهو جندي انشق عن الجيش واصبح قائد ميليشيا quot;صواريخ العدلquot;: إنه quot;إذا كان بشار يريد اشعال حرب طائفية فنحن ليست لدينا مشكلة في ذلك... لأنه سيكون هو الخاسر فيهاquot;.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان نشرت الشهر الماضي رسالة الى المعارضة السورية تتهمها بممارسة الخطف والتعذيب. وتضمنت الرسالة تقارير تشير الى أن بعض الانتهاكات مدفوعة بالعداء للشيعة والعلويين.

وقال عبد العزيز المهندس السني الذي خُطف أنه تحدث مع اصدقاء في قرية الفوعة يؤيدون الانتفاضة رغم تحذيرات النظام وقادة القرية من أن السلفيين سيأتون الى السلطة ويقتلون الشيعة إذا انتصرت المعارضة.

وأكد عبد العزيز: quot;أن اصدقائي هناك يبقون اصدقاءquot;. وقال عبد العزيز إنه لا يؤيد الخطاب القائل إن الشيعة والعلويين مرتدون يريدون قتل السنة كما يعتقد كثيرون في صفوف المعارضة.

وأكد ابو حسين الذي انتقل من قريته الفوعة الى بنيش بعد أن تلقت عائلته تهديدات من الشبيحة الذين يعتبرونه متعاطفًا مع المعارضة، أن الأجهزة الأمنية وشيوخ القرية يعملون على تأجيج الخوف من السنة بين السكان الشيعة. واوضح ابو حسين quot;أن المجتمع يزداد خوفًا وسيأخذوننا الى الشقاق والحرب الأهلية. فالناس يتحركون على اساس الشائعات.... وهم يزدادون خوفًا ويقبلون على شراء السلاحquot;.

في اواخر آذار/مارس حين سُئل الشيخ عصام إن كان المعارضون المسلحون سيواصلون خطف الرهائن من القرى الشيعية هز رأسه بالايجاب، بحسب صحيفة لوس انجلوس تايمز ناقلة عن الشيخ قوله quot;سيكونون مضطرين الى ذلك فالمسألة ليست مسألة طائفية والمهم بالنسبة لنا أن يعود ابناؤنا سالمينquot;.

وفي صباح ذلك اليوم عثر سكان معرة مصرين على جثة تحمل آثار تعذيب واتضح أنها جثة أحد افراد الأمن من قرية الفوعة الشيعية. وأُعيدت الجثة الى عائلته ولكن القتلة ما زالوا مجهولين.

وفي اليوم نفسه أُفرج عن طبيب شيعي في السبعين من العمر بعد أيام على خطفه مقابل فدية قدرها اكثر من 15 الف دولار. وبعد أيام جرى تبادل غالبية الرهائن بمن فيهم عبد العزيز وتوصل الزعماء المحليون من الطرفين الى هدنة.

وكما حدث مرات عدةمن قبل، فُتحت الطرق وشعر السكان بالأمان في السير مجددًا على الطريق السريع. ولكن بعد فترة لم تطل أقام الجانبان حواجز تفتيش وبدأت اعمال الخطف من جديد، بحسب صحيفة لوس انجلوس تايمز.