مارين لوبين ووالدها جان ماري لوبين

يلاحظ المراقبون أن عددا كبيرا من الشباب الفرنسي لم يحددوا بصفة نهائية وجهة تصويتهم، فيما أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة quot;لو موندquot; أن أغلبية هذه الشريحة، تنوي التصويت لليمين المتطرف، وهو معطى غير سار لمستقبل فرنسا وكذلك للمهاجرين العرب.


باريس: مرّ أحد استطلاعات الرأي بصمت لدى الفاعلين في الحقل السياسي الفرنسي نظرا لكونه لا يخدم طموحات الطبقة السياسية التقليدية في فرنسا، حيث يظهر نية تصويت الشباب، وبالتحديد الفئة المتراوح عمرها بين 18 و24 سنة، لصالح مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين.

الاستطلاع يشير إلى أن 26 بالمئة من هؤلاء الشباب ينوون التصويت لصالح مارين لوبين، لتحتل بذلك المرتبة الأولى لدى هذه الشريحة، متبوعة بفرانسوا هولاند مرشح الاشتراكيين وبفارق نقطة واحدة، ويليه في الموقع الثالث الرئيس المرشح نيكولا ساركوزي بـ17 بالمئة فقط.

الخاسر الأكبر من خلال هذا الاستطلاع، الذي أجراه مركز الدراسات quot;سي إس أquot; لصالح موقع صحيفة لموند، هو نيكولا ساركوزي الذي فقد شعبيته لدى الشباب بما يصل إلى تسع نقاط حيث منحه استطلاع من النوع نفسه بموجب الحملة الأخيرة للرئاسيات نسبة 26 بالمئة، كما أن هولاند لم يجن النسبة نفسها التي حصلت عليها سيكولين روايال في انتخابات 2007 والتي بلغت 29 بالمئة.

هذا وكان للظاهرة quot;الميلونشيةquot; - نسبة إلى مرشح جون لوك ميلونشو ممثل جبهة اليسار في هذه الرئاسيات - نصيب مهم من نوايا تصويت الفئة الشابة في سباق الإليزيه المقبل، حيث نال نسبة 16 بالمئة، مرشحة للارتفاع بحسب بعض القراءات، وهو رقم قريب من حصة ساركوزي التي لم تتجاوز الـ 17 بالمئة.

حقائق وأرقام

يفضل بعض الناشطين في اليمين المتطرف الفرنسي، المعروف بعدائه للمهاجرين، أن يتحدثوا عن كون منظمتهم كانت دائما تستهوي الشباب حتى في عهد والد المرشحة الحالية جان ماري لوبين، إلا أن هذه النسبة في حقيقة الأمر لم تكن تتعدى 11 بالمئة.

ويعتقد هؤلاء أن الإعلام ظل يمارس نوعا من التعتيم على شعبية حزبهم لدى هذه الفئة العمرية، وإن كانت العديد من الدراسات أكدت في السنوات الماضية أن السواد الأعظم من الشباب الفرنسي كان يستهويه اليسار بأحزابه المختلفة، والفئة التي نجح في أن يجرّها نحوه هي تلك التي تملك تكوينا متواضعا، ولم تذهب بعيدا في تعليمها كما أثبتت ذلك دراسة لمعهد quot;إيفوبquot;، حيث لا تتعدى نسبة الطلاب التي أعلنت نيتها في التصويت لحساب مارين لوبين 11 بالمئة.

وفي استطلاع أجري عام 2011 بموازاة تمهيديات الاشتراكيين، بلغت نسبة تأييد لوبين 13 بالمئة فيما حصل فرانسوا هولاند على 39 بالمئة، وهو ما يعني أن مرشحة الجبهة الوطنية حصدت في أشهر قليلة 13 بالمئة كزيادة.

وعرف الشباب الفرنسي عموما خلال السنوات الأخيرة بعزوفه عن المشاركة السياسية حيث تقول بعض الأرقام إن نسبة الممتنعين عن التصويت تلامس العشرين بالمئة، إلا أن آخر الدراسات أكدت أن الشباب يتابعون ويهتمون بالسياسة حيث إن ثلاثة من أصل أربعة لهم اهتمام بالحقل السياسي في بلدهم.

وكانت quot;المؤسسة من أجل التجديد السياسيquot; أجرت دراسة قبل مدة في أوساط شباب عدد من الدول من بينها فرنسا حول نسبة التفاؤل لدى هؤلاء، والمفاجأة لم تكن سارة بالنسبة إلى المسؤولين السياسيين، حيث احتلت فرنسا مرتبة متأخرة مقارنة مع دول نامية كالمغرب ومتقدمة ككندا، روسيا، الولايات المتحدة، السويد، بريطانيا وغيرها.

والسؤال الذي وجه لشباب هذه الدول هو:quot;هل ترى مستقبلك واعدا؟quot;، ثم quot;هل ترى مستقبل بلدك واعدا؟quot;.17 بالمئة فقط من الشباب الفرنسي أجابوا بالإيجاب، فيما أجاب 67 بالمئة من نظرائهم المغاربة بذلك،65 بالمئة بالنسبة للكنديين،63 بالمئة من الأستراليين وبلغت أعلى نسبة لدى الشباب الصيني بـ 82 بالمئة.

إيديولوجية اليمين المتطرف والشباب

لا يخفي المراقبون أن مارين لوبين، التي ورثت رئاسة حزبها عن أبيها، نجحت في تحويل الجبهة الوطنية لحزب quot;قابل للرئاسةquot;، ونقلته من خطاب المعارضة من أجل المعارضة إلى تنظيم له كل حظوظه في أن يحكم يوما ما فرنسا إذا ما قرر الشعب الفرنسي ذلك.

كما يرجع بعض المحللين اليوم هذا التصاعد الصاروخي في شعبية مارين لوبين لدى الشباب إلى كون البرنامجين المقدمين من طرف المرشحين، ساركوزي الذي أطلق إشارات كثيرة تجاه هذه الشريحة خلال الحملة، وفرانسوا هولاند الذي تقدمه كافة استطلاعات الرأي فائزا في هذه الانتخابات، غير مقنعين بالنسبة إلى هذه الفئة.

ويؤكد الخطاب السياسي لمارين لوبين، quot;تغيير المنظومة السياسية بأكملهاquot;، لايمانها، أن اليمين أو اليسار على السواء ما هما إلا وجهان لعملة واحدة، ويحاول أن يعد متلقيه بغد آخر انطلاقا من برنامج يعادي المهاجرين ويتعصب للوطن، وهو أمر تكذبه قراءات كبار الاقتصاديين.

ويبدو أن هذا الميل لدى الشباب نحو اليمين المتطرف لا يمكن له إلا أن يقلق الأقليات وفي مقدمهم المهاجرون، ويضع مستقبل فرنسا المتسامح والإيجابي مع الآخر موضع شك، لأن هذا الصف السياسي، ينظر إليه بأنه قد يضر بالقيم التي عرفت بها الجمهورية الفرنسية أكثر مما يسدي إليها خدمات في حالة وصوله إلى الحكم.

المنظومة الانتخابية في فرنسا لا تسمح بوصول اليمين المتطرف للحكم

الباحث السياسي وليام لوداي استبعد في تصريح لـquot;إيلافquot; أن يصل يوما اليمين المتطرف إلى الحكم في فرنسا على غرار ما حدث في بلدان أوروبية أخرى، وذلك quot;بالنظر إلى المنظومة الانتخابية الفرنسيةquot;، إلا أنه رجح أن يشهد بلده quot;تشكيل ائتلاف بين المحافظين واليمين المتطرفquot;.

ويربط محدثنا تطور النتائج الانتخابية لليمين المتطرف في فرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية quot;بوضعية اقتصادية متدهورة، وارتماء اليمين المحافظ في أفكاره من دون عقد كما حصل بالنسبة إلى ساركوزي وquot;الاتحاد من أجل حركةquot; الذي تجاوز الخط الذي رسمه شيراك مع اليمين المتطرفquot;.

ويقول خريج معهد الدراسات السياسية quot;إيكس أونبروفانسquot; لقد فجر ساركوزي الشريط الأمني الذي وضعه جاك شيراك بين التجمع من أجل الجمهورية، الحزب الذي أنشأ على أنقاضه الاتحاد من أجل حركة شعبية، واليمين المتطرف بعد الانتخابات الجهوية محولا الاتحاد إلى تنظيم قابل لاستيعاب أفكار اليمين المتطرفquot;.

كما واصل لودي في الاتجاه نفسه، quot;خطاب يسيء إلى المهاجرين والمواطنين الفرنسيين ذات الأصول الأجنبية، وكل هذا رفع من درجة التسامح تجاه أفكار اليمين المتطرفquot;.

وأكد هذا الباحث quot;وجوب أن نكون حذرين تجاه استطلاعات الرأي، فهي مجرد استخلاص عام والعينات التي تعتمدها، تكون إما صغيرة جدا، قد لا تتعدى 200 شخص وهي بذلك غير كافية لإصدار حكم كلي، أو لا تمثل جميع الشرائح. سيكون لدينا مقياس للظاهرة بمجرد ما تصدر الدراسات الأولية عند انتهاء الانتخابات الرئاسيةquot;.