يؤكد محللون على أنّ ترويج السلطات لنسخة (ربيعنا الجزائر)، هي توليفة متسللة، رغم اجتهاد عرّابيها في شحنها بإستراتيجية تخويف وتجييش الشارع. وفي تصريحات خاصة بإيلاف، يجزم ساسة ومتابعون بأنّ تعاطي النظام مع الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في العاشر من أيار/مايو المقبل، سيحدد نوعية الربيع الجزائري، ويؤكد هؤلاء على أنّ الخطر الحقيقي على البلاد لا ينحصر في المقاطعة، بل في ارتضاء الحكام التشبث بالسلطة، وملامح مرحلة ما بعد العاشر من مايو سترتسم وفق الاتجاه الذي سيسير فيه الأوصياء.


صورة مركّبة لقادة الأحزاب الجزائرية

كامل الشيرازي من الجزائر: يقول قاسة عيسي، المتحدث باسم جبهة التحرير الوطني (حزب الغالبية)، إنّ شعار (ربيعنا الجزائر) يرضي كثيرًا من الجوانب، ويبرز التموقع الجزائري في ما سمّي بالثورات العربية، حيث خلافًا لما سُمّي بــquot;الربيع العربيquot;، فإنّ الجزائر التي عرفت تحولات منذ عشرين سنة وإصلاحاتها لا تزال مستمرة ومدعومة، تردّ على طرح معين، باستكمال بناء مؤسساتها.

في وقت تهلّل قوى الموالاة لــquot; ربيعنا الجزائرquot;، وترى فيه أداة فعّالة على درب ترغيب مواطنيهم في المشاركة بكثافة في الاقتراع، تسير قوى المعارضة في اتجاه معاكس. في هذا الشأن يستهجن موسى تواتي مصطلح (ربيع)، ويصفه بـquot;الظلمquot; وquot;الوشايةquot; في الجزائر، محمّلاً المسؤولية للإدارة والحكومة المتسببتين برأيه في ما يحدث.

عما يغلّف الحملة الانتخابية الحالية وشعاراتها، يحيل تواتي على ثلاثية: الكيل بمكيالين، التسلق والاستبداد في الرأي، كما يستغرب قائد الجبهة الوطنية الجزائرية (حزب قومي معارض)، ترشح فئة من الأحزاب الموجودة في الحكم، واستعمالها للوسائل العمومية، مع أنّ القانون واضح ويمنع ذلك بشدة.

بدوره، يجزم محسن بلعباس، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (حزب علماني مقاطع للانتخابات)، بكون الشعار الذي ارتضته السلطات لانتخابات الربيع محض تمويه، وهو صرخة في وادٍ، على حد تعبيره.

ينتقد خليفة سعيد سعدي رغبة حكام البلاد في (مراوغة) الشعب على حد ما ورد على لسانه، موقنًا أنّ مواطنيه لن يشاركوا في الانتخابات، لاسيما مع تفاقم المشكلات الاجتماعية، وليس (المساومات) كما نعتها، التي ستقنع الناخبين بجدوى مراودة مكاتب التصويت، لاسيما مع ما سمّاه بـquot;التدخلات الهزيلةquot; للمرشحين في التجمعات، وكذلك عبر وسائل الإعلام الحكومية، ما يكرّس انطباعًا عامًا بأنّ انتخابات العاشر من مايو لن تسهم في تغيير ما هو سائد.

تجييش الرأي العام واللعب على وتر التخويف
يلتقي محللون عند إستراتيجية التخويف التي تقوم عليها الحملة الانتخابية الحالية، واستبسال الساسة في تصوير الربيع العربي كـquot;بعبعquot;، بهذا الصدد، تكشف عبارة quot;ربيعنا الجزائرquot; بنظر المحلل محمد بغداد، هول الخوف الذي ينتاب دوائر القرار من الثورات العربية، وخضوعهم لمنطق العاصفة بغرض الابتعاد عن المسار الجارف وتجنب تكاليفه، التي لن تبقي على أخضر أو يابس، لأنّ من بيدهم السلطة يفتقدون ndash; بحسبه - إلى روح المبادرة، والانسجام مع التاريخ والتعاطي مع قوانينه، والقبول بأحكامه والاستعداد لتكاليف حركته.

يشير بغداد إلى كون الشكل الذي خرجت فيه اللافتة الإشهارية للانتخابات البرلمانية الجزائرية، كشف عن هول الفراغ الإبداعي الذي تعيشه النخبة الحاكمة، وتحديدًا قصور الرؤيا وانعدام المضامين الذوقية والجمالية، التي يفترض أن ترافق صناعة مثل هذه اللافتات، وخاصة في مثل هذه المناسبات، مما يعني المستوى الرهيب الذي بلغته السلطة في رؤيتها للأشياء، وفي تلمسها للواقع الذي تعيش فيه، ورغبتها في تكريس عقلية (ليس في الإمكان أفضل مما هو كائن).

يسجل الخبير أنيس نواري أنّ الأهداف المرتجاة من (ربيعنا الجزائر) هي تجييش الرأي العالم، وتعبئة المجتمع ووضعه في مواجهة ترسانة من المخاوف في حال العزوف عن الانتخاب. ويورد نواري أنّ الشعار يسعى إلى تلبية تطلعات الجزائريين نحو تغيير هادئ والمرور إلى ربيع، ويجعل ذلك مرهونًا بزحف سائر الناخبين في اليوم الموعود، للحصول على نسبة عالية من المشاركة.

يبرز نواري أنّ هذه التوليفة تغرّد منفردة ndash; لم يكن لها صدى في الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية ndash; وتنطوي على خاصية (الترهيب)، حيث أجهد قادة الأحزاب الــ44 في تحذير جمهور الناخبين، مما سينجر عن هزال حجم التصويت وتركيزهم على quot;كارثةquot; سترمي بالبلاد في غياهب لا نهاية لها في مقابل الاهتمام الكبير للغرب بالنسبة الحقيقية للمشاركة في اقتراع الربيع.

من جانبه، يقول بغداد إنّ الأمر منحصر سلطويًا في الظفر بمشاركة شعبية انتخابية معقولة، وإجراء انتخابات لا يهم مضمونها، ولا النتائج المنتظرة منها، لكن الأهم في النهاية، إجراء هذه الانتخابات لكونها الهدف النهائي.

يذهب المحلل رفيق بحري إلى أنّ السلطات تسعى عبر التسويق لربيعها، إلى كسب رهان المشاركة، إلى جانب إيهام الرأي العام المحلي والدولي بحدوث التغيير الموعود، غير أنّ بحري لا يتوقع حدوث أي جديد في الجزائر، لأنّ النية والإرادة غير متوافرتين، على حد تعبيره، ملاحظًا أنّ النظام ومن يدور في فلكه، يلعب على وتر التخويف من تكرار الهاجس التسعيني، ويسعى إلى توظيف مخاوف الشارع لإسقاط مزاعم المعارضة.

ووسط ظرف خاص يطبعه احتقان اجتماعي بفعل الارتفاع القياسي في أسعار المواد الأساسية، يقرّ قاسة عيسي بأنّ الشوط الأول من الحملة كان شاحبًا، معتبرًا أنّ الأحزاب الجديدة لم تقدم الإضافة المنتظرة، حتى إنّ ملصقات الكثير منها لا تزال غائبة رغم انقضاء أسبوع كامل.

كما يدرج قاسة عامل عدم تسويق الأرقام المرجعية للأحزاب إلاّ بعد مرور يومين على افتتاح الحملة، وذهب قاسة إلى أبعد من ذلك حينما توقع أن تكون نسبة المشاركة في التشريعيات المقبلة أقل مقارنة بالانتخابات المحلية والرئاسية، اعتبارًا لالتصاق الموعدين الأخيرين برهانات حساسة في مخيال الناخبين.

الشارع لا يبالي
المتأمل في تعاطي الشارع المحلي، يلمس حالة مضاعفة من اللامبالاة بما يقع. في هذا الشأن خاطبنا سليم المهندس المعماري: quot;عن أي انتخابات تتحدثون؟، لا وقت لي للمسرحquot; (..)، فيما أردف عبد الله وهو متصرف إداري: quot;إنّه لا يستوعب الانتخابات، ولا يريد أن يدركها، لأنها مهزلة، على حد قوله.

في أحد المقاهي الشعبية الضيقة، التقينا بمجموعة من الشباب المنهوكين، ببسمات فاترة، قال رشيد، كمال، لطفي وكريم إنهم لن ينتخبوا لأنّ الانتخابات مزوّرة مثلما كانت دومًا، وليس الموعد المقبل استثناء.

من جانبها، قالت الأرملة فطّوم: quot;كيف يراد لنا أن نصوّت، ونحن محطّمون بالغلاء والمضايقات؟quot;، في حين أعقب آخر: quot;الانتخابات لا تعنيني، متى رأيتم حزبًا صعد بالتزوير، وتورّط قادته في التزوير، والآن يتعهدون باقتراع نظيف!quot;، في حين علّق ثالث: quot;نسبة الممانعة ستكون قياسية هذه المرة، ولن تفلح آلة الإدارة في التسويق للعكسquot;.

في حي القصبة الشعبي في أعالي الجزائر العاصمة، شدّد شيخ مسنّ على أنه : quot;لن نصوّت ما دمنا محرومين، ومتروكين لمصيرناquot;، بينما أوعزت أم ثكلى قائلة: quot;الألم ينهشنا، والحكومة لا تبالي بنا، فلم نبالِ بها؟quot;، بينما أطلق بائع خضر تنهيدة طويلة قائلاً: quot;لا يمكن للسلطة أن تفسّر للعالم مقاطعتنا، بأنّنا لا نحب بلادناquot;.

لا أمل بالتغيير والثورة مستبعدة
يتصور المحلل عبد القادر تواتي أنّ ما تقوم به السلطة حاليًا، ما هو إلاّ محاولة ـ تحت تأثير الربيع العربي ـ لامتصاص الغضب الشعبي المتزايد، حتى تتفادى بحسبه رياح التغيير، وتحقق الاستثناء، بيد أنّ محدثنا يجزم بأنّ الشعب وطموحاته في وادٍ، والسلطة ومن نحا نحوها من أحزاب أظهرت ضعفها، وتشرذمها، في وادٍ آخر.

يشير تواتي إلى أنّ كل المؤشرات والدلائل توحي بأنه لا نية لدى السلطة بالتغيير الحقيقي، والإصلاح الجاد الذي تطمح إليه الجماهير، فهي لا تزال متشبثة بالسلطة باسم الثورة والوطنية، وغير مؤمنة بمبدأ التداول السلمي عليها، رافضة إعادة الكلمة إلى الشعب والاحتكام إليه عبر الانتخابات الحرة، والنزيهة. ويستدل تواتي باستمرار بما يسميه (إقصاء) السلطة لجبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة، ورفض الإدارة مطالب الأحزاب وملاحظات لجنة الرقابة، والمتعلقة أساسًا بقوائم الناخبين، في صورة ورقة الانتخاب المثيرة للجدل.

إزاء احتمال تكرار منهج الثورات العربية quot;العنيفquot; في الجزائر، يسجل خبراء أنّ الذي يحول في الجزائر دون وقوع ما وقع في تونس ومصر من ثورة شعبية سلمية، ليس رضا الشعب عن نظام حكمه، فالأوضاع من هذه الناحية متشابهة جدًا، بل تكاد تكون واحدة، على حد وصفهم.

ويُلفت تواتي إلى أنّ المانع يرجع إلى أمور أخرى تتعلق أساسًا بطيبة هذا الشعب، وحبه لوطنه وخوفه عليه، إضافة إلى آثار عشرية العنف الدموي في تسعينيات القرن الماضي، ما لا يغري أحدًا بالثورة، ولو كانت سلمية، نظرًا إلى التجارب المحلية المرة في هذا المجال، إضافة إلى تجربتي ليبيا وسوريا أيضًا، ولكن ذلك مشروط بإمكانية تحقيق مطالب الشعب وتطلعاته المشروعة نحو الحرية والعدالة بطرق أخرى أفضل منها.

يعتقد الخبراء أنّ الكرة الآن في مرمى السلطة، ومفتاح الحل عندها، لكنه للأسف في جيبها، لا في يدها، والمسؤولية كاملة ملقاة على عاتقها، وعلى الذين طالما زايدوا على غيرهم بالوطنية وحب الوطن، أن يثبتوا اليوم أمام الشعب أنّ الوطن أحبّ إليهم من السلطة وكراسي الحكم، ذلك أن الخطر الحقيقي على البلاد ndash; يقول تواتي - اليوم ليس في المقاطعة، وإنما في التشبث بالسلطة، واستعمال القوة أو التزوير للبقاء فيها، ويعتقد أن حركة السلطة في هذا الاتجاه أو ذاك هي التي تقرر نوعية الربيع الجزائري لا شيء آخر غير ذلك.