الأزمة السورية تضر بأتراك الحدود

بعد أن كانت منطقة انطاكيا الحدودية، منطقة مزدحمة تكثر فيها الشاحنات المتجهة الى سوريا ومركزا تجاريا حدوديا، ها هي الآن تعاني كسادا بسبب الأزمة السورية وموقف تركيا المتشدد ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وبدأت المصالح والأعمال المحلية فيها تدفع الثمن.


لندن: كانت ساحة وقوف السيارات في محطة الحافلات الرئيسة في مدينة انطاكيا الحدودية التركية مقفرة على غير العادة.

ففي السابق، كانت المدينة ممرا مزدحما للسيارات والحافلات والشاحنات المتجهة الى سوريا والقادمة منها. وجلس أربعة رجال حول طاولة منخفضة يلعبون الشدة. وقال احدهم quot;هذا ما نفعله طول اليومquot;.

وبعدما كانت المنطقة مركزا تجاريا حدوديا زاد حجم المبادلات عبره على 2.5 مليار دولار قبل عامين، فانها الآن تعاني كسادا بسبب الأزمة السورية وموقف تركيا المتشدد ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وبدأت المصالح والأعمال المحلية في انطاكيا تدفع الثمن.

وتحدث مصطفى غونشاش الذي يعمل في مكتب صغير لبيع التذاكر عن الكساد قائلا ان لدى المكتب 10 حافلات وكانت كل واحدة منها تمتلئ بالمسافرين. اما الآن فهناك مسافران أو ثلاثة مسافرين على كل حافلة.واضاف في حديث لمراسل صحيفة الغارديان quot;فقدتُ كل ما كنتُ احصل عليه من بقشيش، وكنا نأكل الدجاج كل يوم في البيت ولكننا الآن بالكاد ندبر عيشتناquot;.

وقال محمد الذي يملك متجرا لبيع المنسوجات عبر الشارع انه اضطر الى تسريح اربعة من عماله مؤكدا ان تجارته انخفضت بنسبة 95 في المئة.واضاف ان كثيرا من السوريين كانوا يأتون ليوم أو يومين بهدف التسوق ولكنهم توقفوا عن المجيء. ثم تابع quot;ان كثيرا منا يريدون أن يبقى بشار وان يعود الاستقرار الى سوريا. فنحن كنا أفضل حالا في السابقquot;.

وهؤلاء ليسوا الاتراك الوحيدين الذين يعبرون عن تأييدهم للنظام في دمشق.فان الأقليات الدينية مثل المسيحيين والعلويين الاتراك ونظراءهم السوريين يشعرون بقلق متزايد من الآثار السلبية التي قد تترتب على دعم انقرة للمعارضة السورية المسلحة، بحسب صحيفة الغارديان ناقلة عن تاجر الجملة المسيحي جميل متياس اوغلو quot;ان سوريا كانت تبدو ملاذا آمنا للكثير من العلويين والمسيحيين. وكان من بواعث اطمئنانهم أن يعيشوا قرب الحدود السورية وهم يعرفون أن بإمكانهم دائما التوجه الى هناك إذا تردت الأوضاع في تركياquot;.

لدى تركيا 20 مليون علوي. وليس من الصعب العثور على متعاطفين مع الأسد في التجمعات السكانية العلوية المتاخمة للحدود بين البلدين.

ويتحدث بعض افراد الأقليات عن أضرار لحقت بهم على أيدي معارضين سوريين. وقال فريد وهو عربي مسيحي مولود في تركيا انه كان عائدا من زيارة الى حلب مدينة زوجته في كانون الأول (ديسمبر) الماضي عندما تعرضت سيارة العائلة لهجوم معارضين انهالوا على السيارة ضربا بقضبان الحديد، وهشموا المرآة الخارجية على جانب السائق وألحقوا أضرارا أخرى.

وقال ان الانبعاجات والشروخ ما زالت مرئية على سيارته، وأشار فريد الذي يعيش في بلدة سمانداغي الى منزل آخر وسط بستان، قائلا إن ساكنيه أرمن وعلى مسافة قصيرة منهم عائلات علوية وبعض جيرانه سنة. واضاف quot;نحن جميعا نتعايش جنبا الى جنب فلماذا يحاولون تأليب بعضها على البعض الآخر؟quot;

وعلى بعد حارات قليلة كان احمد زميل فريد في المدرسة يجلس في حديقة منزله يتبادل اطراف الحديث مع والدي زوجته ابراهيم ومريم اللذين كانا يعيشان في حمص. وفي نهاية شباط (فبراير) تركا بيتهما في حي الحميدية ذي الأغلبية المسيحية، وهربا للعيش مع اقارب في طرطوس، وقبل اسبوعين التحقا بابنتهما رنا وزوجها احمد واطفالهما الثلاثة في سمانداغي.

ونقلت صحيفة الغارديان عن احمد الذي يعمل خياطا quot;ان مسلحين من المعارضة دمروا جميع الكنائس الاثنتي عشرة في حي الحميديةquot; في حمص. واضاف ان العديد من المنازل أُصيبت بأضرار جسيمة ومنازل أخرى أخلاها سكانها هربا من النزاع في المدينة.

وقالت رنا quot;ان المعارضين كانوا في بعض الحالات يسمحون للناس بأخذ متعلقاتهم ولكن مسلحين يعيشون في البيت الآن حيث يقاتلون ضد الجيشquot;. وقالت امها مريم انها تعرضت للتهديد لأنها حاسرة الرأس. واضافت quot;قالوا لنا quot;سنغطيكم انتم ايضاquot; وquot;سيأتي دوركم بعد العلويينquot;. كنا خائفين جداquot;.

وفي أماكن أخرى، تتركز هموم أتراك الحدود على الوضع الاقتصادي. وقال صالح جيلان الذي يعمل في شركة لتأجير السيارات إن تردي الوضع الأمني في منطقة الحدود منع كثيرين في انطاكيا، والقرى المحيطة من دخول سوريا لشراء مواد ضرورية مثل السكر واللحوم والشاي التي تباع بأسعار أرخص على الجانب السوري.

وأكد ان نسبة كبيرةتعيش من التهريب، وان الحكومة التركية كانت تغض الطرف. quot;إذ ليست هناك صناعة في انطاكيا فماذا يفعل الناس؟quot;

وقال يوسف دمير اوغلو الذي يدير شركة لتصدير الفواكه والخضروات مع شقيقه منذ 10 سنوات، إن تجارته هبطت بنسبة 60 في المئة منذ العام الماضي. واشار الى انه كان يصدر نحو 200 طن من الفواكه يوميا الى اسواق الشرق الأوسط، ولكنه بالكاد يصدر هذه الكمية في اربعة ايام حاليا.

وحين سُئل إن طلب احد من اللاجئين السوريين ان يعمل لديه اجاب quot;نعم ولكني رفضتهمquot;. فان غالبية أصحاب المتاجر هنا من العلويين وهم لا يريدون سوريين سنة يعملون هناquot;.

كما تضررت شركات نقل الأفراد والبضائع في المنطقة. وقال علي يوريور الذي يملك شركة لسيارات الأجرة بين انطاكيا وحلب، إن الحركة هبطت بنسبة 80 في المئة مشيرا الى ان سائقي السيارات أصبحوا يخافون من العمل على هذا الخط.

ويصح الشيء نفسه على حركة الشاحنات، وقال احمد يلماز الذي كان ينقل الطماطم والفلفل بشاحنته من الاردن الى رومانيا، انه ليس متفائلا بشأن نجاح الثورة السورية ويخشى ان موقف الحكومة لتركيا بدأ يثير مشاعر معادية لتركيا داخل سوريا.

واشار الى 10 ثقوب أحدثتها طلقات في هيكل شاحنته قائلا quot;أنا اقود شاحنتي عبر سوريا منذ ثماني سنوات، ولم تقع لي مشكلة وبالأمس على الطريق بعد حماة مباشرة اطلق جنود سوريون النار على شاحنتيquot;.

وأضاف يلماز ان جميع مسلحي المعارضة اختفوا من المنطقة التي مرّ بها quot;ويبدو ان الجنود استعادوا السيطرة على الطرق والبلدات وهناك حواجز تفتيش كثيرة في كل مكانquot;. وقال يلماز quot;لكن هذه كانت آخر رحلة ولن أمر من هناك مرة أخرى بكل تأكيدquot;.