أثارت التصريحات التي أطلقها عمر سليمان نائب الرئيس المصري السابق حسني مبارك حول علاقة جهاز المخابرات بجماعة الإخوان المسلمين واتهامهم بالسعي إلى الوصول إلى السلطة على حساب مصلحة الشعب، الكثير من الجدل في الأوساط السياسية، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين.


أحد المؤتمرات الصحافية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر

أحمد حسن من القاهرة: كشف عمر سليمان عن وجود اتصالات بين الإخوان المسلمين وجهاز المخابرات العامة طوال عهد مبارك من أجل السعي إلى احتوائهم سياسيًا، والتهدئة حتى لا يلجأ الاخوانإلى العنف، كما ذكر أن جهاز المخابرات طالب الجماعة بإنشاء حزب سياسي بشرط التنازل عن فكرة الجماعة، مشيرًا إلى أن العلاقات بين الجماعة والمخابرات مرّت بثلاث فترات منذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتى مبارك، وأن الأخير كان أكثر انفتاحًا معهم، ولكنهم كانوا يسعون دائمًا إلى تحقيق أغراضهم السياسية على حساب المصلحة العامة.

ووفقاً للدكتور كمال الهلباوي القيادي الإخواني السابق لـquot;إيلافquot; فإن الإخوان حركة كبيرة، ولديهم تاريخ طويل من المشاركة في العمل الوطني، وبالتالي كانت هناك اتصالات مع الجهات الأمنية في الدولة، ومن بينها المخابرات، وجهاز أمن الدولة، وبالتأكيد هذه العلاقة قائمة على تبادل المصالح والمنفعة، ولا يشترط أن تكون علاقة مشبوهة، مطالبًا جماعة الإخوان بالإفصاح عن هذه العلاقة ومداها، حيث إنهم الوحيدون الذين يحتفظون بحق الرد على حديث عمر سليمان، ولكن هذا السكوت من جانب الجماعة يؤكد أن ما قاله عمر سليمان صحيح.

انتقد الدكتور عبد السلام النويري أستاذ العلوم السياسية في جامعة أسيوط تصريحات عمر سليمان، معتبرًا أن ذلك يكشف عن انحراف دور جهاز المخابرات العامة، وقيامه بدور غير موكل عنه، فمعروف أن دور جهاز المخابرات خارجي، ومن حيث المنطق كان يفترض ألا يذكر عمر سليمان أسرار عمل الجهاز، وألا يستخدمها في الصراع السياسي بعد ترشحه للانتخابات الرئاسية، التي خرج منها لأسباب غير معلومة.

وقال الدكتور النويري لـquot;إيلافquot; إنه قد ثبت من التجارب السابقة أن كل ما يتعلق بالملفات السرية لا يمكن تصديق صحتها، فالملفات السوداء التي أعلن عنها عمر سليمان لا يمكن معرفة كونها صحيحة أم مفبركة.

واعتبر أناتصالات الإخوان مع المخابرات على مدار السنوات الماضية من حيث المبدأ مقبولة وطبيعية، ولكن السؤال هل كانت اتصالات سياسية أم دينية أم للإيقاع بالجماعة؟، فالمصريون من حقهم معرفة الحقيقة طالما فتح هذا الملف من جانب عمر سليمان أو الإخوان. وأضاف النويري أن الإخوان مثل أي قوة سياسية تبحث عن السلطة، وهذا ليس عيبًا، ولكن النظام السابق هو الذي زرع الخوف في نفوس الشعب من وصول الإخوان إلى السلطة، فتحول هذا الأمر الطبيعي إلى محاذير وخيانة تحاسب عليها الجماعة، وهو الأمر الذي استغله عمر سليمان؛ ليعلن عن وجود اتصالات بين المخابرات والإخوان، وأن الجهاز اكتشف تطلعاتهم إلى السلطة.

كما أكد الدكتور محسن السعيد الباحث في الجماعات الإسلامية لـquot;إيلافquot; أن العلاقة بين السلطة والجماعة شهدت فترات ما بين الجذب والتوافق. فمنذ الثلاثينات وإعلان حسن البنا عن قيام التنظيم السري، بدأت عمليات الاغتيال بأحمد ماهر، مرورًا بالمستشار أحمد الخازندار، ثم محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء، ولكن مع قيام ثورة 52 عادت العلاقات إلى التوافق حتى عام 54، ومحاولة الإخوان اغتيال عبد الناصر والطمع في السلطة، وكان جهاز المخابرات بقيادة صلاح نصر يرفض التفاوض أو التقارب مع الجماعة اعتمادًا على تاريخهم القديم.

عمر سليمان

وأضاف: quot;زاد هذا الاعتقاد عند قيام سيد قطب عام 1965م بإنشاء تنظيم سري خاص، واستمرت العلاقات المتوترة بين الدولة والإخوان حتى بعد منتصف السبعينات، عندما أراد السادات ضرب الشيوعية عن طريق الجماعة في صفقة، مقابل الإفراج عن البعض من الإخوان، وفتح الباب أمامهم للعمل السياسي والاجتماعي، بشرط أن يكون تحت أنظار الأجهزة الأمنية، ومن بينها المخابرات. أما في عهد مبارك فقد ترنحت العلاقة بين النظام والإخوان، ولكن دائمًا كان النظام يعمل على الاستفادة من الجماعة، وقد تعاونوا كثيرًا مع الأمن والمخابرات، إلى أن جاءت واقعة ميليشيات الأزهر، وهنا أدركت الدولة خطورة التنظيم السري للجماعة quot;الجناح العسكريquot;، وبدأت سلسلة من الاعتقالات لقيادات الجماعةquot;.

وتابع: quot;أما بعد ثورة 25 يناير، فشهدت تلك الفترة تقاربًا كبيرًا من جانب الدولة والمخابرات من أجل فضّ المظاهرات مقابل إقامة حزب سياسي، والإفراج عن المحبوسين سياسيًاquot;، مؤكدًا أنه لا يمكن إنكار العلاقات المتبادلة بين الجماعة وجهاز المخابرات منذ أيام عبد الناصر، وهناك تفاصيل حول هذا الملف قد تدين الطرفين. مشيرًا إلى أن الجماعة تبحث دائمًا عبر تاريخها عن الوصول إلى السلطة، وتستخدم الدين للتغطية على هذا المسعى.

من جانبه، رفض الدكتور فريد إسماعيل عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة الاتهامات التي ذكرها عمر سليمان. وقال لـ quot;إيلافquot; إنها من دون دليل، وتأتي في إطار الحملة لتشويه صورة الإخوان في الفترة الأخيرة، وتعبّر عن انتقام سياسي ردًا على رفض البرلمان والإخوان ترشحه في الانتخابات الرئاسية، وصدور قانون العزل، بدليل حديثه عن وجود صندوق أسود للقوى السياسية، ثم تراجعه وتكذيبه لهذه التصريحات.

مؤكدًا أن الإخوان لم يكن من أهدافهم الوصول إلى السلطة، فالجماعة تعبّر عن الشعب المصري، والانتخابات البرلمانية خير دليل على ذلك، وقال: إن الإخوان كانوا من أكثر التيارات التي تعرّضت للسجن والتعذيب على يد مبارك، فكيف يقول سليمان: إن النظام كان يعمل على احتوائهم سياسيًا؟.