جددت التفجيرات الانتحارية التي وقعت يوم أمس الاثنين إلى جانب سلسلة التفجيرات الأخرى في كافة أنحاء سوريا المخاوف من أن تمنح الاضطرابات الحاصلة هناك فرصة للجماعات الإسلامية المتطرفة كي تنمو، وهو السيناريو الذي يخشى المسؤولون الغربيون من أن يزيد من صعوبة احتواء الأزمة المشتعلة في البلاد.
وجاء هذا التطور أيضاً ليعقد الجهود التي يتم بذلها لكي يمتثل الرئيس بشار الأسد إلى محاولات وقف إطلاق النار بوساطة من الأمم المتحدة. هذا وقد وقع تفجيرين انتحاريين في مناطق مزدحمة بمحافظة إدلب الشمالية في وقت مبكر من صباح يوم أمس، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 9 أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 100. وفي وقت سابق، أصابت قذائف صاروخية مبنى المصرف المركزي في العاصمة دمشق.
هذا وقد وقعت ثماني هجمات انتحارية في سوريا منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بما في ذلك التفجيرين الذين وقعا يوم أمس، وكذلك الانفجار الذي وقع يوم الجمعة الماضي، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص. ونقلت في هذا السياق اليوم صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن مسؤولين عرب وغربيين وبعض من أعضاء المعارضة السورية قولهم إن الهجمات تشير إلى تنامي أنشطة القاعدة والجماعات الإسلامية السنية المتطرفة في العمليات التي تستهدف النظام السوري، في الوقت الذي تطورت فيه الانتفاضة الشعبية ضد الأسد إلى صراع مسلح.
وأضاف مسؤولون أميركيون، بمن فيهم جيمس كليبر، مدير الاستخبارات الوطنية، أن الهجمات التي استهدفت مقار أمنية واستخباراتية في دمشق وحلب على مدار الأشهر الأربعة الماضية تمثل هجمات تنظيم القاعدة، وأن المتطرفين، وبخاصة المسلحين التابعين لتنظيم القاعدة من العراق، ربما اخترقت جماعات المعارضة السورية.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين في هذا السياق :quot; نشعر بقلق متزايد من أن تكون تلك الهجمات خارجة عن سيطرة المعارضة السورية .. وأن تكون جماعات أخرى متورطةquot;.
فيما نفت جماعات تابعة للمعارضة السورية، بما في ذلك الجيش السوري الحر، أن يكون لها أي دور في الهجمات التي وقعت يوم أمس، وحمَّلت الحكومة المسؤولية. ولطالما سبق لمعارضين أن أعربوا عن اعتقادهم أن دمشق تشن تلك الهجمات لكي تثبت أنها تحارب إرهابيين، وهو مصطلح مشوش استخدمته الحكومة للإشارة لخصومها.
بينما أشار كثير من النشطاء إلى أن الإرهابيين يعملون، ولو حتى على المستوى الفردي، في أنشطة مناهضة للحكومة في حفنة على الأقل من المدن والقرى. في وقت ينظر فيه الإسلاميون السنة المحافظون إلى الطبقة العلوية الحاكمة باعتبارها فصيل مرتد.
ومضت الصحيفة تنقل عن أيهم كامل، وهو محلل متخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى مجموعة أوراسيا المعنية بتقييم المخاطر السياسية، قوله :quot; ما نراه هو تحول في الحرب الأهلية حيث مَكَّن العنف عناصر المعارضة المتطرفة الذين كانوا جزءً من الشبكات الجهادية العالمية، وبخاصة التي تحظي بتواجد في العراقquot;.
وأشار مسؤولون أميركيون وآخرون غربيون إلى أن تواجد متطرفين من جماعات يمكن تحديدها في سوريا ما يزال محدوداً، وأن المعارضة المسلحة تتألف بشكل كبير من منشقين عن الجيش ومقاتلين مدنيين محليين. غير أن البعض بدأ يحذر من أن المتطرفين يسعون لترك أثر كبير. وقال مسؤول استخباراتي أميركي رفيع المستوى إن الولايات المتحدة تتوقع رؤية قيادة القاعدة المركزية وهي تحاول أن تحظي باليد الطولي في العمليات التي تقوم بها في سوريا وأن توجه المسلحين التابعين لها هناك.
وحذر مسؤولون أيضاً من احتمالية أن يلجأ النظام السوري إلى استخدام هجمات انتحارية في تبرير قمعه المسلح المتواصل للمعارضة، رغم تعهده بالالتزام بوقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه في الثاني عشر من الشهر الماضي بوساطة من كوفي أنان، المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. وبينما لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن التفجيرات التي وقعت يوم أمس الاثنين في محافظة إدلب، أعلنت جماعة جهادية سورية ناشئة تطلق على نفسها quot;جبهة النصرةquot; مسؤوليتها عن بعض التفجيرات الانتحارية الأخرى التي وقعت في دمشق وحلب.
وأوضح بعض المحللين الاستخباراتيين أن الجماعة بدا وأنها قد تكونت من سوريين سبق لهم خوض غمار القتال ضد الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وعادوا من وقتها إلى سوريا. ومع هذا، يبدو أن الجماعة نجحت سريعاً في تكوين وسائل اتصال مع المواقع الإلكترونية التي تستخدم عادةً من جانب الجماعات المرتبطة بالقاعدة، وفقاً لما ذكرته شركة Exclusive Analysis الاستخباراتية.
فيما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، إن ما لا يقل عن 20 شخصاً، معظمهم أفراد ينتمون للقوات الأمنية، قد لقوا مصرعهم في تلك التفجيرات التي استهدفت على ما يبدو مقرين أمنيين منفصلين. كما تحدث المرصد عن تفجير ثالث في محافظة إدلب وانفجارين صغيرين آخرين على الأقل في دمشق وضواحيها يوم أمس الاثنين، ليكون يوماً حافلاً بالهجمات واسعة النطاق.
التعليقات