زار الرئيس الأميركي باراك أوباما بشكل خاطف، وفي زيارة لم يعلن عنها من قبل، أفغانستان يوم الثلاثاء، وذلك لتوقيع اتفاق استراتيجي مع كابول وليبعث برسالة في عام الانتخابات مفادها أن دور الولايات المتحدة في الحرب الافغانية يقترب من نهايته، لكنها لن تتخلى عن هذا البلد.

الرئيس الأميركي ملقيًا خطابه من قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان

قاعدة باغرام الجوية: وعد الرئيس الاميركي باراك اوباما مواطنيه بـquot;يوم جديدquot; بعد اكثر من عقد من الحرب في افغانستان، البلد الذي أجرى زيارة مفاجئة اليه بعد عام على تصفية اسامة بن لادن.

وخلال هذه الزيارة التي استمرت ست ساعات ليل الثلاثاء الاربعاء، وقع اوباما ايضًا اتفاق شراكة استراتيجية مع نظيره الافغاني حميد كرزاي، يحدد اطر وجود الجنود الاميركيين في البلاد حتى العام 2024.

وهذا الاتفاق الذي وقع قبل ثلاثة اسابيع من قمة الحلف الاطلسي في شيكاغو، لا يلحظ ابقاء قواعد عسكرية دائمة في افغانستان لكنه يلزم هذا البلد منح quot;تسهيلات للقوات الاميركية حتى العام 2014 وما بعدهquot;.

كما يلحظ الاتفاق quot;امكان (بقاء) قوات اميركية في افغانستان الى ما بعد 2014 لتدريب القوات الافغانية واستهداف (عناصر) القاعدة المتبقينquot;، بحسب البيت الابيض.

واشار البيت الابيض الى أن quot;الولايات المتحدة ستعتبر افغانستان حليفًا رئيسيًا غير عضو في الحلف الاطلسيquot;، وهو امتياز سبق أن حصلت عليه بلدان مثل اليابان والاردن ومصر. الا أن هذا الاتفاق quot;لا يلزم الولايات المتحدة بعدد جنود أو مستوى تمويل في المستقبلquot;.

واكد اوباما في خطاب وجههمن قاعدة باغرام الجويةعند الساعة الرابعة فجرًا بتوقيت افغانستان، أي في اولى ساعات المساء في الولايات المتحدة، quot;أن الهدف الذي حددتهبالتغلب على القاعدة ومنعها من اعادة تجميع قواها بات في متناولناquot;.

وكرر الرئيس الاميركي دعوته طالبان الى الانضمام الى المصالحة الافغانية.

واضاف: quot;قلنا بوضوح أنه بالامكان أن يصبح لهم دور في المستقبل اذا ما قطعوا صلاتهم بالقاعدة واحترموا القوانين الافغانية. كثر هم اعضاؤهم وعناصرهم الذين اظهروا اهتمامًا باجراء مصالحة. طريق السلام مرسومة امامهمquot;.

لكن quot;اولئك الذين يرفضون سلوك (هذا الطريق) سيجدون أنفسهم امام قوات امنية افغانية قوية، مدعومة من الولايات المتحدة وحلفائناquot; بحسب اوباما.

وتابع اوباما: quot;تقدمنا على مدى اكثر من عقد تحت السحب السوداء للحرب. لكن هنا، في الظلمة التي تسبق فجر افغانستان، نميز بزوغ يوم جديد يرتسم في الافقquot;.

وقال: quot;ادرك بأن الكثير من الاميركيين سئموا من الحرب. بصفتي رئيسًا، لا شيء يؤلمني اكثر من توقيع رسالة الى عائلة (جندي قتيل) أو النظر الى عيني طفل سيكبر من دون أم أو أبquot;.

واكد quot;لن أترك أميركيين في خطر يومًا واحدًا اكثر مما هو ضروري لأمننا القومي. لكن علينا انهاء العمل الذي بدأناه في افغانستان وانهاء هذه الحرب بطريقة مسؤولةquot;.

وكان الرئيس الاميركي غادر واشنطن ليل الاثنين الثلاثاء وحطت طائرته في قاعدة باغرام العسكرية على بعد 50 كلم من كابول. ثم توجه في مروحية الى القصر الرئاسي في العاصمة الافغانية بعيد الساعة 23,00 بالتوقيت المحلي.

وبعد ساعة، وقع اوباما وكرزاي اتفاق الشراكة الذي يمتد خلال الاعوام العشرة التي تلي انسحاب القوات المقاتلة الاميركية بحلول نهاية 2014.

وهذا الاتفاق الذي انجز في نيسان/ابريل يتطلب مصادقة برلماني البلدين عليه.

وتجاوبت واشنطن مع كابول في ما يتصل بشرطين طرحتهما لتوقيع الاتفاق: نقل مسؤولية سجن باغرام الى السلطات الافغانية وانهاء الغارات الليلية للقوات الدولية على متمردي طالبان.

وهذه الزيارة لاوباما هي الثالثة التي يقوم بها منذ توليه الحكم في كانون الثاني/يناير 2009. وفي زيارته السابقة إلى افغانستان في كانون الاول/ديسمبر 2010 لم يبقَ الرئيس الاميركي سوى أربع ساعات في باغرام برفقة الجنود الاميركيين ولم يلتقِ كرزاي.

وتنشر الولايات المتحدة 87 الف جندي في افغانستان يشكلون اكبر كتيبة داخل قوة الحلف الاطلسي (ايساف) التي تضم 130 الف جندي.

وتدخلت قوات الحلف في افغانستان في تشرين الاول/اكتوبر 2001، بعد شهر من اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر وسارعت الى الاطاحة بنظام طالبان الذي كان يستضيف اسامة بن لادن. وتمت تصفية الاخير في الثاني من ايار/مايو 2011 في هجوم اميركي في باكستان.

ورغم المقاومة التي تبديها طالبان، تحسن الوضع الامني في افغانستان وخصوصًا بفضل تصاعد قدرات القوات الافغانية وفق ما اعلن البنتاغون في تقرير نشر الثلاثاء. لكن وزارة الدفاع الاميركية تداركت أن معاقل المتمردين في باكستان والفساد يشكلان quot;تحديات جدية وبعيدة المدىquot;.

وكان اوباما ارسل عشرات آلاف الجنود الاميركيين الاضافيين الى افغانستان وحدد نهاية 2014 موعدًا لإنسحاب الولايات المتحدة من هذا البلد، وهو استحقاق لم يبدله مقتل بن لادن.

وتأتي زيارة الرئيس الاميركي في لحظة حساسة تشهدها العلاقات بين البلدين، اثر هجمات ارتكبها شرطيون أو جنود افغان بحق عناصر في قوات التحالف. فقد قتل 18 عسكريًا اجنبيًا بـquot;نيران صديقةquot; مصدرها افراد في القوات الافغانية منذ بداية العام، ما يشكل نحو عشرين في المئة من خسائر قوات التحالف وفق تعداد لفرانس برس.

وعزا البعض هذه الهجمات الى سلوك بعض الجنود الاجانب، على غرار اميركيين تم التقاط صور لهم فيما كانوا يبولون على جثث افغان أو آخرين احرقوا نسخًا من المصحف.

واتهمت المعارضة الجمهورية اوباما باستغلال مقتل بن لادن لغايات انتخابية، قبل ستة اشهر من انتخابات السادس من تشرين الثاني/نوفمبر الرئاسية.

اتفاق الشراكة الاستراتيجية

يعمق اتفاق الشراكة الاستراتيجية الموقع بين الرئيسين الاميركي باراك اوباما والافغاني حميد كرزاي التزام الولايات المتحدة في افغانستان للسنوات العشر التي ستلي انسحاب القوات الاميركية المقاتلة نهاية العام 2014.

وخاض البلدان مفاوضات شاقة منذ نحو عامين للوصول الى هذا الاتفاق الذي اراد الاميركيون توقيعه قبل قمة الحلف الاطلسي في شيكاغو يومي 20 و21 ايار/مايو، والتي من المتوقع أن يركز الحلف خلالها على دوره في افغانستان على المدى الطويل.

ومن المقرر أن ينقل جنود التحالف الدولي في افغانستان البالغ عددهم 130 الفًا، والذين هم بنسبة الثلثين من الاميركيين، كامل المسؤولية الامنية في كابول بحلول نهاية العام 2014.

وسمح اتفاقان يحددان اطار نقل السلطة على سجن باغرام والغارات الليلية للقوات الدولية على متمردي طالبان إلى السلطات الافغانية، برفع تحفظات كابول وتوقيع quot;اتفاق الشراكة الاستراتيجية الدائمةquot;.

وتمتد مفاعيل الاتفاق الى عشر سنوات بحسب نائب وزير الخارجية الافغاني جاويد لودين، على قاعدة quot;الاحترام المتبادل والمصالح المشتركةquot;.

واوضح البيت الابيض في بيان لهأن الولايات المتحدة تتعهد تقديم دعمها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والامن وانتظام عمل المؤسسات الافغانية.

في المقابل، تتعهد افغانستان التي ستعتبر quot;حليفًا رئيسيًا غير عضو في الحلف الاطلسيquot;، تعزيز شفافية مؤسساتها وحماية حقوق الانسان وتقديم حسابات في شأن استخدام المساعدات الدولية.

وعلى المستوى الامني، وحالما تغادر القوات الدولية بغالبيتها البلاد نهاية العام 2014، لا يلحظ الاتفاق عدد العسكريين الاميركيين الذين سيبقون في البلاد ولا قيمة المساعدة المقدمة الى القوات الافغانية.

وينص الاتفاق فقط على منح افغانستان للعسكريين الاميركيين حق quot;الوصولquot; الى البلاد كما يلحظ امكان بقاء قوات اميركية quot;لتدريب القوات الافغانية واستهداف (عناصر) القاعدة الباقينquot;.

واكد البيت الابيض في بيانهأن الولايات المتحدة quot;لا تسعى الى حيازة قواعد دائمة في افغانستانquot;.

ومن المفترض أن تتم معالجة هذه المسائل عبر اتفاق امني مشترك يتعين التفاوض عليه.

كذلك توصلت افغانستان الى اتفاقات شراكة استراتيجية مع بريطانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا.