لا يبدي الكثير من السوريين في دمشق والمدن الهادئة اهتمامًا بما يجري في بلدهم من ثورة، وفي ظل ما يتلقونه من معلومات متضاربة من كلا الجانبين، يرى هؤلاء الناس أنهم لا يعلمون القصة الكاملة، وإن كانوا يشعرون بأن الخيار الآمن هو الانسحاب من الواقع والسماح للمعركة بالاستمرار من حولهم.


رغم تواصل عمليات الكر والفر بين قوات الرئيس السوري بشار الأسد من جهة، وبين المعارضة من جهة أخرى، واستمرار تواصل الجهود المبذولة على الصعيد الدولي لاحتواء الوضع المتفجر في البلاد، إلا أن تلك الفئة التي يطلق عليها اسم quot;الأغلبية الصامتةquot; في سوريا تفضل العيش في حالة إنكار لما يدور حولها من أحداث.

وهو ما أبرزته اليوم صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية بإلقائها الضوء على هؤلاء الناس الذين يعيشون وهم غير راغبين في تصديق المتغيّرات التي تحدث من حولهم.

ونقلت في هذا الصدد عن شابة تدعى رحيمة، قولها :quot; الحياة على ما يرام في دمشق. والثورة، أين الثورة ؟ ليست هناك ثورةquot;، ثم مسحت كلتا يديها بخفة للتأكيد على أن المشكلة قد تم حلها بشكل قاطع. ومضت الصحيفة تقول في هذا السياق إن تفكير رحيمة الحالم لم يعد غريباً في دمشق هذه الأيام، وأضافت أنه ومع فتح مراكز الاقتراع أبوابها، يوم أمس الاثنين، في سوريا، لإجراء انتخابات برلمانية يعتبرها معارضو الأسد انتخابات زائفة، بدأ يصرف مزيج من الخوف والاضطراب والشعور بالرضا بعض السوريين بعيداً عن الصراع الدموي الذي تعيشه بلادهم منذ أكثر من عام ليتجهوا صوب العيش في حالة إنكار لما يدور حولهم من تطورات.

مواطن يعرض ذخائر استخدمتها قوات الاسد لدى وصول المراقبين الدوليين

وفي ظل ما يتلقونه من معلومات متضاربة من كلا الجانبين، يرى هؤلاء الناس أنهم لا يعلمون القصة الكاملة، وإن كانوا يشعرون بأن الخيار الآمن هو الانسحاب من الواقع والسماح للمعركة بالاستمرار من حولهم. وأشارت الصحيفة إلى أن أفراد تلك الفئة التي لا يمكن تحديدها كمياً ويطلق عليها اسم الأغلبية الصامتة في سوريا ليسوا من المتحمسين للنظام أو من أنصار المعارضة، ومازالوا يلتزمون الصمت حتى الآن ndash; رغم أنهم يرغبون أن يعرفوا في الخفاء المزيد من المعلومات والحقائق.

وتابعت الصحيفة بنقلها عن فتاة شابة تدعم النظام ومازالت متعطشة لمعرفة المزيد بخصوص أسباب وآلية تصدي الناس له، قولها :quot; نبحث عن الحقيقة منذ آذار/ مارس من العام الماضي. ولم نعثر عليها حتى الآنquot;. وأجمع محللون في الإطار ذاته على أن الانتخابات الأخيرة ndash; شأنها شأن الاستفتاء الذي أُجري على دستور جديد في شباط/ فبراير الماضي ndash; تعتبر جزءاً من وهم كبير تحاول الحكومة أن تصور من خلاله أن الصراع الذي تشهده البلاد من الممكن أن تتم مواجهته بحل سياسي.

وأضافت الصحيفة أنه وفي الوقت الذي تعيش فيه دمشق وحلب أجواء هادئة إلى حد كبير، فإن التقارير التي تتحدث عن المزيد من عمليات القتل تصدر بصورة يومية من مناطق تنشط فيها قوى المعارضة حول البلاد، رغم عمل طاقم صغير من مراقبي الأمم المتحدة.

وذلك في الوقت الذي يواصل فيه المسؤولون في دمشق تقليلهم من نطاق وتأثير العنف الذي يحدث بشكل كبير من جانب قوات النظام الأمنية، وفي الوقت الذي شبَّه فيه أحدهم تلك الفوضى بالاضطرابات التي تحدث أثناء تجديد منزل، وفي الوقت الذي قال فيه مسؤول آخر: quot; سوف ينتهي هذا كله في غضون عام، وستصبح سوريا آمنةquot;.

وهي التصريحات التي رأت الصحيفة أنها أدت إلى ظهور تفكير مزدوج على نطاق واسع بشكل يومي في دمشق بشأن تلك الأزمة التي تبدو بعيدة وقريبة فيالوقت ذاتهمن حل.

لدرجة أن أحد سكان دمشق قال لمراقب غربي إنهم يخبرون أنفسهم بأن أصوات القنابل التي يسمعونها هي في واقع الأمر أصوات عواصف رعدية، ولا يزال يذهب كثيرون إلى المواقع الشعبية التي يمكنهم التنزه فيها في جميع أنحاء المدينة، حتى في الوقت الذي تتعرض فيه الضواحي المتاخمة للقصف. وأضاف أحد سكان العاصمة السورية دمشق قائلاً :quot; لست قادراً على فهم دمشق أو الناس أو مواقفهم، حيث يتم قتل مواطنين سوريين على بعد نصف ساعة من المركز. والناس في دمشق إما أنهم مازالوا منكرين لما يحدث، أو أنهم يرغبون في الاستمتاع لأقصى درجة بأوقاتهم قبل أن يأتي الوقت الذي لا يمكنهم فيه مغادرة منازلهمquot;.

وختمت الصحيفة بلفتها إلى حالة العداء التي يكنها سكان الأحياء والمناطق التي تنشط فيها المعارضة تجاه وسائل الإعلام المحلية التي يعتبرونها كاذبة في تغطيتها للأحداث.